"أرشيف الأطفال المفقودين" هي أول رواية بالإنجليزية للكاتبة المكسيكية فاليريا لويسيلي، صدرت عن دار كنوبف للنشر في فيراير (شباط) 2019. استوحتها لويسيللي من سياسة أميركا المتبعة لفصل الأطفال عن الأبوين على الحدود المكسيكية الأميركية. تلقت الرواية مراجعات إيجابية بأغلبية ساحقة، واختيرت كواحدة من أفضل عشرة كتب لعام 2019 في "نيويورك تايمز"، كما ترجمت إلى الإسبانية، وحازت جائزة فوليو لعام 2020، وأدرجت في القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2019 وجائزة المرأة للإبداع لعام 2019، وأخيراً فازت بجائزة دبلن الأدبية البالغة قيمتها 100 ألف يورو، التي أعلن عنها الخميس 20 مايو (أيار) 2021.
حكايات داخل الحكاية
في مدينة نيويورك، يلتقي رجل يعمل في علم الصوتيات بصحافية أثناء تسجيل مشروع عن اللغات، يتزوجان ويكونان أسرة مع طفليهما، ابن الزوج من علاقة سابقة وابنتها من علاقة مماثلة. وبعد أن يقضوا معاً سنوات، يقرر الزوج السفر إلى أريزونا لتسجيل مشروع عن أباتشي. لم تكن المرأة ترغب في الذهاب، بيد أنها تدرك أن زوجها مستعد للتخلي عنها. فتوافق على مضض، لإرجاء انهيار هذا الزواج ولو لبعض الوقت ليس إلا، وتفكر بالمرة أن تنطلق هي وابنتها في رحلة بحث عن ابنتي صديقتها مانويلا، وهما طفلتان عبرتا الحدود بحثاً عن ملجأ ومنذ ذلك الحين اختفيتا في الحجز الفيدرالي.
هنا يتم نسج قصص المهاجرين المكسيكيين مع قصة العائلة الأميركية في رحلتها البرية جنوباً عبر الولايات المتحدة، بأن يروي الأب حكايات أطفال أباتشي وجيرونيمو، بينما تخبرهم الأم عن الأطفال المفقودين الذين هاجروا من أميركا اللاتينية عبر الحدود، بحثاً عن ملاذ يظنونه متاحاً في الولايات المتحدة. تحرك القصص خيال الطفلين لأقصى حد ممكن، فيفكر الصبي في النهاية أنه إذا ما ضاع هو الآخر والفتاة أيضاً، فقد يكون بوسعهما العثور على ابنتي مانويلا ووالديهما، إذ إنهما آنذاك سيكون بوسعهما البحث عنهما، و سيتمكنان من استعادتهما. هكذا يقرر الصبي الهروب مع الفتاة، تاركاً خريطة لوالديه يخبرهما أن شملهم سيلتئم في النهاية في وادي إيكو Echo Canyon.
تفاصيل رحلة أخرى
إضافة إلى تفاصيل رحلة العائلة المكونة من أربعة أفراد من نيويورك إلى أريزونا، تروي لويسيللي بجموح تفاصيل رحلة أخرى، يقرأ الصبي أثناءها كتاباً كانت والدته تقرأه كثيراً بعنوان "مرثيات للأطفال المفقودين". وببراعة فائقة تندمج شخصيات الكتاب المقروء مع شخصيتي الفتى والفتاة، حيث يلتقيان في الصحراء ويسخر أحد الأطفال المفقودين من الصبي لاعتقاده أنه يستطيع العثور على ابنتي مانويلا. في صباح اليوم التالي، يكتشف الصبي أن الفتاة قد أعطت كل ما تزودا به للرحلة للأطفال الآخرين، وهم على وشك الوصول إلى الوادي المأمول، بينما تتلقى الأم مكالمة تفيد بالعثور على ابنتي مانويلا جثتين في الصحراء.
تحتوي الرواية كذلك (400 صفحة) على مقاطع شعرية من قصائد آن كارسون، وجالواي كينيل، وأوغوستو مونتيروسو. وفي ذروة الأحداث يتحول السرد إلى جملة واحدة تتكون من 20 صفحة، لتنتهي بـ 24 صورة تذكارية تخص الصبي.
دور المكتبات حول العالم
أشادت هيئة التحكيم برئاسة البروفسور كريس موراش من كلية ترينيتي في دبلن، بـ"أرشيف الأطفال المفقودين"، لأنها تدفع بحدود الخيال المعاصر بعيداً، وتحكي في الوقت نفسه قصة مقنعة بامتياز. وقال عنها الكاتب كولم تويبين، الفائز السابق بالجائزة، إن لويسيللي "تحكي قصة قديمة، تلك التي رواها سيرفانتس وكورماك مكارثي، قصة ما يحدث للنفس البشرية على الطريق، وكيف أن الرحلة الطويلة قد تعرض للخطر، ما كان مستقراً ومتفقاً عليه".
