انشغل الرأي العام في تونس، في الآونة الأخيرة، بمسألة مطالب رفع الحصانة الموجهة إلى مجلس النواب والتي لم يتفاعل معها البرلمان.
وكان رئيس الجمهورية، قيس سعيد، أعلن في آخر لقاء له مع رئيس الحكومة، هشام المشيشي، أن مكتب مجلس النواب، لم يستجب لـ25 طلباً، من القضاء، لرفع الحصانة عن نواب، تلاحقهم شبهات فساد وتحايل وتهم بالتهريب والاتجار بالمخدرات، داعياً المؤسسة القضائية إلى لعب دورها وعدم التعلل بالحصانة البرلمانية.
ويتخوف التونسيون، من أن يتخذ النواب من الحصانة درعاً تحميهم من المساءلة القضائية، وسط حديث عن تورط عدد منهم.
فماذا تعني الحصانة البرلمانية، وهل تحول دون مساءلة النائب، وهل يمكن اتخاذها ذريعة لتجاوز القانون؟
الحصانة البرلمانية ليست مطلقة
ينص الفصل 68 من الدستور التونسي، على أنه "لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب، أو إيقافه، أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها، أو أعمال يقوم بها، في ارتباط بمهامه النيابية".
وأضاف الفصل 69 أنه "إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية، ما لم ترفع عنه الحصانة، أما في حالة التلبس بالجريمة، فإنه يمكن إيقافه، ويُعلم رئيس المجلس حالاً على أن ينتهي الإيقاف، إذا طلب مكتب المجلس ذلك".
وتقول أستاذة القانون العام، في الجامعة التونسية، وعضو الجمعية التونسية للقانون الدستوري، هناء بن عبدة في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "الحصانة البرلمانية ليست مطلقة وهي منظمة ولها شروطها، حيث يتمتع النائب بالحصانة، ولا يؤاخذ على الأعمال التي يمارسها في علاقة بعمله النيابي، لكن لا يعني ذلك أن له حصانة في جرائم الحق العام أو جرائم ضد الأشخاص".
التهرب من المساءلة
وأكدت بن عبدة، أن البرلمان اليوم، لا يحرص على التطبيق الدستوري للحصانة، واعتبرت أنه يتم استغلال الحصانة للتهرب من المساءلة، وهو ما كرس ظاهرة الإفلات من العدالة، من خلال رفض الامتثال لدعوة القضاء للنائب من أجل المثول أمام المحكمة.
وشددت أستاذة القانون، على أن النائب من حقه التمسك بالحصانة، إلا أن ذلك يتم عبر الطلب كتابياً من القاضي، الذي يقدم طلباً إلى مكتب مجلس النواب، من أجل رفع الحصانة، ويحال ملف النائب، إلى لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية، التي تنظر في الطلب، وتحيله إلى الجلسة العامة، لاتخاذ القرار بالتصويت أو برفع الحصانة أو برفضها.
احترام السلطة القضائية
من جهة أخرى، استغربت بن عبدة، عدم اعتراف مكتب المجلس، بتلقيه مطالب لرفع الحصانة عن عدد من النواب، معتبرة أن ملف الحصانة يستخدم لأغراض سياسية، ويتم التعامل معه على أساس الولاء للائتلاف الحاكم، وأساساً لحركة النهضة، داعية النواب إلى احترام سلطة القضاء، حفاظاً على المؤسسات وتكريساً لعلوية القانون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان النائب راشد الخياري (نائب مستقل)، قد رفض المثول أمام القضاء العسكري الذي أصدر في شأنه، مذكرة توقيف في أبريل (نيسان) الماضي، بتهمة التآمر على أمن الدولة، وتحطيم معنويات الجيش، والتخابر مع جهات أجنبية، وذلك على خلفية اتهامات وجهها النائب، إلى الرئيس سعيد، بتلقيه تمويلاً أجنبياً، خلال الحملة الانتخابية للوصول إلى السلطة.
