وسط تسارع المتغيرات في أسواق النفط العالمية، من المنتظر أن يجتمع وزراء تحالف "أوبك+" في الأول من يونيو (حزيران) 2021، لبحث تطورات الأسواق والنظر في مستويات الإنتاج لشهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) والاتفاق على سياسات الإنتاج المتبعة. وقرر تحالف "أوبك+"، الذي يضم منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وعددها 13 دولة بقيادة السعودية، إضافة إلى منتجين من خارجها بقيادة روسيا، خلال اجتماعه الأخير، استمرار خطط التخفيف التدريجي لخفوض إنتاج النفط من مايو (أيار) إلى يوليو وسط تفاؤل حيال تعافي الطلب العالمي، وعلى الرغم من تنامي الإصابات بفيروس كورونا في الهند والبرازيل واليابان.
وأكد التحالف خططه لزيادة الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً من مايو إلى يوليو تزامناً مع تعافي الطلب العالمي، مما سيعيد المنظمة إلى التوافق مع الجدول الزمني الذي وُضع قبل عام للتخلص التدريجي من الخفوض، بعد تأجيل زيادات الإنتاج في وقت سابق من هذا العام.
وكان "أوبك+" قد اتفق في اجتماعها في الأول من أبريل على عودة 2.1 مليون برميل يومياً إلى السوق، خلال تلك الفترة من مايو إلى يوليو (تموز)، لتقلص الخفض إلى 5.8 مليون برميل يومياً.
وبين شهري فبراير وأبريل كانت روسيا وجارتها كازاخستان الدولتين الوحيدتين اللتين سُمح لهما بزيادة الإنتاج بموجب اتفاق "أوبك+"، فيما أبقى الأعضاء الآخرون على إنتاجهم الثابت، وأزالت السعودية مليون برميل إضافي يومياً من السوق طواعية.
وخفض تحالف "أوبك+"، الذي يضخ أكثر من ثلث الإنتاج العالمي، إنتاجه حوالى 8 ملايين برميل يومياً، بما يتجاوز ثمانية في المئة من الطلب العالمي، ويشمل ذلك الخفض الطوعي السعودي.
هيكل سوق النفط
وبلا شك فإن انضمام النفط إلى سلة السلع الأساسية الأخرى في مسيرة الصعود القوي هذا العام يجعله في مقدمة الاهتمام العالمي، إذ تم شراؤه كوسيلة للتحوط من معدلات التضخم المتزايدة، في ظل انتعاش الطلب بعد تراجع تبعات وباء كورونا.
وبحسب المحللين فان المتغيرات المقبلة، وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية هما البلدان اللذان يقودان الصعود، إذ تظهر صناعة الطيران علامات الانتعاش.
وكان لمكاسب النفط الخام هذا العام تأثير على أسعار نواتج التكرير، مدعومة بتوقف خط الأنابيب كولونيال في الولايات المتحدة، إذ تجاوز البنزين الأميركي ثلاثة دولارات للغالون للمرة الأولى منذ العام 2014.
وبحسب المتخصصين، فإن التفاؤل في شأن آفاق الصعود والارتفاع خلال هذا الصيف، يعود لمستويات الاستهلاك مع إعادة فتح السفر مرة أخرى. نتيجة لذلك يتوقع ارتفاع الأسعار خلال الأشهر المقبلة، وهو ما أشار إليه "غولدمان ساكس" لصعود سعر البرميل إلى مستوى 80 دولاراً. وكذلك ساعد ضعف الدولار في ارتفاع أسعار النفط الخام.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها خلال هذا الشهر، فإن الأسواق قد تشهد تعافياً مع تلاشي فائض المخزون الذي تراكم منذ بداية كورونا.
ويؤكد المحللون بأن هيكل سوق النفط الذي يتداول في اتجاه صعودي مختلف، إذ بات قريباً من الانطلاق نحو أعلى المستويات.
تحركات "أوبك+"
وقال المتخصص في الشؤون النفطية محمد الشطي، إن أسواق النفط تراقب دائماً تحركات "أوبك+" وتتأثر بها، وتتابع تصريحات الوزراء والتقارير من سكرتارية منظمة "أوبك" للتعرف على سيناريوهات الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
وأضاف الشطي، أن التحالف نجح عبر سياساته المتعاقبة في اكتساب ثقة الأسواق، وأثبت بأنه حريص على الاستقرار الأسواق النفطية باعتبارها تحالفاً مسؤولاً ومهتماً باستقرار الأسواق وتأمين حاجاتها من الإمدادات، وكان له دور كبير في تغيير النظرة إلى إيجابية إلى مسار السوق في اتجاه التوازن من خلال اتباع سياسيات إنتاجية شفافة ونسب التزام واضحة.
وتابع، "نجحت إجراءات "أوبك+" في تحول السوق من فائض إلى اتجاه التوازن وتشجيع السحوبات من المخزون النفطي مع تحول الأسعار إلى الباكورديشين، ومن المتوقع استمرار التحالف في تبني سياسات متابعة الأداء وتبني سياسيات واقعية ومنطقية تدعم استقرار الأسواق والأسعار، والتي ساعدت في تعافي أداء الاقتصاد العالمي وأجواء الاستثمار بعد التراجع الكبير الذي عانى منه العالم خلال النصف الأول من عام 2020".
