تُعرف الديون المعدومة بأنها المبالغ المستحقة على العملاء التي لا يُتوقع تحصيلها وذلك لتعثر العميل أو إعلان الإفلاس، ولا يتم إعدام الدين إلا بعد اتخاذ الإجراءات الممكنة كافة لتحصيل المبلغ المستحق، مثل إعطاء العميل خصماً نقدياً عند السداد أو اللجوء إلى القضاء.
لكن عمليات الإغلاق بفعل الجائحة عام 2020، وما تبعها من خسارة الملايين لوظائفهم في العالم، تسببت في تراكم مئات الملايين من الدولارات من الديون المعدومة.
وكان تقرير لوكالة "إس أند بي غلوبال للتصنيفات الائتمانية"، صدر في مارس (آذار) الماضي، توقّع أن تستمر مؤشرات جودة الأصول لدى البنوك الخليجية في التدهور، وأن تبقى تكلفة المخاطر مرتفعة مع البدء بالاعتراف بالتأثير الحقيقي لعام 2020 ورفع تدابير الإغلاق المتوقعة بشكل كامل في النصف الثاني من العام الحالي.
وأضافت الوكالة أنه وبالنظر إلى أسعار الفائدة المنخفضة، ستظل ربحية البنوك منخفضة عام 2021 وما بعده، مع احتمال حدوث بعض الخسائر هذا العام. ودعت البنوك إلى ضرورة الإبقاء على رأس مال قوي ومستقر وإلى استمرار معدلات التمويل الجيدة للبنوك الخليجية، والإبقاء على الدعم الحكومي و دعم الجدارة الائتمانية للبنوك عام 2021.
توقعات بنمو طفيف في الإقراض الخليجي
وتوقعت "إس أند بي غلوبال" نمواً طفيفاً في الإقراض بشكل عام في دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر والسعودية. وفي الأخيرة، رجّحت أن يستمر الإقراض العقاري في ظل الأهداف التي وضعتها الحكومة لزيادة الملكية العقارية للمواطنين السعوديين، كما تحدثت عن احتمال حدوث إعادة تمويل للديون في قطر، مع تدهور جودة الأصول في جميع المجالات ونمو القروض المتعثرة.
واعتبرت "إس أند بي غلوبال" التدابير المنفذة من قبل معظم البنوك المركزية في المنطقة داعمة للسيولة، لكنها لم تقلل من مخاطر الائتمان في الموازنات العمومية للبنوك حتى الآن.
وأشار تقرير الوكالة إلى أن البنوك الخليجية عانت من صدمة ثلاثية للربحية عام 2020، جراء انخفاض نمو الإقراض وتراجع أسعار الفائدة لفترة أطول وارتفاع تكلفة المخاطر. وتوقعت أن تظل تكلفة المخاطر مرتفعة بعد قفزة بنسبة 60 في المئة عام 2020، إذ خصصت البنوك المخصصات استعداداً لمزيد من الضغوط. كما رجّحت أن تستمر رسملة البنوك الخليجية لدعم أهليتها الائتمانية عام 2021.
الجائحة راكمت الديون المعدومة
قال وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار" لـ"اندبندنت عربية"، "بلغة المحاسبة اليوم يطلق على الديون المعدومة لفظ إمبيرمنت، أي الديون المنخفضة القيمة. وبالنسبة إلى البنوك المحلية عادة ما توجهها البنوك المركزية في توقيت الأزمات في ما يتعلق بالتعامل مع الديون المشكوك في سدادها. ففي حالة عدم سداد الدين أو التلكؤ، يُحسب على سبيل المثال 25 في المئة من إجمالي المبلغ على أنه ديون مشكوك في تحصيلها، وبعد فترة تمتد إلى 90 يوماً ترتفع النسبة إلى 50 في المئة وهكذا".
ويشير الطه إلى "تراكم الديون المعدومة في المنطقة الخليجية بشكل كبير بسبب ظروف الجائحة وما أسفرت عنه من عدم القدرة على السداد، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات. لدينا 62 بنكاً وطنياً مدرجاً في أسواق المال السبع في الخليج، شهدت أرباحها المجمعة انخفاضاً بنحو 33 في المئة لتصل إلى نحو 23 مليار دولار أميركي بنهاية عام 2020".
