يشكل الاعتقال السافر لصحافي تم اعتراض رحلته الجوية بين اليونان وليتوانيا، انتهاكاً صارخاً للقانون حتى وفقاً لمعايير بيلاروس الخارجة عن القانون. لكن هذه الجريمة الخطيرة لم تأتِ من العدم.
إذ إن الإعتقال- الذي دانه الزعماء الأوروبيون باعتباره اختطافاً- على يد حكومة ألكساندر لوكاتشينكو صادم وغير مفاجئ في الآن ذاته.
فقد ضرب الرئيس لوكاتشينكو حقوق الإنسان الأساسية عرض الحائط منذ سنوات في بيلاروس، لا سيما خلال الأشهر التسعة الماضية. وتشير كل الدلائل إلى أن المعارضة هزمت لوكاتشينكو بشكل لا لبس فيه في انتخابات أغسطس (آب) الماضي. ورفض الاتحاد الأوروبي، كما المملكة المتحدة وغيرها من الدول القبول بالنتائج الرسمية. لكن لوكاتشينكو القابض على السلطة منذ 27 عاماً تجاهل هذه التصريحات بسرور.
وشعر بالأمان لمعرفته، بناء على تجربته السابقة وعلى استعداد موسكو لحمايته، بأن الغضب الدولي سوف ينقضي. واستُخدم العنف- وسط روايات عن التعذيب كذلك- من أجل قمع تظاهرات سلمية مضادة لتزوير الانتخابات منذ ذلك الوقت.
وكل ذلك يستدعي في الوضع الطبيعي رد فعل دولياً حازماً. لكن ما رأيناه بدل ذلك هو رغبة في تجاهل ما يحدث في بيلاروس، التي غالباً ما توصف بـ "آخر الديكتاتوريات في أوروبا".
كان وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب محقاً في إدانته "تصرفات (بيلاروس) الهمجية" في القبض على رومان بروتاسيفيتش حين أُرغمت الطائرة التي كان يركبها على الهبوط في مينسك بعد ادعاءات بوجود "قنبلة" على متنها. لكن تبين أن الهدف من ذلك هو القبض على بروتاسيفيتش بشكل غير قانوني.
واعتبرت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أن هذه التصرفات "غير مقبولة كلياً" و"سوف تترتب عليها عواقب".
هذا الكلام مرحب به إذا ما اقترن بالمتابعة. لكن من المستحيل تجاهل التغريدة المقلقة التي كتبتها مفوضة النقل الأوروبية أدينا إيوانا فولان، بعد إقلاع الطائرة التي تحول مسارها، من بيلاروس باتجاه فيلنيوس، وجهتها الأساسية. فقد كتبت أن "أخباراً رائعة للجميع، لا سيما عائلات وأصدقاء ركاب الطائرة". لا حاجة لإعادة النظر في هذا الكلام لكي نقول إن تصريح المفوضة معبر من حيث عدم التفاته إلى مصير بروتاسيفيتش والمعارضة البيلاروسية المُحاربة بشكل أوسع.
وقيل إن بروتاسيفيتش، الذي أدرك تماماً معنى اعتراض الطائرة، كان يرتجف حين أذيع أن الطائرة ستهبط في مينسك. وأفادت تقارير عن قوله "سوف يُحكم علي بالإعدام هنا" أثناء اقتياده بعيداً. وصرحت زعيمة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا لمحطة "سكاي" أنها تخشى تعرض بروتاسيفيتش للتعذيب "لا نخاف على حريته فحسب، بل على حياته أيضاً".
إنه نمط مألوف، حيث نرى أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وبلداناً أخرى ترغب في استمرار "الحياة المعهودة" فور توقف تصدر تظاهرات الأشهر الأخيرة والقمع الذي صاحبها، عناوين الأخبار الدولية.
من وجهة نظر المملكة المتحدة كما الاتحاد الأوروبي، غالباً ما يأخذ "السلوك العملي" الأولوية. أما جارتا بيلاروس المباشرتان، بولندا وليتوانيا- اللتان سارت الدبابات في شوارعهما وعانتا من قمع يديره الكرملين لتظاهرات سليمة خلال العقود الماضية- فطالبتا بقوة بتصرف حازم بعد اعتقال بروتاسيفيتش.
إنما على الرغم من الضجيج والغضب الحاليين، وعلى الرغم من الكذب المفضوح والعنف الذي مارسه نظام لوكاتشينكو خلال الأشهر التسعة الماضية، تعتبر العقوبات الأوروبية الحالية أقل تشدداً مما كانت عليه في السنوات السابقة.
وعلى الرغم من لا مبالاته الظاهرية، فإن نظام لوكاتشينكو يهتم كثيراً بما يُكتب عنه في الصحافة، حيث أنه جند طاقاته، لإخفاء المعلومات المتعلقة بالقمع والمقاومة، ومنعها من الوصول إلى العالم الخارجي.
وقد لعب دوراً أساسياً في التأكد من أن الناس داخل بيلاروس وخارجها يعلمون ما يحدث في البلاد، علماً أنه خلال الأسبوع الماضي، أُغلقت سلطات البلاد Tut.by، وهي أكبر منصة إخبارية مستقلة في بيلاروس واعتُقل صحافيون بارزون فيها. في الواقع يجب ألا تحدث هذه الأمور من دون أن يعرف أحد عنها.
فقد أظهر المدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون المستقلون في بيلاروس خلال العام الماضي شجاعة لافتة. لكن هذا التصرف غير القانوني الأخير- أعاد لبعض الوقت على الأقل- بيلاروس إلى العناوين الدولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ضوء هذه الأحداث، يجب ألا يشعر السياسيون (في الغرب) بالحاجة إلى التصرف فقط حين تؤدي حادثة انتهاك حقوق الإنسان إلى عودة بيلاروس لاحتلال العناوين الرئيسية. فالقمع المستمر ليس سيئاً بالنسبة لبيلاروس فحسب، بل إن لم يتم التصدي لانتهاك القانون هناك، فسوف تكون تبعاته سيئة على العالم أجمع.
يشغل ستيف كروشو، المحرر السابق لشؤون أوروبا الشرقية في "اندبندنت"، منصب مدير السياسة والمدافعة في منظمة Freedom from Torture (الحرية من التعذيب)
© The Independent