الحصانة ليست امتيازاً
في غضون ذلك، عقدت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية، الأربعاء 2 يونيو (حزيران) 2021، جلسة خصصتها للاستماع إلى السيدة وزيرة العدل بالنيابة، حسناء بن سليمان، وممثلين عن المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بهدف توضيح منهجية التعاطي مع ملفات رفع الحصانة، الموجهة من السلطة القضائية إلى مجلس نواب الشعب.
وأفادت وزير العدل بالنيابة، حسناء بن سليمان، أن الحصانة ليست امتيازاً أو وسيلة للإفلات من العقاب، مضيفة أن الإدارة العامة للشؤون الجزائية بوزارة العدل التي تضم عدداً من القضاة، هي الجهة المكلفة بدراسة ملفات رفع الحصانة المحالة من قبل وكلاء الجمهورية أو قضاة التحقيق المتخصصين في إطار الأبحاث التي يتعهدون بها، مشددة على مبدأ قرينة البراءة وضمانات المحاكمة العادلة.
وزارة العدل تتهرب
وطالب أعضاء اللجنة، بضرورة رفع الالتباس حول عدد مطالب رفع الحصانة، وتوضيح مآلها وإنارة الرأي العام حول هذه الملفات في إطار الشفافية، والنأي بملف الحصانة البرلمانية عن التجاذبات السياسية حتى لا تشكل فرصة للإفلات من العقاب.
وأكد نائب رئيس اللجنة، نعمان العش في تصريح خاص، أن ممثلي الوزارة لم يقدموا مستندات ووثائق رسمية تثبت إرسال القضاء لمطالب رفع الحصانة عن عدد من النواب، واقتصر الاجتماع على مناقشة ملف الحصانة من جوانبه الشكلية والإجرائية.
وأقر النائب، بأن ملف الحصانة يلفه الغموض وعدم الشفافية، معتبراً تهرب ممثلي وزارة العدل، من الاستجابة لطلب أعضاء اللجنة، تقديم المستندات الرسمية لمطالب رفع الحصانة، نوعاً من التعويم والتملص والهروب إلى الأمام، قائلا "إن الملف تشوبه شبهات الالتفاف والولاءات السياسية".
وأضاف العش أن "كل الأطراف المتدخلة في الملف متواطئة، وهو ما رسخ ثقافة الإفلات من العقاب"، محملاً المسؤولية مباشرة إلى القضاء ومجلس النواب في التلاعب بهذا الملف.
البرلمان لم يتلق أي طلب رفع حصانة
في المقابل، أكد مساعد رئيس مجلس نواب الشعب المكلف بالإعلام والاتصال، ماهر مذيوب، في ندوة صحافية، بحضور الكاتب العام للمجلس، أنه لم يرد على المجلس أي طلب لرفع الحصانة خلال الدورة الحالية، وذلك بعد التدقيق مع مكتب الضبط المركزي والكتابة العامة، معتبراً أن رفع الحصانة إجراء طبيعي، ولا يعني أن المعني بالأمر مجرم أو إرهابي، وأن المتهم بريء حتى تتم إدانته.
وأضاف أن ما ورد على إدارة البرلمان، في بداية الدورة الحالية، هو طلب من النيابة العمومية (القضاء)، للاستماع إلى نائب ولم يكن طلباً لرفع الحصانة مذكراً أنه ورد على المجلس في المدة النيابية السابقة، 17 طلباً لرفع الحصانة، أخذت مسارها الطبيعي وتم التداول في شأنها من قبل لجنة النظام الداخلي والحصانة.
مغالطة رئيس الجمهورية
وشدد على أن كل مؤسسات الدولة تعمل تحت الدستور وتحت سقف القانون، مشيراً إلى أنه تمت مغالطة رئيس الجمهورية في المسألة المتعلقة بإعلانه عن إحالة 25 طلب رفع الحصانة إلى مجلس نواب الشعب.
ومن جهته، أكد النائب عن حركة النهضة، نور الدين البحيري، أن مجلس النواب يعمل في إطار الشفافية الكاملة، ولا أحد فوق القانون والمحاسبة، داعياً النواب إلى تقديم أسئلة إلى وزارتي العدل والدفاع، لتوضيح مسألة مطالب رفع الحصانة إلى الرأي العام.