لم يكن أداء المحافظين في الانتخابات المحلية سيئًا كما كان محتملا. لقد خسروا مئات المقاعد في المجالس المحلية، وهي نتيجة طبيعية لأي حزب حاكم فقد شعبيته.
تشير التقديرات إلى أن حزب العمال والمحافظين كانا سيحصدان نفس عدد المقاعد تقريبا لو أجريت الانتخابات في بريطانيا العظمى بأكملها، بما في ذلك لندن وويلز واسكتلندا.
قدّرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حصة حزبي المحافظين والعمال من الأصوات الوطنية بحوالي 28 في المائة، وحصة حزب الديمقراطيين الأحرار بنسبة 19 في المائة. هذا يعني تراجع كلا الحزبين الرئيسيين من نسبة 35 في المائة التي فازا بها بالتساوي العام الماضي، في حين أن حزب الديمقراطيين الأحرار احرز تقدما من ثلاث نقاط. والسبب الوحيد وراء خسارة حزب المحافظين لهذا العدد الكبير من المقاعد هو أن الحزب كان قد ربحها في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2015، أي في أوج النجاح الانتخابي لديفيد كاميرون.
لقد أربكت النتائج حزب العمال، حيث أن العديد من أنصاره الذين يميلون إلى "وقف البريكست" يلقون باللوم على جيريمي كوربين لرفضه تبني سياسةً أوضح بدعم إجراء استفتاء جديد حول الموضوع. لكن لو دعم الحزب مشروع "البقاء في اوروبا"، كان العمال ليخسروا عدد أصوات أكبر مما كانوا ليجنوه في هذه الانتخابات. وفعلا، فقد خسر الحزب مقاعد لصالح المحافظين في المناطق المؤيدة للخروج، وخسر العمال مقاعد لصالح الديمقراطيين الأحرار في المناطق المؤيدة لمشروع البقاء في اوروبا. قد يكون أسلوب المراوغة الذي يتبعه كوربين هو أفضل طريقة لزيادة أصوات حزب العمال إلى أقصى حد، وأداء الحزب السيئ يعود ربما لأن الناخبين لا يقيمون وزنا لشخص كوربين نفسه.
وقد بيّن وزير المالية في حكومة حزب العمال المعارضة جون مكدونيل وجود هذا الارتباك عندما غرّد على تويتر قائلا إن الرسالة التي تلقاها الحزب من نتائج الانتخابات المحلية كانت: "أوجدوا حلا للبريكست" وأن الرد عليها هو: "تم استلام الرسالة."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أثار هذا التعليق تكهنات بأن حزب العمال كان على وشك الرد على الغضب الشعبي ضد كلا الحزبين الرئيسيين بالتوصل إلى اتفاق مع الحكومة حول صفقة خروج مع البقاء في اتحاد جمركي مع اوروبا. هذه التكهنات أثارت موجة قلق بين الجماعات المؤيدة لاستفتاء ثان من أن الحزب أصبح على وشك التخلي عن مبادئه و الانجراف مع المحافظين في نهر البريكست.
غير أن مكدونيل نشر تغريدة أخرى بعد 20 دقيقة (و نعم أصبحت التطورات السياسية متسارعة)، قائلاً: "لا تسيئوا تفسير تغريدتي الأخيرة. كنت ببساطة أوضح أننا نحتاج إلى المضي قدمًا في تسوية هذه القضية بأي طريقة ممكنة."
وبعبارة أخرى، عاد مكدونيل إلى السياسة المزدوجة التي عن طريقها أصبح "العمال الحزب الوحيد الذي يمثل مؤيدي الخروج والبقاء على حد سواء،" كما تم الاتفاق في اجتماع اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب هذا الأسبوع.
حزب العمال هو الحزب الذي يؤيد الخروج من الاتحاد الأوروبي والبقاء فيه، لكن هذا مجرد تفصيل.
إن المحافظين هم الطرف الذي تعهد بإخراجنا من الاتحاد الأوروبي وفشلوا في ذلك، وقد بدأوا في دفع الثمن يوم أمس، لكنهم تمكنوا من احتواء الضرر، وقد ساعدهم في ذلك ليس فقط عدم شعبية حزب العمال وإنما أيضا غياب بديل واضح عن البريكست.
لقد تم تشكيل حزب البريكست الذي يرأسه نايجل فاراج بعد فوات أوان الترشح للانتخابات المحلية، فيما كان حزب "استقلال المملكة المتحدة" يخوض المنافسة على واحد فقط من بين كل ستة مقاعد.
همّش حزب "استقلال المملكة المتحدة" نفسه باستقطاب البلطجة السوقية لتومي روبنسون، وحتى في الأماكن التي شارك فيها مرشحو الحزب كان هناك بعض التحول في التصويت لصالحهم.
اتخذ الضغط للاحتجاج على خيانة بريكست من قبل تيريزا ماي العديد من أشكال التعبير الأخرى. فقد حقق المرشحون المستقلون أداءً جيداً بشكل غير معتاد - حيث استحوذوا على 25 في المائة من إجمالي الأصوات في البلاد، وهو أعلى معدل منذ عقود، إذا استثنينا حزب "استقلال المملكة المتحدة".
من جهة أخرى أبلغت العديد من البلديات عن الكثير من الأصوات الملغاة، وهناك أمثلة كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي للناخبين الذين كتبوا "بريكست" و "خائن" على أوراقهم.
أخيرًا، انخفضت نسبة المشاركة ببضع نقاط عن العام الماضي، ما يشير إلى أن بعض الناخبين المحافظين المؤيدين لبريكست بقوا في منازلهم - مقابل خروج الناخبين المتحمسين جدا المؤيديين للاتحاد الأوروبي للتصويت لصالح الديمقراطيين الأحرار.
في غضون ثلاثة أسابيع، سيظهر الاحتجاج على فشل الحكومة في إخراجنا من الاتحاد الأوروبي بقوة في انتخابات البرلمان الأوروبي. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تفوق حزب فراج بالفعل بفارق تسع نقاط عن جميع المنافسين، في حين يحتل حزب العمال المركز الثاني. وإذا واصل حزب الديمقراطيين الأحرار تقدمهم، يمكن دفع المحافظين إلى المركز الرابع.
في رأيي، سيكون ذلك مجرد البداية. لا أعتقد أن كوربين سيوافق على صفقة خروج مع تيريزا ماي. لماذا يجب عليه أن يساعد المحافظين على الصعود من الحفرة العميقة التي يجدون أنفسهم فيها؟ وكما يشير التصرف السريع لمكدونيل، فإن قيادة حزب العمال ستواجه تمردا كبيرا بين أعضاء الحزب إذا ساعدت حزب المحافظين على تحقيق الخروج.
صحيح أن صفقة الاتحاد الجمركي من شأنها تقسيم حزب المحافظين، لكنها ستقسم حزب العمال أيضا، فلماذا لا يجلس حزب العمال مكتوف اليدين ويشاهد حزب المحافظين ينفجر من الداخل؟
أعتقد أنه من غير المرجح أن نغادر الاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة، إن خرجنا أبدا، وقد تكون عواقب ذلك على حزب المحافظين قاضية. ولو لم أكن قد كتبت حديثا انتقادا لاذعا ضد كلمة "وجودية"، لقلت إن حزب المحافظين يواجه أزمة وجودية.
© The Independent