يوم الجمعة كان رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "إل في إم إتش" (LVMH) الفرنسية الفاخرة، برنار أرنو، أغنى شخص في العالم، فقد أمضى هو وجيف بيزوس، مؤسس شركة "أمازون" ورئيسها التنفيذي، الأيام القليلة الماضية في تبادل موقع الجلوس على منصة تتويج أغنى شخصية في العالم.
والسبب وراء هذا الصراع هو أن سعر السهم الواحد لشركيتهما كان في ارتفاع وانخفاض، وعلى الرغم من أن "إل في إم إتش" هي شركة أقل قيمة، كانت قيمتها 332 مليار يورو (277 مليار جنيه استرليني/ 405 مليار دولار أميركي) الجمعة في مقابل "أمازون" البالغة قيمتها 1.63 تريليون دولار أميركي (1.15 تريليون جنيه)، فإن لأرنو حصة شخصية أكبر مقارنة ببيزوس.
إن الافتتان بالثروة قائم دائماً، وهذه المعركة الصغيرة تشكل قصة ممتعة، لكن خلفها شيئاً أكثر أهمية، يتجلى في السؤال التالي: ما هي القطاعات التي ستهيمن خلال العقد المقبل؟ هل ستكون الشركات العملاقة في عالم التكنولوجيا المتطورة في أميركا، الفائزة بهذه المنافسة حالياً على وجه التحديد، أم سيتعلق الأمر بشركات أخرى؟
إذا تذكرتم الوضع قبل خمس سنوات، لم يكن من الواضح أن "أمازون" ستهيمن كما تفعل الآن. صحيح أن شركتي "أبل" و"مايكروسوفت" كانتا مهيمنتين على السوق العالمية، لكن لم يكن من الواضح إلى هذا الحد أن شركة "تيسلا" قد تساوي أكثر من الشركات الست الأخرى لتصنيع السيارات، كما كان الحال نهاية العام الماضي.
والآن انظروا إلى الرفاهية، إذ يعتبر أن ما حققته فرنسا أمر مذهل، فهي تضم ستاً من أفضل 10 علامات فاخرة في العالم، بما في ذلك "لوي فيتون" و"شانيل" و"هرمس". ويعتبر هذا أمراً غير عادي أن يهيمن بلد منفرد على المنتوجات الفاخرة بهذه الطريقة، لكن ما يشكل غرابة أكثر هو أن هذه الهيمنة تعود إلى القرن الـ 17، فمن المعروف عن وزير مالية لويس الـ 14، جان باتيست كولبير، مقولته الساخرة، "يتألف فن الضرائب من نتف الإوزة للحصول على الكمية الأكبر من الريش، بأقل قدر ممكن من الصياح".
لكنه لاحظ أيضاً عام 1665 أن "فن الموضة يمثل لفرنسا ما تجسده مناجم الذهب في بيرو لإسبانيا"، وهذا التشبيه هو بمثابة تأمل للطريقة التي حصلت بها فرنسا على ثروتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهتها، تضم إيطاليا علامات تجارية فاخرة، حيث تقع "غوتشي" و"برادا" من بين العلامات الـ 10 الأولى عالمياً، أما سويسرا فلديها "رولكس"، وللمملكة المتحدة "بيربيري". لكن الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، ليست ممثلة حقاً في هذا الترتيب العالمي، وكذلك الصين وهي ثاني أضخم اقتصاد في العالم، إضافة إلى اليابان التي يحتل اقتصادها الموقع الثالث عالمياً.
هناك من له موقف سلبي من الترف، وليس من السهل الدفاع عن أصحاب المليارات الذين ينفقون أموالهم على يخوت يدوية الصنع، عندما تكون أعمالهم مبنية في كثير من الأحيان على ممارسات عمل يرى كثيرون منا أنها تفتقد الذوق، والواقع أن بعض الإعلانات في المجلات اللامعة عن الساعات التي تكلف أكثر من 10 آلاف دولار للقطعة الواحدة تجعل العديد منا يشعر بعدم الارتياح.
لكن العالم هو كما هو، ورفاهية شخص هي بمثابة حاجة شخص آخر، والحقيقة الواضحة هنا هي أن المنتوجات الفاخرة عالمياً تشهد ازدهاراً كبيراً، بفضل الارتفاع الكبير لأصول الأغنياء، فضلاً عن المراتب المتنامية للأثرياء في الصين وبقية آسيا.
لذلك فإن قصة جيف بيزوس ترمز إلى نهضة التكنولوجيا الأميركية المتطورة، بينما تشكل قصة برنار أرنو مظهراً للرفاهية الأوروبية، ولا سيما الفرنسية، لكن الأمر ينطوي على أكثر من ذلك، إذ يتعلق بالمزايا التنافسية التي تتمتع بها الولايات المتحدة في مواجهة أوروبا. فأي منهما سيكون أكثر استمراراً؟
في الواقع سيكون كل منهما في موقع قوي، وإذا تمكنت الصين من تقليد الولايات المتحدة من خلال شركة "تنسنت" أو شركة "علي بابا"، أو ما إلى ذلك، فلا أعتقد أنها قادرة على إنشاء رفاهية على النطاق الخاص في أوروبا، وإذا صح ذلك فإن هناك أسباباً تجعلنا نأمل بأن تتمكن أوروبا على مدى السنوات الـ 30 المقبلة، أو نحو ذلك، من العمل كمنطقة اقتصادية ناجحة إلى حد معقول.
ومما لا شك فيه أن الاقتصاد الفرنسي أكثر من مجرد رفاهية، تماماً كما أن الاقتصاد الألماني أكثر من مجرد هندسة، أو اقتصاد المملكة المتحدة أكثر من مجرد تمويل. وتكمن القوة الاقتصادية التي تتمتع بها أوروبا في تنوعها، فالقطاعات المختلفة مفيدة في أشياء مختلفة.
وهذا يقودنا إلى نتيجة أخرى، إذ يظهر نجاح "أرنو" في إدارة مجموعة راسخة من الشركات إلى حد كبير حقاً، فإذا كان بوسع المرء أن ينشئ شركات جديدة فسيكون هذا أمراً رائعاً.
أما عبقرية الولايات المتحدة في مجال الابتكار، فستضمن استمرار مسيرتها الاقتصادية الحيوية، لكن الناس يريدون منتجات وخدمات راسخة ، فضلاً عن منتجات وخدمات مبتكرة.
من جهتها، فإن البراعة الفرنسية في مجال المنتجات الفاخرة طوال 400 سنة تستحق كل التقدير، فهي تنشئ كثيراً من فرص العمل، والعديد منها أفضل من العمل في أحد مراكز الخدمة لدى "أمازون"، كما أن أداء أرنو كان جيداً أيضاً.
© The Independent