في أعمال الفنان المغربي حسن حجاج تبدو الصور الفوتوغرافية نابضة بالحياة، والألوان الجريئة والأقمشة المزينة بالزخارف. هذه المشاهد الفوتوغرافية التي يهيئ لها حجاج كمصمم بارع تبدو صارخة ومفعمة بالحركة، ولا تخلو من السخرية اللاذعة أحياناً. ينتقي الفنان المغربي أبطال صوره عادةً من بين أصدقائه ومعارفه، أو العاملين في الأسواق الشعبية، غير أنه يحضر المشهد الفوتوغرافي وفق تراكيب وتشكيلات تظهر أبطال صوره كشخصيات أسطورية وفي حالة استنفار وحيوية، مستعيناً بعناصر تم جلبها من الأسواق المحلية. قد يرتدي بعضهم مثلاً نظارة بلاستيكية رخيصة، أو يزينون دراجاتهم النارية بشعارات وعلامات تجارية على نحو مبهج وسافر، أو يكتفون حتى بالوقوف منتبهين إلى عدسة الكاميرا وهم في كامل زينتهم وحليهم، مع نظرة محدقة أو حالمة. هي طريقته في رؤية العالم، وأسلوبه في تقديم ثقافته المغربية، بعيداً عن الصور النمطية والقوالب المتداولة التي يتعامل بها الأوروبيون مع ثقافة الشمال الأفريقي والشرق عموماً.
في معرضه المقام حالياً في غاليري يوسي ميلو بمدينة نيويورك يؤكد حسن حجاج تلك الجوانب التي ميزت تجربته مع الصورة. في هذا المعرض يجمع حجاج بين خمس مجموعات مهمة من أعماله التي قدمها خلال العقود الثلاثة الماضية ليوضح من خلالها مسار عمله وتطور تجربته الفنية. إلى جانب الفوتوغرافيا يضم المعرض أيضاً جانباً من أعماله التركيبية وعدداً من شرائط الفيديو.
فن الحداثة
دائماً ما يروي الفنان المغربي المقيم في بريطانيا منذ سبعينيات القرن الماضي بداية تجربته مع الصورة، فهذه التجربة الاستثنائية التي يراها الكثيرون واحدة من أبرز التجارب الفنية المغربية في الفن المعاصر، على الرغم من بدايتها المتأخرة، ولدت على نحو عرضي. ففي تسعينيات القرن الماضي كان حجاج في رحلة عمل في مدينة مراكش بصحبة بعض أصدقائه البريطانيين من مصممي الملابس. تضمنت الرحلة جلسات تصوير للأزياء على خلفية من الطبيعة التراثية المغربية. كان حجاج وقتها في بداية العقد الرابع من عمره، وكان عليه مساعدة أصدقائه في التجهيز لجلسات التصوير هذه. انتبه حجاج حينها كما يقول، إلى أن كل هؤلاء القادمين من أوروبا من مصممين ومصورين ومصممي أزياء وفناني ماكياج، يستخدمون المغرب كمجرد خلفية للصور التي يلتقطونها.
حينها فقط قرر أن يخوض تجربته الخاصة مع الصورة، وبدلاً من التعامل مع التراث والثقافة المغربية كخلفية للصور، قرر أن يضعها في بؤرة اهتمامه، وليس كمجرد إطار للمشهد. كان مصراً كما يقول، على أن يظهر لأصدقائه أن بلاده تمتلك شيئاً رائعاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحتفي صور حسن حجاج بالثقافة الشعبية المغربية وتمزج فيما بينها وبين أسلوبه وخبراته الخاصة كابن مهاجر عاش معظم حياته عالقاً بين ثقافتين. في هذه الصور التي يلتقطها حجاج ويحرص على صوغها والإعداد لها جيداً كأنه داخل استوديو للتصوير، تبرز الأزياء التقليدية للنساء المغربيات والجلابية المغربية وأغطية الرأس والقفطان المغربي، وغيرها من قطع الملابس الموشاة بالزخارف والحلي. يمتزج كل ذلك بكتابات وأحرف عربية ولاتينية وشعارات وعلامات تجارية مطبوعة، في مقاربة بصرية مع فن البوب.
في هذه الصور تمتزج فنون الشارع بالثقافة الشعبية والعناصر الأفريقية، كما تراوح بين ثقافة الهيب هوب وعالم تصاميم الأزياء الراقية.
ولد حجاج في المغرب عام 1961، وهاجر إلى لندن مع عائلته في سن الثالثة عشرة، وسرعان ما ترك المدرسة، ومارس أعمالاً عدة قبل أن يتعرف على عالم الموضة والتصوير. وهو يقيم ويعمل حالياً بين مدينتي مراكش ولندن، وتعرض أعماله في مؤسسات ومتاحف عالمية مهمة مثل متحف بروكلين ومتحف لوس أنجليس للفنون في الولايات المتحدة، ومتحف فيكتوريا وألبرت في بريطانيا.