أساسات السوق
إضافة إلى ذلك، يرى الشطي أن هناك توافقاً بين المنتجين بأن أساسات السوق في تحسن واضح وأن "أوبك+" يسعى إلى انتهاج استراتيجية تستهدف عوده تدريجية للإمدادات إلى الأسواق، من دون إحداث تأثيرات سلبية على أمن الأسواق في ظل تنسيق متواصل بين منتجي النفط الخام الكبار بقيادة السعودية وروسيا.
وتابع، "تضع السيناريوهات المحتملة للاجتماع في اعتبارها تطورات أساسيات السوق والعوامل الجيوسياسية سواء في مناطق الإنتاج بعدم استقرارها والملف النووي الإيراني وعودة الإنتاج وتوقيت العودة، وتأثير ذلك وأخطار تأثر الطلب بأوضاع التي أوجدها انتشار وباء كورونا في الهند وارتفاع الاصابات وتطورها هناك".
وأضاف الشطي أن التفاؤل يعم أسواق النفط مع تحسن في أساسات السوق ودعم لها، والأسعار على الرغم من بعض الأخطار، لكن الاتجاه السائد هو تعافي الطلب قريباً من 6 ملايين برميل يومياً، وتقييد المعروض وسحوبات من المخزون، وكلها تدعم توازن الأسواق ومستويات الأسعار الحالية.
سيناريوات متوقعة عدة
إلى ذلك، قال المحلل النفطي كامل الحرمي، إن هناك سيناريوات عدة متوقعة لاجتماع "أوبك+" المقبل، لاسيما في ظل الاستئناف المحتمل للإمدادات الإيرانية من الخام والتي ستضع عبئاً وتعقيدات على نظيراتها في التحالف المكون من 23 دولة بقيادة السعودية، والذي يعمل على استعادة الإنتاج تدريجياً الذي خفضه العام الماضي بسبب تأثير أزمة تفشي "كورونا" على الطلب.
وأضاف الحرمي، "لم تتضح الصورة كاملة أمام منظمة "أوبك" وتحالف "أوبك+" في شأن النفط الإيراني، وكمية الإنتاج المتوقع عودتها على وجه التحديد، والتي قد تتراوح بين 400 إلى 600 ألف برميل يومياً، مضيفاً أن هناك تقديرات تشير إلى وتيرة عودة طهران ستكون حاسمة لسوق النفط العالمية، وقد تقدم حوالى مليون إلى مليوني برميل يومياً في إمدادات الخام الإضافية، إذا ما توصلت إلى اتفاق في شأن برنامجها النووي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع بقوله، "وبالتالي قد يؤجل "أوبك+" قراره في الاجتماع المقرر في مطلع يونيو (حزيران) إلى الاجتماع اللاحق له في يوليو (تموز) المقبل".
وأشار الحرمي إلى أن أسعار الخام ستظل من دون مستوى 70 دولاراً لا سيما في ظل التوقعات بالاستئناف المحتمل للإمدادات الإيرانية من الخام، ومع عدم وجود تحسن قوي في نمو الطلب العالمي على النفط، لا سيما وأن تعافي الطلب الحاصل في بعض الدول المتقدمة قابله بطء محتمل في الوقود الذي لا يزال منخفضاً بسبب عمليات الإغلاق وعدوى الفيروس المتحورة وخصوصاً في السوق الهندي وهي ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
وتوقع بنك "غولدمان ساكس"، الأحد، أن تقوم "أوبك+"، بمعادلة أي زيادة للإنتاج الإيراني من خلال وقف زيادة الإنتاج في النصف الثاني من العام الحالي لمدة شهرين.
وكانت أسعار النفط تراجعت الأسبوع الماضي بعد أن قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن الولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات على قطاعات بلاده النفطية والمصرفية والمرتبطة بالشحن، ومن المقرر استئناف المحادثات بين واشنطن وطهران هذا الأسبوع.
عودة صادرات النفط الإيرانية
ومع عودة المحادثات في شن برنامج إيران النووي يمهد الطريق إلى رفع العقوبات الأميركية، وعودة صادرات النفط الإيرانية إلى السوق، مما قد يعزز الإمدادات العالمية من الخام ويضغط على الأسعار.
وتعتقد وكالة الطاقة أنه حال نجاح المفاوضات الجارية وخُففت العقوبات الأميركية، ربما يعود ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني الإضافي إلى الأسواق العالمية في وقت قصير نسبياً.
تثبيت الإنتاج
من جهته، توقع محلل أسواق النفط العالمية، أحمد حسن كرم، قيام تحالف "أوبك+" تثبيت إنتاجه في اجتماعه المقبل، للحفاظ على مستويات أسعار النفط الحالية، أو ربما زيادة إنتاج طفيفة، وبخاصة مع دخول موسم الصيف والسفر، وربما عودة وسائل النقل وزيادة الطلب على الوقود.
