كان رد فعل فرنسا سريعاً وقوياً على انقلاب الكولونيل أسيمي غويتا في مالي، لكن تبين أن هامش المناورة الذي تملكه ضيق، وقد يؤثر فيه دعمها للمجموعة العسكرية الحاكمة في تشاد.
وخلافاً لما حدث في انقلاب أغسطس (آب) 2020، عندما فضل إيمانويل ماكرون الانتظار والترقب قبل إعلان موقف، دان الرئيس الفرنسي بسرعة و"بأكبر قدر من الحزم" ما وصفه بأنه "انقلاب داخل الانقلاب"، وهدد باسم الأوروبيين "بفرض عقوبات".
وطالبت باريس بالإفراج عن الرئيس باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان، اللذين أوقفا الإثنين واحتجزا في قاعدة عسكرية، و"باستئناف المسار الطبيعي للعملية الانتقالية فوراً".
وأعلن مسؤول عسكري أنه تم إطلاقهما ليل الأربعاء بعد استقالتهما.
وكان المسؤولان يجسدان الوجه المدني للانتقال الذي يفترض أن يؤدي إلى انتخابات بداية عام 2022، في مواجهة الكولونيل غويتا، نائب الرئيس ورئيس المجلس العسكري الذي يقف وراء الانقلاب الذي جرى في أغسطس.
انتقاد التساهل في تشاد
وأشار الخبير في شؤون منطقة الساحل في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، أندرو ليبوفيتش، إلى أن "رد فعل فرنسا يرجع جزئياً إلى العلاقة الجيدة التي أقامتها مع الرئيس نداو الذي كان قد عاد للتو من قمة حول الاقتصاد الأفريقي في باريس".
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية أن "الحكومة الفرنسية تريد على الأرجح تفادي اضطرابات قد تنجم عن انقلاب عسكري جديد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى السفير الفرنسي السابق في مالي، نيكولا نورمان، أنه "يجب تبني موقف حازم جداً حيال غويتا، وهذه مسألة مبدأ"، لكن قد يصعب تمرير الرسالة بعد السابقة التشادية.
وصرح الدبلوماسي الذي يعمل حالياً باحثاً مستقلاً، "واجهنا انتقادات كبيرة أصلاً بسبب بعض التساهل في تشاد. قيل كثيراً إن هذا التساهل شجع غويتا. على كل حال اعتبر سيئاً في مالي".
وبعدما فوجئت بمقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو، حليفها القديم في المنطقة، في أبريل (نيسان) الماضي، دعمت باريس الانتقال العسكري في تشاد مع الجنرال محمد إدريس ديبي، نجل رئيس الدولة الراحل.
وتشدد الحكومة الفرنسية على الفارق بين البلدين، مشيرة إلى "ظروف استثنائية" بعد مقتل ديبي مقابل "انقلاب جديد على السلطات المدنية" في مالي.
المعركة ضد التطرف
وبعد هذه الاضطرابات الجديدة في باماكو، ضعفت مجدداً المعركة ضد التيار المتطرف في منطقة الساحل بقيادة القوة الفرنسية "برخان" التي تتألف من 5100 رجل.
وبدلاً من التركيز على إعادة بناء الدولة ودعم السكان الذين يتأثرون بشكل متزايد بحركة المتطرفين، تجد السلطات المالية نفسها عالقة بعدم الاستقرار السياسي.
وقال نيكولا نورمان، "إذا فرضنا عقوبات على غويتا ومالي، فلن تتمكن قوة برخان من البقاء طويلاً أو ربما بصعوبة، وقد يستولي المتطرفون على السلطة في حال من الفوضى".
لكن المجلس العسكري أظهر بوضوح شديد بمجرد توليه السلطة في عام 2020 رغبته في الإبقاء على التعاون العسكري مع برخان وقوة الأمم المتحدة "مينوسما".
ورأى أندرو ليبوفيتش أنه "نظراً لأهمية برخان من أجل استقرار مالي، فمن الصعب التشكيك فيها، وكذلك في التعاون الأمني بين الدول على المستوى الإقليمي، على الأقل من وجهة نظر مالي". وأضاف، "لكن الأسرة الدولية ستتساءل على الأرجح عما إذا كانت ترغب في مواصلة تعاونها مع مالي وكيف سيتم ذلك".
تقليص قوة "برخان"
سياسياً، يمكن أن يتحالف غويتا مع جزء من حركة "5 يونيو"، المجموعة التي قادت في عام 2020 الاحتجاج ضد الرئيس المخلوع إبراهيم أبو بكر كيتا، الذي تم تهميشه من قبل الضباط بعد الانقلاب.
ويتعلق السؤال الذي يطرح نفسه بمفاوضات محتملة مع المتطرفين الذين يتعزز نفوذهم في شمال مالي ووسطها.
ويعتقد الخبير في القضايا الأفريقية، أنطوان غلازر، أن "ما يثير غضب الرئيس ماكرون هو أن جزءاً من الطبقة السياسية المالية على استعداد للتفاوض مع إياد أغ غالي"، زعيم التحالف المتطرف في منطقة الساحل المرتبط بتنظيم القاعدة والعدو اللدود لفرنسا.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن الاضطراب في مالي يعقد أيضاً خطة ماكرون لتقليص قوة "برخان" مع تولي دول المنطقة مصيرها بأيديها وتقدمها لتحقيق الاستقرار. وأضاف، "إنها عملية كاملة تمت زعزعتها".