أنهت لجنة الحوار السياسي الليبي مداولاتها حول مقترح القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات التشريعية والرئاسية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، دون حسم القضايا الخلافية التي شكلت محور النقاشات في هذه الجلسة والجلسات السابقة والساحة الليبية بصفة عامة، طيلة الفترة الماضية.
وأحالت اللجنة ما توصلت إليه من نتائج في هذه الجولة الحوارية إلى مجلسي النواب والدولة، للفصل في مقترح القاعدة الدستورية الذي توصلت إليه، للبت فيه قبل الأول من يوليو (تموز) المقبل، حسب الجدول الزمني المحدد في خريطة الطريق السياسية التي اتفقت عليها أطراف الأزمة الليبية.
وخيبت هذه الجولة الجديدة من الحوار بالمسار السياسي الليبي تطلعات الشارع، وضاعفت الشكوك حول إمكانية الإيفاء بموعد الانتخابات نهاية العام الحالي، والاتهامات الموجهة للبرلمان ونظيره في العملية السياسية مجلس الدولة، بالسعي إلى عرقلة تنفيذ خريطة الطريق للحل السياسي التي تنهي ولايتهما.
كلمة الختام
وأعلن المبعوث الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يان كوبيش، الخميس (27 مايو)، اختتام فعاليات اليوم الثاني للاجتماع الافتراضي الذي نظمته البعثة لأعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي لمناقشة القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات، المقررة في 24 ديسمبر المقبل، منوهاً إلى "عزمه التواصل مع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ومطالبتهم بتوضيح القاعدة الدستورية في أسرع وقت".
وخلت كلمة كوبيتش في ختام الملتقى، من أي إشارة لحسم المسائل الخلافية بين أعضاء لجنة الحوار مثل آلية انتخاب الرئيس، وهل يتم الاعتماد على القاعدة الدستورية، أو يتم الاتجاه للاستفتاء على الدستور لتنظيم العملية الانتخابية؟ الأمر الذي اُعتبر دلالة واضحة على عدم التوصل لاتفاق بشأن هذه النقاط في هذه الجولة الحوارية.
وقال كوبيش، إن "أعضاء الملتقى حاولوا تضييق هوة الخلاف بين كافة الأطراف بشأن القاعدة الدستورية، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الجميع بشأن المقترح الذي أعدته اللجنة القانونية، وجرت مناقشته على مدار يومين من لجنة الحوار"، وأكد أنه "سيقوم بإيصال القاعدة الدستورية، ومناقشات أعضاء الملتقى إلى مجلس النواب والأعلى للدولة، لمطالبتهما بتوضيح القاعدة الدستورية دون تأخير".
كوبيتش ينتقد مسار الجلسة
وانتقد كوبيش تركيز بعض الأعضاء على مناقشة قضايا بعيدة عن موضوع الاجتماع المتعلق بحسم الخلاف بشأن القاعدة الدستورية. مشبهاً ما جرى بالحوارات التي تجرى في جلسات مجلسي النواب والدولة، قائلاً، "مع كل الاحترام الواجب لأعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي الموقرين، والرجاء ألا تفهم الإشارة هنا إلى أنها تقليل من أحد على الإطلاق، كان لدي شعور أحياناً بأننا لسنا في جلسة لملتقى الحوار السياسي الليبي، بل بالأحرى في جلسة من جلسات المجلس الأعلى للدولة أو مجلس النواب". وتابع، "في بعض الأحيان، بدلاً من التركيز على كيفية الوصول إلى الهدف الأسمى المتمثل في تنفيذ خريطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي، وخلق الظروف المواتية لإجراء الانتخابات الوطنية، فقد طرح عديد من المداخلات قضايا، كما لو كانت تحاول إيجاد حل لجميع المشكلات العالقة المتراكمة خلال العقد الماضي". وأشار إلى أنه "مع ذلك، أكد النقاش أن هناك عديداً من النقاط التي تجمعكم، وأن ما يجمعكم يتجاوز ما يفرقكم، كما يتجلى ذلك من خلال عديد من المقترحات التي تتوخى بناء أرضية مشتركة تقود إلى انتخابات ديسمبر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوه المبعوث الأممي أن أي محاولة لعرقلة المسار السياسي الليبي لا يمكن أن تنجح أو يسمح بها المجتمع الدولي، "وشددت أغلبية كبيرة منكم على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات نهاية العام الحالي، كما أُحِطنا علماً بآرائكم العديدة، حول كيفية الوصول إلى المرحلة التالية، وإنهاء الانتقال السياسي في البلاد، وكذا التحديات والمخاطر التي عبرتم عنها في مداخلاتكم، وكما قال عديد منكم، فإن الشعب الليبي لا يستطيع تحمل مزيد من التأخير، وإن عرقلة المسار السياسي للإبقاء على الوضع الراهن ليست خياراً ولا يمكن أن تستمر".