وتابع كرم، "ما يجب أن يدركه التحالف أيضاً هو احتمال عوده الإنتاج الإيراني مع حلحلة ملفه النووي، وأيضاً عودة الإنتاج الليبي بشكل تدريجي".
ورجّح أنه على الرغم من العوامل الداعمة لانخفاض الأسعار، إلا أنها لن تشهد تغيراً مع استمرار العوامل المساعدة لاستقرار أسعار النفط على ماهي عليه الآن.
ولفت كرم، إلى أن ثبات أسعار النفط العالمية على المعدلات الحالية نتيجة لاستقرار الأوضاع الاقتصادية وعودة الأنشطة الصناعية العالمية مع توفر لقاحات كورونا.
وأكد محلل الأسواق النفطية أنه يجب على "أوبك+" الآن إعداد الدراسات ووضع السيناريوات المحتملة لمعدلات الإنتاج والطلب المستقبلي، حتى لا تهبط الأسعار عن معدلاتها الحالية، وبذل مجهودات إضافية لعودتها مجدداً.
تقويم الوضع
وتوقع رائد الخضر رئيس قسم البحوث لدى "إيكويتي جروب" العالمية التي تتخذ من لندن مقراً رئيساً لها، أن يكون الاجتماع الوزاري المقبل لتحالف "أوبك+" لمراقبة وتقويم الوضع الحالي والانتظار حتى نهاية يوليو (تموز) ومتابعة الأسعار حينها، بل ربما سيتم الانتظار لرؤية مزيد من التحسن في الاقتصاد.
ورجح أن يعود التحالف إلى السوق بما يصل إلى 2.1 مليون برميل يومياً بحلول يوليو (تموز)، متوقعاً أن يكون ذلك على نطاق واسع ومن دون تغيير في الاستراتيجيات.
وأشار إلى أنه من المرجح أن يستعد التحالف خلال الاجتماع المقبل لخفض الإنتاج مرة أخرى بالكمية نفسها في يونيو، وبنحو 400 ألف برميل يومياً في يوليو، بجانب تخلي السعودية عن الخفض الطوعي بمليون برميل يومياً.
وأوضح خضر أنه على الرغم من أن قرار التحالف الصادر في أبريل عبر عن ثقة في أن السوق لديها القدرة على استيعاب هذه الزيادات في الإنتاج مع تسارع وتيرة تقديم اللقاحات وعودة الحياة أكثر لطبيعتها من ناحية السفر وإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية بشكل أكبر، وسط توقعات بتعافي الطلب بشكل قوي في النصف الثاني 2021، والوصول لمستويات ما قبل الأزمة بحلول نهاية العام.
مواضيع على طاولة "أوبك+"
ولفت خضر إلى أن من المتوقع أن يكون هناك مواضيع عدة أخرى على طاولة الاجتماع، أبرزها المخاوف الأخيرة في شأن أزمة انتشار فيروس كورونا في الهند وتأثيره على الطلب العالمي.
وأشار إلى أن ذلك قد يُقابله التعافي القوي في أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، وعودة أوروبا بعد التخلي عن بعض قيود الإغلاق، موضحاً أن الأمر الآخر الذي قد يكون على طاولة الاجتماعات هو إحياء الاتفاق النووي الإيراني والذي قد يترتب عليه زيادة المعروض النفطي.
وأشار إلى أن اتساع فجوة العرض والطلب يمهد الطريق لمزيد من التخفيف من خفوض "أوبك+" للإمدادات، أو حتى سحب مخزون أكثر حدة.
وكانت وكالة الطاقة الدولية أعلنت الأسبوع الماضي أن مخزونات النفط الفائضة في العام الماضي قد استنفدت تقريباً.
وارتفعت الأسعار منذ يوم الجمعة الماضية بحوالى سبعة في المئة عقب ظهور بعض العقبات في إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ويتداول خام غرب تكساس حالياً أدنى بقليل من مستويات الـ 66 دولاراً.
وتُعد أي إيجابية من "أوبك+" مع أي تأخر لاتفاق إيران داعماً بقوة لمزيد من الصعود للنفط الخام، ولكن مع أية بوادر بشأن الاتفاق، بحسب ما أفاد به الخضر.
وتوقع أن نشهد بعض التصحيحات السعرية مرة أخرى والتي ظهر تأثيرها واضحاً عند الإعلان فقط عن استعداد الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن إيران، ولكن ستكون مستويات الـ 60 دولاراً للبرميل هي خط الدفاع الأول للأسعار للعودة من جديد للارتفاع.
وأشار إلى أنه على الرغم من ذلك، فمع الاستئناف المحتمل للصادرات الإيرانية، قد تبقى الأسعار مرتفعة في ظل زيادة الطلب العالمي المدعومة باللقاحات، وفق توقعات "جولدمان ساكس" مستويات التي رجحت وصول الأسعار إلى 80 دولاراً للبرميل بحلول نهاية 2021.