تعتبر السياحة من أهم قطاعات الاقتصاد في المغرب، إذ تمثل حوالى سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما تعد واحداً من المجالات التي تعوّل عليها الدولة في توفير فرص عمل، إذ أسهمت في خلق أكثر من 500 ألف منصب شغل مباشر سنة 2019، أي ما يعادل خمسة في المئة من إجمالي نسبة العمل في القطاع الاقتصادي.
كما تعد واحداً من أكبر مصادر جلب العملة الصعبة إلى البلاد، إضافة إلى تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج، وقد ناهزت العائدات المحصلة من قبل السياح غير المقيمين الذين حلوا بالمغرب سنة 2019، من دون احتساب مصاريف النقل الدولي، حوالى 78.6 مليار درهم. وتمثل هذه العائدات من العملة الصعبة نحو 19 في المئة من صادرات السلع والخدمات خلال العام ذاته.
لهذا تولي الدولة المغربية أهمية كبيرة لقطاع السياحة في سياستها التنموية التي اتبعتها خلال السنوات الـ 20 الأخيرة.
السياحة الدولية في المغرب قبل كورونا... أرقام مهمة
وتشير آخر الإحصاءات قبل انتشار وباء كورونا إلى أنه خلال سنة 2019، فاق عدد الوافدين إلى مراكز الحدود من السياح غير المقيمين 12 مليون سائح، بارتفاع نسبته زائد خمسة في المئة مقارنة مع سنة 2018.
وقد وصل عدد ليالي المبيت المسجلة بالفنادق والشقق السياحية المصنفة 25.2 مليون خلال سنة 2019، مما يشكل ارتفاعاً نسبته زائد خمسة في المئة مقارنة مع السنة الماضية.
مليار دولار خسائر السياحة المغربية في سنة إغلاق
وبعد اختيار المغرب مبدأ "سلامة المواطن أهم من عجلة الاقتصاد"، سارعت السلطات إلى فرض إغلاق صاحبته تدابير احترازية من قبيل فرض رخص للتنقل، ومنع الحفلات والأسفار وغلق الملاهي والأماكن السياحية.
تدابير، وإن بدا أثرها سريعاً في نجاح المغرب في مقاومة اجتياح كورونا، فأثرها على قطاع السياحة بدا أسرع.
فقد تكبد قطاع السياحة في المغرب ما يفوق المليار دولار من الخسائر في ظل تراجع مداخيله بأكثر من 30 في المئة خلال النصف الأول من سنة 2020.
فإغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية أثّر سريعاً في تعاملات الفنادق التي فقدت حجوزات ملايين ليالي المبيت، مما انعكس سلباً على أوضاع العاملين الذين تعرض بعضهم للتسريح من قبل أرباب عملهم رغبة في الحد من خسائر المنشأة، فيما سارعت الحكومة المغربية لمحاولة التقليل من الأضرار بتخصيص مبلغ شهري قدره 200 دولار للعاملين في القطاع السياحي المسجلين في الضمان الاجتماعي.
أسطول النقل السياحي أكبر المتضررين من كورونا
منع السفر وإغلاق الحدود أزّما وضعية العاملين بمجال النقل السياحي، إذ يقول محمد بامنصور رئيس فيدرالية النقل السياحي، "إن خسائر القطاع لا تعد ولا تحصى في ظل تفاقمها يوماً بعد يوم"، فالمعطيات الحالية تشير إلى أن 20 في المئة من الأسطول المتوقف لن يكون قادراً على العودة للعمل، ضمنها عربات استوفت مدة صلاحية استغلالها وأخرى أتلفت بسبب طول مدة التوقف، وعربات اضطر أصحابها لبيعها لسد رمق العيش ومتطلبات الحياة اليومية، و35 في المئة من العربات تمت أو سيتم مصادرتها بسبب أحكام لفائدة مؤسسات القروض والبنوك، والأسطول المتبقي المتراوح بين 45 و50 في المئة يحتاج إلى إنقاذ حقيقي، نحن نتحدث عن مصاريف مهمة للصيانة والتأمين، وهذه النفقات التي يتحملها صاحب المقاولة المتوقف عن العمل لوحده في غياب أي تدابير للتخفيف من هول الجائحة من قبل الحكومة.