تم ترشيح الرواية للفوز بأعلى جائزة (نظراً لقيمتها المادية)، من إحدى مكتبات برشلونة، باعتبارها الكتاب المفضل لهذا العام، ما جعل لويسيلي تصرح من شدة الفرحة، "إن مكتبة جميلة وصغيرة نسبياً في برشلونة هي التي رشحتني... يوماً ما سأقبِّل حيطانها، لأنه ربما لن يكون بوسعي تقبيل العاملين فيها بسبب كوفيد".
تتطلب الجائزة ترشيحات للروايات ذات "الجدارة الأدبية العالية" من المكتبات حول العالم، وفي هذا العام تقدم إليها 49 عنواناً، وفازت لويسيلي من قائمة قصيرة تضمنت رواية "أطفال النيكل" لكولسون وايتهيد، المرشحة من مكتبات في بلجيكا والولايات المتحدة، وكذلك رائعة برناردين إيفاريستو "فتاة، امرأة، أخرى"، المرشحة من مكتبات في إيرلندا وألمانيا.
رفاقنا الجالسون على الرفوف
ولدت فاليريا لويزيلي في 16 أغسطس (آب) 1983، وهي كاتبة مكسيكية تعيش في الولايات المتحدة، تُرجمت أعمالها إلى أكثر من 20 لغة. صدر أول كتاب لها "الأرصفة Sidewalks" عام 2010 بالأسبانية، وهو عبارة عن مجموعة مقالات تستكشف موضوعات مثل الحركة والسفر والانتقال والتفكير، وحتى كتابها الأخير "أخبرني كيف ينتهي الأمر، مقال في 40 سؤالاً" Tell Me How It Ends، الذي وصل إلى المرحلة النهائية لجائزة "كيركوس" في الأعمال غير الروائية وجائزة "دائرة نقاد الكتاب الوطنية" في النقد. وفازت روايتها الأولى "وجوه في الزحام" Faces in the Crowd بجائزة "لوس أنجليس تايمز آرت سايدنباوم"، ووصلت "قصة أسناني" The Story of My Teeth، روايتها الصادرة عام 2015، إلى التصفيات النهائية لجائزة "رابطة نقاد الكتاب الوطني".
علمت لويسيلي بفوزها بأول كتاب تكتبه بالإنجليزية من خلال البريد الإلكتروني، ظنت في البداية أنها رسالة احتيال، وبخاصة أنها في هذا العام مرت بالتجربة الثقيلة التي اختبرها العالم، وعانت منها المرأة على وجه الخصوص، بقاء الأطفال في البيت، ودوامة الأسرة طوال اليوم، لا وقت للكتابة والإبداع... لذلك أحست بكثير من التشجيع، "كما لو كان أحدهم يقول لي استمري، قومي بعملك، هذا ما كان من المفترض أن تفعليه. فقط ركزي واستمري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قضت العائلة العام الماضي بأكمله في القراءة معاً، ففي ظل الأزمة الراهنة، ومع محدودية الحركة أظهر الأدب مدى ما يتمتع به من أهمية أكثر من أي وقت مضى، "يمكنني القول، دون أدنى شك، أنه من دون كتب، ومن دون مشاركة الخبرات الإنسانية للكتاب الآخرين، لم نكن لننجح خلال هذه الأشهر... فإذا ما وجدت أرواحنا ما أنعشها، إذا وجدنا الطاقة كي نستمر، إذا حافظنا على وهج شغفنا بالحياة، فإن هذا بفضل العوالم التي قدمتها لنا الكتب. في كل مرة، كنا نجد العزاء في رفاقنا الذين يسكنون على الأرفف".
في خطاب تم بثه عند إعلان النتيجة، تصف الفائزة روايتها بأنها "رواية حول عملية خلق القصص، ونسج الأصوات والأفكار معاً في محاولة لفهم العالم من حولنا بشكل أفضل. إنها رواية عن الرواية".
تحدثت أيضاً في الحفلة الافتراضية عمدة دبلن، هازل تشو، قائلة إنها فخورة بالمدينة الإيرلندية "لإتاحتها هذه الفرصة للمكتبات في العالم لترشيح الكتب التي كان لها أكبر صدى عند القراء".
من الفائزين السابقين بالجائزة التي يرعاها مجلس مدينة دبلن، آنا بيرنز عن روايتها التي أثارت جدلاً واسعاً "بائع الحليب" Milkman، وأخيل شارما عن "حياة أسرة" "Family Lif، وخوان غابرييل فاسكيز بروايته "صوت الأشياء التي تسقط "The Sound of Things Falling.