ويرى الطه أن التأثيرات الأساسية التي تسببت بهذا الانخفاض تأتي من مصدرين، الأول ارتفاع مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها، والثاني يتمثل في انخفاض الأرباح التشغيلية.
تراجع الديون المعدومة وتحسن الأداء التشغيلي
وقال الطه إن تحسن الأوضاع والتعافي الاقتصادي الحاصل وسرعة عمليات التلقيح، إلى جانب أسعار النفط التي تبعث على التفاؤل، ستؤدي إلى تراجع مخصصات البنوك المحلية (الديون المعدومة) في المنطقة في الربع الأول من عام 2021، كما دفعت إلى عكس المخصصات بمعنى أن الديون التي كان هناك شك في تحصيلها العام الماضي، يجري تحصيلها اليوم، وهذا الانخفاض سينعكس بشكل إيجابي على نتائج البنوك.
وأضاف أنه من المهم الإشارة إلى أن المخصصات ليست سيولة بل هي قيد دفتري، بالتالي فإن انخفاضها يعني تراجع المخاطر التشغيلية، منوّهاً إلى أن المخصصات لا تُولد سيولة.
وأوضح أن هناك تحسناً في السيولة والوضع التشغيلي للبنوك المحلية في دول الخليج من ناحية منح القروض، وهو أمر أساسي للتعافي الاقتصادي.
الديون المعدومة وفوائد السداد
وعن استفادة البنوك من فوائد الديون المعدومة أو رسوم تأخر السداد، يقول الطه إن هناك تعليمات من البنوك المركزية أنه في حال عدم سداد الديون يتوقف احتساب الفائدة المستحقة، موضحاً "على سبيل المثال، هناك شخص لديه قرض وعليه فوائد، هذه الفوائد تعتبر إيرادات. بالتالي عندما لا يسدد القرض، لا تسجل الفوائد كإيرادات وإنما تُسجل على العميل، بالتالي فإن مسألة القدرة على السداد تتفاوت من بنك لآخر، فهناك بنوك تبقي على الفوائد وهذا جزء من صلاحيتها وبنوك أخرى تخفضها أو تلغيها كي تحصل على أصل الدين".
وعن معايير "بازل 2" وارتباطها بأي اشتراطات في ما يتعلق بالديون المعدومة، يشير الطه إلى أن "الديون المعدومة تصب في مؤشرات أخرى، فالبنوك بشكل عام، بخاصة في الدول النامية قادرة على اتخاذ القرار وعقد التسويات مع العملاء في ما يرتبط بالديون المعدومة ضمن الإطار العام الموضوع من قبل البنوك المركزية".
زيادة مساحة الاقتراض من البنوك
من جانبه، قال محمد رمضان، المحلل الكويتي في الشؤون الاقتصادية، إن المسألة في الكويت صعبة بعض الشيء، بسبب غياب الاهتمام بالشؤون الاقتصادية، وأي إجراء يتم اتخاذه من قبل السلطات لا يلقى اهتماماً في ما يتعلق بالآثار السلبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن البنك المركزي في الكويت يتخذ إجراءات مختلفة، مثل زيادة مساحة الاقتراض من البنوك والسماح بمساحة تمويلية أكبر. كما أن البنوك قامت من تلقاء نفسها بوقف سداد أقساط القروض للجميع لمدة ستة أشهر في الفترة الماضية، وحالياً وبفعل مطالبات شعبية جديدة تم إقرار قانون يؤجل سداد أقساط القروض لستة أشهر أخرى (للمواطنين فقط).
وأضاف أن تداعيات جائحة كورونا على البنوك في الكويت دفعت إلى تمديد آجال الديون من أجل شراء مزيد من الوقت للتخفيف من مخصصات البنوك (الديون المعدومة) بشكل ربع سنوي أو سنوي، وهو ما فعلته البنوك عام 2008.
