من أكثر المعلومات وضوحاً في زمن الحروب أن الأطفال هم الأكثر تضرراً على كل المستويات، فهم أهداف سهلة ولا قوة لهم ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم، بل يقفون في موقفي المشاهد والمتضرر مباشرة من حروب وتقاتل الكبار، فكيف الحال إذا كانت أكثر الانتهاكات الستة شيوعاً هي تجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب والقتل والعنف الجنسي والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية. فهذا لا بدّ يحتاج إلى صرخة عالمية للدفاع عن الأطفال ضحايا العدوان، وهذا ما كرّسته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس (آب) 1982 في اختيارها يوم الرابع من يونيو (حزيران)، من كل عام، بوصفه اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء وسبب هذا القرار كان في حينه ترويع "عدد كبير من الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء خلال أعمال العدوان التي ترتكبها إسرائيل"، بحسب نشرات الأمم المتحدة و"اليونيسف".
هل تفيد الاعترافات؟
ومنذ ذلك العام حتى اليوم أي بعد أربعة عقود، ما زال الأطفال، وعلى رأسهم الفلسطينيون، يتعرضون للترويع والقتل في الحروب المتكررة، والتي كان آخرها قبل أسابيع بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين. وكذلك في مناطق مختلفة في العالم، حيث لم يتمكن الاحتفال السنوي بهذا اليوم سوى من التذكير بحال هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في أرض المعركة من دون أن يكون لهم أي علاقة أو تأثير في أسباب ونتائج هذه المعارك الحربية التي لم تنته حتى اليوم.
وبالصدفة، تزامناً مع هذا اليوم، اعترفت ألمانيا قبل أسبوع، وللمرة الأولى في تاريخها، بأنها ارتكبت "إبادة جماعية" ضدّ شعبي "الهيريرو" و"ناما" في ناميبيا خلال استعمارها هذا البلد قبل أكثر من قرن، وسيكون تعويضها عبارة عن مساعدات تنموية للدولة الأفريقية.
وكان المستعمرون الألمان قد قتلوا عشرات الآلاف من أبناء شعبي "الهيريرو" و"ناما" في مذابح اعتبرها العديد من المؤرّخين أول إبادة جماعية في القرن الـ 20، وكان من بين هؤلاء الضحايا عدد كبير من الأطفال والنساء، وأسفرت هذه المذابح بين 1904 و1908 عن مقتل ما لا يقلّ عن 60 ألفاً من أبناء شعب "الهيريرو" ونحو 10 آلاف من أبناء شعب "ناما"، واستخدمت القوات الاستعمارية الألمانية لإخماد هذا التمرّد تقنيات إبادة جماعية شملت ارتكاب مذابح جماعية والنفي في الصحراء، حيث قضى آلاف الرجال والنساء والأطفال عطشاً، وأُرسلت عظام بما فيها جماجم ضحايا إلى ألمانيا لإجراء تجارب علمية عنصرية.
وقبل أسبوع أيضاً، قدم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، اعتذارات رسمية عن اعتقال أكثر من 600 إيطالي خلال الحرب العالمية الثانية، وعن الأضرار التي لحقت بالجالية الإيطالية الكندية، ففي 1940، وبعد دخول إيطاليا الحرب كحليفة لألمانيا، تم تصنيف نحو 31 ألف كندي من أصل إيطالي كـ "رعايا لدولة معادية" على الرغم من كونهم كنديين، وكان هذا التمييز ذا تأثير كبير على الأطفال من الجالية الإيطالية في كندا.