ودعا كوبيش مجلس النواب، بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، أن "يرتقيا إلى مستوى مسؤولياتهما، حيث اعتزم إيصال القاعدة الدستورية وما خلصت إليه مداولاتكم إلى المجلسين دون أدنى تأخير، طالباً منهم طلباً صريحاً ألا وهو إيضاح القاعدة الدستورية والتشريعات المنظمة للانتخابات خلال أسبوعين أو ثلاثة، وحبذا لو يتم ذلك في الفترة من 15 إلى 20 يونيو (حزيران)".
نتائج مخيبة تحبط الشارع
أدت النتائج المخيبة التي أفضى إليها ملتقى الحوار السياسي لمناقشة القاعدة الدستورية، إلى مزيد من الإحباط الشعبي من التخبط والانسداد اللذين ميزا العملية السياسية في الأسابيع الماضية، واتهامات صريحة لعدد من أطراف الحوار السياسي بالسعي لعرقلته وتمديد الفترة الانتقالية الحالية.
وتركزت دائرة الاتهامات على الطرفين الأخيرين للعملية السياسية في مرحلتها النهائية، مجلس النواب في طبرق، ومجلس الدولة في طرابلس، بعد فشل الأول المتواصل في إقرار الموازنة العامة للدولة، ومشاركته مع الثاني في تأخير حسم ملفي تقاسم المناصب السيادية وإقرار القاعدة الدستورية للانتخابات.
هذه الاتهامات لم تصدر فقط من مصادر خارج المجلسين، بل من بعض الأعضاء فيهما، وفي لجنة الحوار السياسي المنبثقة عن ملتقى الحوار الذي يشاركان فيه، حيث اعتبر عضو البرلمان ولجنة الحوار السياسي، زياد دغيم، أن الملتقى يشهد ما وصفه بـ "انسداد كبير نتيجة خطئه في تفويض المسار الدستوري لمجلسي النواب والدولة". وأضاف، "خطأ الملتقى جاء لتفويض المجلسين المسار الدستوري بدل من تحمل المسؤولية، وقد اتفق المجلسان في الغردقة على الاستفتاء على الدستور وفق قانون مجلس النواب". وتابع، "الملتقى ألزم والتزم تنفيذ كل المخرجات والتوصيات حزمة واحدة، ومنها الانتخابات ولكن لم ينفذ شيء من بقية الحزمة، وكان يجب التوافق على حل يقوم على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية والاستفتاء على الدستور في فترة زمنية واحدة".
من جانبه، قال عضو ملتقى الحوار السياسي أحمد الشركسي، إن "جلسات ملتقى الحوار السياسي، سارت بشكل جيد، على الرغم من الخلاف بين الأعضاء حول القاعدة الدستورية، بخاصة ما يتعلق بانتخاب الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر". وأضاف، "نحاول قدر الإمكان المحافظة على موعد 24 ديسمبر، ونسعى لمنع المعرقلين والمستفيدين بصراحة من الوضع القائم، من أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة، ممن يعرقلون الذهاب للانتخابات وبقاء الأجسام الحالية على وضعها الحالي" بحسب قوله.
أما عضو اللجنة القانونية في ملتقى الحوار السياسي، الزهراء لنقي، فهاجمت "من يحاولون مصادرة حق الشعب الليبي في اختيار رئيسهم عبر الاقتراع المباشر، تحت فزاعة (عودة الاستبداد)"، مشيرةً إلى أن "مَن ينادون بذلك هم سبب العشرية السوداء، التي شهدتها البلاد". وأضافت، في سلسلة تغريدات عبر حسابها الشخصي على "تويتر"، "يتحكمون في الناس ببث هواجسهم عن الانتخابات الرئاسية المباشرة بدعوى احتمالية عودة الاستبداد، وينسون أن للاستبداد وجوهاً، بينها حكم الفرد والأقلية".