وأشار رمضان إلى حادثة غريبة من نوعها برزت في الكويت أخيراً، تمثّلت في لجوء بنك الكويت الوطني إلى النيابة العامة لاتخاذ إجراء ضد أحد كبار المساهمين وهي "مجموعة الخرافي".
وقال رمضان "لقد صدر بيان عن الطرفين، وهنا نرى الإشكالية الحاصلة في ظل غياب الشفافية، ومن المتوقع أن نرى الأمور جلية في نتائج أرباح البنوك في نهاية عام 2021".
صراع على المديونيات
وكانت صحيفة "الجريدة" الكويتية نشرت في 10 مايو (أيار) الحالي تعقيب بنك الكويت الوطني على ما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن "صدور حكم قضائي بالحجز على ممتلكات عائلة الخرافي وشركة الخير الوطنية وجميع الأبناء المتضامنين لمصلحة بنك الكويت الوطني". وأكد البنك أنه "يتمتع بمركز مالي وائتماني قوي في ظل إدارته الحصيفة"، على حد قوله، وتحت مظلة بنك الكويت المركزي.
وأوضح البنك أن ما بادر به من إجراءات قانونية ضد مجموعة من العملاء بموجب سندات تنفيذية (عقود رسمية موثقة)، يأتي في إطار الإجراءات المصرفية المعتادة التي يقوم بها البنك لتحصيل مديونيات عملاء وقعوا في حالات تعثر أو إخلال بالشروط التعاقدية، وذلك لحثهم على سداد مديونياتهم.
وأضاف أن جزءًا كبيراً من تلك الديون مدرج كبنود خارج الموازنة ومكون لها مُخصص بالكامل، بينما الجزء المُتبقي منها المدرجة في الموازنة مُغطاة بالكامل بضمانات كافية، موضحاً أنه في حال استدعى الأمر قيام المصرف بتكوين مخصصات إضافية، فإنه ليس من المتوقع أن يكون لهذا الإجراء تأثير مادي في المركز المالي للبنك.
ونشرت الصحيفة الكويتية تصريحاً نُسب إلى لؤي جاسم الخرافي، الرئيس التنفيذي لشركة محمد عبد المحسن الخرافي وأولاده، قال فيه إن "ما حدث لا يمكن اعتباره (إجراءات قانونية معتادة) من البنك، فالخلافات تفترض أن كل طرف لديه حق بحسب العقود المبرمة".
وأضاف الخرافي "ما قام به البنك من تحرك خاطئ ومبهم يُعدّ تعنّتاً وتعسفاً يدل على أنه تعنّت شخصي ينطوي على شبهة تعمّد الإضرار والإيذاء بمجموعة الخرافي، من دون وجه حق، والذي سيضر البنك أولاً وبسمعة القطاع المصرفي ثانياً قبل الإضرار بالمجموعة"، مشيراً إلى أن "المديونية مغطاة بالكامل بضمانات كافية، باعتراف البنك في كتابه إلى البورصة، وقيامنا بسداد الأقساط الماضية بمبلغ يفوق 500 مليون دينار (مليار ونصف المليار دولار أميركي تقريباً)".
وقال "الخلاف لا يكون معتاداً - كما ذكر في رسالة البنك - عند احتساب القروض بفائدة 10 في المئة وطلب السداد الفوري… على الرغم من قيامنا بسداد الأقساط سنتين مقدماً إلى منتصف عام 2023"، مشيراً إلى أنه "خلاف مالي وإخلال تعاقدي وانتهاك لأحكام القوانين والاتفاقيات ذات الصلة من جانب البنك، ويُعدّ تعنتاً تم بموجبه اتخاذ الإجراءات القانونية ضد البنك لاستيفاء التعويضات المناسبة الجابرة للضرر، وحفظ حقوق المجموعة".
ومجموعة الخرافي الكويتية متعددة النشاطات وتعتبر أكبر شركة خاصة في البلاد، ومن أضخم الشركات في المنطقة، إضافة إلى كونها من كبار المساهمين في شركات عدة في سوق الكويت للأوراق المالية.