المقاولات السياحية مهددة بالإفلاس تحت رحمة البنوك
ويصف بامنصور الوضعية الحالية لقطاع النقل السياحي منذ بداية الجائحة إلى اليوم بـ "الموت الإكلينيكي والسكتة القلبية المتواصلة"، ويضيف "ما عدا بصيص من الدعم طال 60 في المئة من أجراء القطاع فقط، فلم تلتفت الحكومة لمراسلاتنا وبياناتنا بخصوص المتوقفين عن العمل قبل شهر فبراير (شباط) 2020، كما لم تحصل المقاولات أو أربابها على أي نوع من الدعم أو الإنقاذ من الإفلاس أو تدابير قادرة على إعطاء الأمل على المدى القريب أو البعيد، فلا تزال المقاولات خاضعة لرحمة المؤسسات المالية التابعة للبنوك التي لم تستجب لقرارات لجنة اليقظة، التي كلفها الملك بتدبير المرحلة، خصوصاً الشق المتعلق بتأجيل سداد الديون الذي جاء ضمن مقتضيات عقد البرنامج 2020 - 2022، ولا تزال المؤسسات المالية تطالب المقاولات بتسديد ديونها بفوائد تثقل كاهلهم والقطاع متوقف تماماً، فكيف سنسدد ونحن على حافة الإفلاس؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مهنيون يرجون تخفيف الإغلاق في ظل تراجع انتشار الفيروس
التحكم بالوباء يدفع مهنيي السياحة لطلب رفع الإغلاق مع تراجع معدل انتشار فيروس كورونا، الذي لم يعد يتجاوز معدل 70 حالة في اليوم، فقد خرج مهنيو السياحة ليجددوا طلبهم برفع الإغلاق وكسر حال الجمود التي تحد من حركة المغاربة، خصوصاً في الفترة المسائية التي يرتفع فيها النشاط التجاري والسياحي، إذ يعول مهنيو السياحة على رفع قريب لإجراءات للإغلاق، مما قد يساعد في إنقاذ الموسم السياحي مع بداية الصيف.
إنقاذ الموسم السياحي خطوات حكومية ومقترحات مهنية
ولتدارك ما يمكن تداركه، قام الأوصياء على قطاع السياحة في المغرب بإجراءات عدة، منها تخصيص حيز للدعاية والتسويق للأماكن السياحية وحث المؤسسات الفندقية على تخصيص باقات بأسعار محفزة، إضافة إلى مبادرة المكتب الوطني للسياحة "نتلاقاو فبلادنا"، أي نلتقي في بلدنا الخاصة بالترويج للسياحة الداخلية، هذا إضافة إلى اعتماد هوية بصرية جديدة على أمل ملاءمتها لخصوصية تطور التسويق الرقمي بمراعاة للمنتوج المغربي الخاص والمميز دولياً.
من جانبها، قدمت الفيدرالية الوطنية للنقل السياحي في المغرب سلسلة من المقترحات لإنقاذ المقاولات السياحية، وذلك عبر دعم هذه المقاولات من خلال الإعفاء من الضرائب، وتعميم الدعم على جميع الأجراء حتى المتوقفين عن العمل قبل فبراير 2020، وتأجيل سداد أقساط الديون الخاصة بسنتي 2020 و2021، ثم تقديم الحكومة لمنتوج بصرفي تضامني يمكن المقاولات من إعادة تحريك عجلة العمل.
السياحة المغربية لن تستعيد عافيتها قبل 2024
وعلى الرغم من الانتعاشة الخفيفة التي سجلتها بعض فنادق المغرب في عطلة عيد الفطر، والآمال المعقودة على فصل الصيف في ظل التحكم في انتشار الفيروس، إلا أن خبراء يرون أن القطاع السياحي المغربي لن يسترجع عافيته بسرعة، ويقول الخبير الاقتصادي رشيد ساري "إن السياحة رهينة ما يجري في العالم، والتباطؤ الكبير في حملات التلقيح سيؤجل حتماً استعادة النشاط السياحي بشكل عادي هذه السنة، ولن نكون متشائمين إذا بنينا توقعنا على استعادة القطاع لحيويته حتى سنة 2024 على اعتبارات عدة، أولها أن المناعة الجماعية على المستوى العالمي ربما تستغرق سنتين إذا لم نصدم بطفرات متحورة ثانية، وكذلك لتضرر مجموعة من القطاعات السياحية وإعلان مجموعة من الوحدات عن إفلاسها".
ويضيف ساري أنه يجب التركيز على شيء مهم، وهو أن الإغلاق التام الذي نعيشه الآن لن يخدم القطاع، لذلك أصبح الاستباق والجرأة في اتخاذ بدائل للقطاع أمراً حتمياً من دون تهور لناحية المساس في الجانب الاحترازي والصحي.