عندما رمت الولايات المتحدة بثقلها لإنهاء الحرب في اليمن، كانت الأنظار متوجهة إلى السعودية، على وقع قرارات أميركية متتابعة، كان أبرزها إيقاف الدعم اللوجستي لتحالف دعم الشرعية، ورفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، إضافة إلى تعيين مبعوث أميركي خاص إلى اليمن يقود مع مبعوث الأمم المتحدة قاطرة المتنازعين نحو حل دبلوماسي شامل.
بعيد تلك المتغيرات العاصفة، بدأ البعض الترويج لما اعتبروه انقساماً كبيراً في وجهات النظر بين أميركا والسعودية بشأن ملف اليمن، فيما كانت رحلات المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ للمنطقة بشكل عام، والرياض بشكل خاص تتزايد. لم يستغرق الأمر طويلاً، حتى أكد خطاب إدارة بايدن أن المقاربة الأميركية الجديدة متسقة أكثر من أي وقت مضى مع رغبة سعودية قديمة تعبر عنها كلمات متداولة مثل "إعادة الأمل"، و "إعمار اليمن"، وبشكل أكثر وضوحاً، إنهاء الحرب.
أحدث الشواهد على تقارب الرؤى بين واشنطن والرياض، تصريح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأحد الماضي، بأن السعودية منخرطة بشكل بناء لإنهاء الحرب في اليمن، في إشارة ربما إلى مبادرة السلام التي أطلقتها الرياض في مارس (آذار) الماضي، وفي طياتها نداء لجميع الأطراف المتنازعة بوقف إطلاق النار. إضافة إلى المبادرة التي لاقت ترحيباً أممياً، عكست تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي دعا من خلالها الحوثيين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإحياء نزعتهم العروبية، رغبة سعودية جادة لحل الأزمة.
لكن ومع ذلك، جاء الموقف الحوثي من مبادرة السلام الأخيرة مخيباً للآمال الأميركية، بخاصة أن معادلة الحل الدبلوماسي الذي تتبناه الولايات المتحدة لوقف دوامة النزاع الدامي لن تكتمل إلا بالتزام جميع الأطراف. وفيما تتكشف يوماً بعد يوم تعقيدات الملف اليمني أمام نهج واشنطن، لم يتردد وزير الخارجية الأميركي في حث إيران بشكل مباشر على استخدام تأثيرها بشكل إيجابي لحض مليشيا الحوثي على وقف تصعيدها ضد مأرب واعتداءاتها على المدن السعودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مكتب المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، رد على أسئلة "اندبندنت عربية" المتعلقة بالرؤية الأميركية للدور الإيراني في اليمن، بالتأكيد على دعم الحوار بين دول المنطقة لتحقيق الأمن والاستقرار، مشيراً إلى أنه "إذا أرادت إيران أن تظهر أنها يمكن أن تكون جهة فاعلة معقولة، فقد حان الوقت الآن للبدء في القيام بذلك من خلال التوقف عن تأجيج الصراع في اليمن، ودعم محادثات السلام".
وعدَّ ليندركينغ التوتر بين السعودية وإيران من أكبر نقاط التوتر في المنطقة، مقدراً مبادرة السعودية التعامل مباشرة مع الإيرانيين. وعن دوره في المحادثات القائمة، قال المبعوث الأميركي، إن بلاده ليست جزءاً من هذا النقاش بشكل مباشر، غير أنه أعرب عن أمله في نجاح المناقشات بين الرياض وطهران، كون ذلك سيؤثر بشكل إيجابي في صراعات المنطقة كلها، والصراع اليمني على وجه الخصوص.
من جانبها، قالت إلينا ديلوجر، كبيرة الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، إنه على الرغم من المحادثات المشحونة، فإن متابعي ملف اليمن يأملون في إمكانية أن يجلب القتال المتوقف في مأرب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات في نهاية المطاف، مضيفةً أن الاتفاق السياسي المستدام على المدى الطويل يتطلب إرادة سياسية من جميع الأطراف المحلية في اليمن.
وأكدت الباحثة المتخصصة في الشأن اليمني، أن المحادثات السعودية – الإيرانية لو نجحت، فإنها من المحتمل أن تخفف من حدة الهجمات على الأراضي السعودية، بخاصة أن هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن إيران متورطة في هجوم بقيق عام 2019.
وقالت ديلوجر، إن المفاوضين يأملون في إمكانية التوصل إلى اتفاق قبل مغادرة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيثس منصبه الحالي، مشددةً على أن السيناريو الممكن في أفضل الأحوال، هو أن تقرر طهران إمداد الحوثيين بأسلحة أقل، ما قد يقلل من التهديد الذي تتعرض له السعودية، لكنها تعود لتقول، إن الحوثيين لديهم مصالح في اليمن تتجاوز مصالح إيران. وبالتالي، سيظل التعامل مباشرة مع الحوثيين ضرورياً بالنسبة إلى الأطراف الأخرى، للتوصل إلى اتفاق سياسي، بغض النظر عن الخيارات التي تتخذها إيران.