لم تجد الحكومة التونسية غير الإعلان عن الإغلاق الشامل وفرض حظر التجوال في كافة مناطق محافظة القيروان جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا في مدنها ومناطقها. وكان وزير الصحة فوزي المهدي زار، الأحد الماضي، المدينة وأشرف على اجتماع لخلية الأزمة للوقوف على تطورات الوضع الوبائي والصحي ومدى فاعلية القرارات الاستثنائية المتخذة للحد من انتشاره.
وقرر وزير الصحة إضافة 40 سريراً جديداً في أقسام الأوكسجين، وإضافة 9 أسرة في أقسام الإنعاش في مستشفيات المنطقة بعد أن أظهرت نتائج التحاليل المخبرية تواصل الارتفاع في نسق العدوى في مختلف المناطق، والذي يشكل تهديداً خطيراً للوضع والمنظومة الصحية فيها.
الموجة الرابعة
عودة ارتفاع الإصابات التي تهدد، إضافة لمحافظة القيروان، سبع محافظات أخرى في تونس من جملة 24 وصفها عضو اللجنة العلمية، أمان الله المسعدي، بأنها إعلان عن بدء دخول تونس في الموجة الرابعة لتفشي فيروس كورونا.
وحذر المسعدي من أن توافد المواطنين من الخارج في فصل الصيف يمكن أن يسهم في تفشي الفيروس أكثر، مرجحاً أن يحمل الوافدون معهم سلالات أخرى للفيروس، مشيراً إلى أن الوضع الوبائي ما زال خطيراً، وعدد المقيمين في أقسام الإنعاش والعناية المشددة ما زال مرتفعاً.
إجراءات عاجلة
والي القيروان محمد بورقيبة أعلن عن عدد من القرارات من بينها فرض حظر التجوال من الساعة الثامنة مساء إلى الخامسة صباحاً وتعليق الصلاة في المساجد وإغلاق المقاهي والمطاعم ووقف الأنشطة الرياضية والثقافية ومنع الأسواق الأسبوعية، كما دعا منظمات وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام للتحرك والمشاركة بفاعلية للحد من انتشار العدوى.
أرقام مقلقة
القرارات التي اتخذت لمواجهة انتشار الجائحة فرضتها نتائج التحاليل التي تجريها المختبرات الطبية في المنطقة التي قدرت أن نسبة الفحوص الإيجابية يفوق 60 في المئة من عدد الفحوص التي تجرى يومياً، إضافة إلى وصول طاقة استيعاب المستشفيات العمومية للحد الأقصى مما اضطر لنقل عدد من المرضى لمستشفيات في مدن أخرى، بحسب ما أكده مدير الصحة في القيروان، محمد رويس الذي أشار إلى انتشار العدوى في عدة مناطق في المحافظة، معتبراً أن تطور انتشار الوباء جاء نتيجة التجمعات في آخر أيام رمضان وأيام العيد.
على خط الأزمة التي تعيشها القيروان اعتبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أن ما يحدث جراء انتشار الفيروس وتعطل التنمية والاستثمار وتفشي الفقر والعاطلين عن العمل وارتفاع معدلات الانتحار "جريمة إنسانية"، واصفاً الأوضاع بأنها "عار على الدولة التي لم تعط القيروان مكانتها التي تستحق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القيروان "المنكوبة"
القيروان هي أولى المدن الإسلامية في شمال أفريقيا بناها عقبة بن نافع لتكون الحصن الأول البعيد عن شواطئ المتوسط، ومنها انطلقت بقية الفتوحات لتصل إلى الأندلس، وتضم أقدم جامع في شمال أفريقيا، ورغم موقعها الاستراتيجي وأهميتها التاريخية فإن المحافظة التي يسكنها أكثر من نصف مليون شخص تنال الحصة الأكبر من ارتفاع نسب الفقر والعاطلين عن العمل.
وبحسب المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، فإن نسبة الفقر فيها تبلغ نحو 34 في المئة وهي من أعلى النسب في تونس، بسبب ارتفاع معدلات العاطلين عن العمل وخصوصاً في صفوف حاملي الشهادات الجامعية العليا، وغياب استراتيجية تنموية خاصة بالمنطقة.
"سياسة صحية فاشلة"، بهذه الكلمات وصف الصحافي والناشط في المجتمع المدني وأحد أبناء القيروان منذر شريط نتائج ما وصلت إليه الأوضاع في المحافظة، معتبراً أن سياسات التهميش المتواصلة منذ عشرات السنين أدت إلى أن تعيش كافة مناطق القيروان هذه الحالة من تفشي العدوى وانتشار المرض.
وتساءل شريط: أين هي المستشفيات التي وعد أهالي القيروان بها؟ موضحاً أن "الرصيد الطبي وشبه الطبي لهذه الولاية يظل فقيراً وهو ما دعا إدارة الصحة لدعوة كافة المتقاعدين من الأطباء والممرضين وكل المتطوعين إلى مؤازرة جهود القطاع لمحاولة إنقاذ حياة المواطنين".
واعتبر أن القيروان تعاني منذ الاستقلال من التهميش والتمييز، وأن مطالب أبناء الولاية تتلخص في موضوع "أين المستشفى؟".
أوضاع كارثية
من جانبه، وصف رفيق بو جدارية رئيس قسم الطوارئ في أحد المستشفيات الحكومية بتونس وابن مدينة القيروان الأوضاع الصحية فيها بالكارثية.
ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الجهة التي عطلت النهوض بالمنظومة الصحية في القيروان، كما أن هناك فشلاً في خطة التحرك لمواجهة الجائحة والمدير الصحي في القيروان كان قد حذر قبل عشرة أيام من مخاطر انتشار العدوى، كما أن كثيراً من المواطنين يتحملون المسؤولية جراء سلوك يتسم باللامبالاة والاعتماد على التفسير القدري للحياة والموت.
مناعة القطيع
واعتبر بو جدارية أن ارتفاع نسب الإصابة بما يفوق 60 في المئة وتأخر الإجراءات الوقائية يؤدي إلى تفشي الوباء، وبالتالي يمكن الوصول إلى المناعة الجماعية، لكن الثمن هو الإصابات الخطيرة التي تؤدي إلى زيادة عدد الوفيات وظهور متحورات للفيروس، كما حدث في البرازيل والهند وإنجلترا.
وأضاف أن نسبة الوفيات بلغت، الإثنين، 19 حالة إضافة إلى 400 إصابة مؤكدة ستكون بوابة لانتشار كبير للجائحة في المناطق القريبة من القيروان وبخاصة سيدي بوزيد والقصرين متوقعاً مرحلة صعبة جداً في الأيام المقبلة.