بعد أن هدأت عاصفة ما وصف بأنه وثيقة مسربة من رئاسة الجمهورية تزعم أن الرئيس قيس سعيد يعد لـ"انقلاب دستوري"، وجه عدد من الضباط المتقاعدين رسالة مفتوحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى رئيس الجمهورية، تحت عنوان "رسالة الأمل الأخير". وعبروا فيها عن مخاوفهم مما وصلت إليه الأوضاع في تونس.
وسبق الرسالة التي وقعها ستة من الضباط المتقاعدين، محاولة عدد من الضباط لعب دور سياسي. ومن هؤلاء الأميرال المتقاعد كمال العكروت، مستشار الأمن القومي خلال فترة حكم الرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي، الذي يواجه اعتراضات تنطلق من أن دور المؤسسة العسكرية محايد في تونس، منذ الاستقلال.
ويقول الكاتب نبيل بلفقيه، إن "دخول العسكر الساحة السياسة يفسد المؤسسة العسكرية ولا يصلح السياسية".
فرصة الأمل الأخير
وتعتبر رسالة الجنرالات المتقاعدين الستة أن تونس أصبحت على شفا انهيار اقتصادي، محذرة من إلقاء التهم والتراشق بها وتحميل الآخرين مسؤولية الإخفاق. وتحمل الرسالة رئيس الجمهورية قسطاً أكبر من تلك المسؤولية، إذ عليه تقديم البدائل والدفع في اتجاه الحلول.
وتدعو الرسالة رئيس الجمهورية إلى اتخاذ إجراءات تنطلق من خطاب توجيهي تحت قبة مجلس النواب يحدد أبرز متطلبات المرحلة وأولوياتها، ووقف حملات تبادل العنف والتشويه والسباب وتجنب ما يعكر الأجواء العامة ويعرقل تظافر الجهود من أجل السيطرة على تفشي كورونا وإنقاذ اقتصاد البلاد والالتزام بروح المسؤولية واحترام الأطراف السياسية المنافسة.
وتطالب الرسالة بتأجيل الخوض في المسائل السياسية الخلافية إلى حين التخلص من وباء كورونا والابتعاد عن شبح الإفلاس. وتحث رئيسي مجلس النواب والحكومة على اجتماع عاجل في قصر الجمهورية في قرطاج، يخصص لطي صفحة القطيعة والتوصل إلى حل يمكن الوزراء الحائزين ثقة مجلس النواب من أداء اليمين، كي تستكمل الحكومة تركيبتها الطبيعية.
انتقادات واتهامات
الرسالة التي تناقلتها وسائل الإعلام وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبر البعض أنها تمثل وجهة نظر أطراف في الحزام السياسي المؤيد لرئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي يختلف مع رئيس الجمهورية قيس سعيد. وذكر البعض بأن عدداً من الجنرالات عمل مع حكومات تابعة لحركة "النهضة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتلفت الإعلامية سمية الدريدي إلى أن "الرسالة لا تختلف عن مطالب الحركة، وتحمل رئيس الجمهورية مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع على الرغم من أن المسؤول عن الفشل الاقتصادي ورفض صندوق النقد الدولي دعم الاقتصاد التونسي والعجز في التصدي لوباء كورونا والبطء في الحصول على اللقاحات هو رئيس الحكومة، ولا سلطة للرئيس في ذلك بحسب الدستور".
ويعتبر العميد المتقاعد الأسعد بوعزي أن "الرسالة المفتوحة تعبر عن موقف قريب من حركة النهضة، ومن المؤسف أن نرى عسكريين متقاعدين يحشرون أنفسهم في مسائل سياسية وهم الملزمون بواجب التحفظ ويسيئون بسلوكهم إلى المؤسسة العسكرية وهي منهم براء، وأصبحنا نستمع إلى بعض الأصوات التي تنادي بإصدار البيان رقم واحد".
وفي المستوى السياسي، انتقد الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، المبادرة، معتبراً أن "دخول بعض العسكريين المتقاعدين في الشأن السياسي واستعمال رتبهم للتوجيه والتأثير والضغط على مؤسسات الدولة ظاهرة غير صحية وخطيرة، خصوصاً إذا ما علم أن هناك جهات سياسية متخفية تدفعهم إلى ذلك لغايات لا علاقة لها بمصلحة البلاد واستقرارها".
نداء للإنقاذ من دون حسابات سياسية
في المقابل، يقول العميد المتقاعد مختار بن نصر الرئيس الأسبق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب وأحد الموقعين على الرسالة، "إنه نداء وجهه عدد من القيادات العسكرية لرئيس الجمهورية يهدف إلى منع انهيار الدولة التي تهددها المخاطر".
ويضيف بن نصر أن "لا علاقة للمبادرة بأي طرف سياسي"، مؤكداً أنه "ليس معنياً بلعب أي دور سياسي أو البحث عن منصب في المستقبل". وينبه إلى "مخاطر التراشق بالاتهامات والتشكيك في نيات كل من يحاول أن يقدم رأياً قد لا يعجب البعض أو يختلف مع توجهاته".
ويحذر من "استمرار الأزمة وتعطل مؤسسات الدولة وإمكانية رفض صندوق النقد الدولي منح تونس قروضاً طلبتها وفرض شروط قاسية عليها ستؤدي إذا ما طبقت إلى أزمة لا يعرف أحد نتائجها أو كيف ستكون انعكاساتها على الشارع"، داعياً إلى "تغليب صوت العقل دفاعاً عن الدولة التي سيدفع الجميع، لا قدر الله، ثمن انهيارها، ولن يكون لمصلحة طرف من دون الآخر".