انتهاكات بالجملة
الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة حول الأطفال المعرضين للعنف خلال النزاعات والحروب ما يجعلنا نفكر في ما إذا كان لا نزال في القرون الوسطى أما أننا كبشر ننطلق فعلاً إلى استكشاف الفضاء، بينما على الأرض ما زال 50 في المئة من أطفال العالم يتعرضون للعنف كل عام، بينما يقتل كل خمس دقائق طفل بالعنف، ويتم تجنيد آلاف الفتيان والفتيات في الميليشيات المسلحة كمقاتلين وطهاة وحمالين وسعاة، كما يتم تجنيد الفتيات لأغراض جنسية أو للزواج القسري، ويتم تجنيد العديد منهم قسراً، على الرغم من أن البعض ينضمون نتيجة لضغوط اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية.
وأسهمت منظمة "اليونيسف" في إطلاق سراح أكثر من 100 ألف طفل من الميليشيات المسلحة حول العالم، وأعيد دمجهم في مجتمعاتهم المحلية منذ عام 1998 في أكثر من 15 بلداً تجري فيها حروب أهلية. وفي عام 2010، دعمت "اليونيسف" إعادة دمج نحو 11400 طفل كانوا مرتبطين سابقاً مع الميليشيات المسلّحة، وينتشر تجنيد الأطفال في الصراعات الدائرة في أفغانستان وأنغولا وبوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وكولومبيا وساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا بيساو وليبيريا وموزمبيق ونيبال ورواندا وسيراليون والصومال وسريلانكا والسودان وأوغندا. وفي 10 مايو (أيار) 2019، أفرجت مجموعة مسلحة تدعى "فرقة العمل المدنية المشتركة" في شمال شرقي نيجيريا عن 894 طفلاً كانوا مجندين في صفوفها، من بينهم 106 فتاة، بحسب ما أعلنت منظمة "اليونيسف" التابعة للأمم المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشكل الأطفال ما يقرب من نصف 900 مليون شخص تقريباً من الذين يعيشون بأقل من 1.90 دولار في اليوم، وتكافح أسرهم من أجل تغطية تكاليف الرعاية الصحية الأساسية والتغذية اللازمة لتوفر لهم بداية قوية. وترك هذا الحرمان بصمات دائمة، ففي عام 2014، عانى ما يقرب من 160 مليون طفل من التقزم.
هناك ما يقرب من 250 مليون طفل يعيشون في البلدان والمناطق المتضررة من الصراعات المسلحة خاصة في سوريا، وفي أفغانستان، تم تسجيل أكبر عدد من الضحايا من الأطفال في عام 2015 منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتوثيق ممنهج لسقوط ضحايا من المدنيين في عام 2009.
في الصومال، زاد عدد الانتهاكات المسجلة ضد الأطفال إلى 50 في المئة مقارنة مع عام 2014، وشمل ذلك على تجنيد مئات عدة من الأطفال وإساءة معاملتهم وقتلهم وتشويههم. وفي جنوب السودان، كان الأطفال ضحايا لكل الانتهاكات الجسيمة الستة، لا سيما خلال الهجمات العسكرية الوحشية ضد قوات المعارضة.
نزوح وهجرة وقتل
هناك الملايين من الأطفال، وكثيرون منهم غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عن أسرهم ينزحون بسبب النزاع المسلح، هؤلاء الأطفال هم عرضة لمخاطر عالية من الانتهاكات الخطيرة، ومطلوب على وجه السرعة القيام بإجراءات للتخفيف من محنة الأطفال المشردين بسبب النزاع المسلح، وتشجع الأمم المتحدة الدول الأعضاء على احترام حقوق الأطفال المشردين واللاجئين وتقديم خدمات الدعم اللازمة لهم.
على مدار 15 عاماً، كانت الأهداف الإنمائية للألفية بمثابة قوة توجيهية بشأن العديد من القضايا التي تؤثر على حياة الأطفال والشباب وأسرهم. وخلال هذا الوقت، تم إحراز تقدم هائل في الحد من وفيات الأطفال التي يمكن تجنبها، وتسجيل المزيد من الأطفال في المدارس والحد من الفقر المدقع وضمان المزيد من الناس في الحصول على المياه الصالحة للشرب والطعام المغذي.