يشهد البرلمان المصري تحركات للقيام بتعديل تشريعي يسمح بفصل موظفي الدولة المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية، استجابة لدعوة وزير النقل المصري كامل الوزير، الذي اتهم عناصر سماها "إثارية" ومتطرفة بالضلوع في حوادث القطارات التي وقعت خلال الشهرين الماضيين، وأسفرت عن مصرع عشرات المواطنين وجرح المئات.
تشريعات جديدة
ووافقت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس النواب (الغرفة الرئيسة للبرلمان المصري) على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، الذي تسري أحكامه على الجهاز الإداري للدولة، وأوضحت نصوص التعديلات أنه لا يجوز فصل الموظف بغير الطريق التأديبي إلا في أربع حالات، منها "إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها، ويعد إدراج العامل على قائمة الإرهابيين وفقاً لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2010 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين قرينة جدية"، بحسب نص التعديل المقترح. كما يحق لجهة العمل فصل الموظف حال إضراره بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية، وكذلك إذا فقد الثقة والاعتبار، أو فقد سبباً أو أكثر من أسباب صلاحية شغل الوظيفة عدا الأسباب الصحية.
وأوضحت التعديلات القانونية أن قرار فصل العامل يكون بقرار مسبب من رئيس الجمهورية، أو من يفوضه بناء على عرض من الوزير المختص، بعد سماع أقواله، ولا يترتب على الفصل حرمانه من المعاش أو المكافأة. وتنص التعديلات على اختصاص محكمة القضاء الإداري بالنظر في الطعون التي قد يقدمها الموظفون على قرار فصلهم بغير الطريق التأديبي، وأجازت للمحكمة أن تحكم بتعويض مادي بدلاً من إلغاء قرار الفصل، "للأسباب التي ترى أن المصلحة العامة تقتضيها"، بحسب نص التعديل المقترح.
ومن المنتظر أن تناقش اللجنة العامة لمجلس النواب التعديل التشريعي خلال أيام، عقب إحالته من لجنة الشؤون التشريعية، تمهيداً للمصادقة عليه بشكل نهائي.
"إخوان" في السكة الحديد
وكان الوزير قد كشف خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، في 26 أبريل (نيسان) الماضي، عن وجود 162 شخصاً يعملون في هيئة السكك الحديدية، ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين. وأضاف خلال كلمة عن حوادث القطارات الأخيرة في مصر، أن وزارة النقل طلبت نقل هؤلاء الموظفين إلى وزارات أخرى لكنها رفضت، مطالباً بتشريع جديد لاستبعاد "العناصر المتطرفة" لأن القانون الحالي لا يسمح بذلك، حتى وإن حصلوا على رواتبهم وهم في منازلهم.
واستشهد بسائق أحد القطارات الذي تعرض لحادث، أخيراً، حيث نشر تعليقاً على صفحته في موقع "فيسبوك" حول مسلسل "الاختيار" الذي تناول فض الشرطة اعتصام عناصر الإخوان في ميدان رابعة العدوية في أغسطس (آب) 2013، قائلاً إنه كان في الاعتصام، إضافة إلى تعليقات أخرى مناهضة للدولة.
وطالب الوزير بتعديل تشريعي سريع لاستبعاد الموظفين المنتمين للإخوان، إلى جانب سرعة نقل تلك العناصر إلى قطاعات أخرى "غير حساسة" لحين صدور التعديلات التشريعية.
وخلال الجلسة نفسها لمجلس النواب، عقب النائب مصطفى بكري على حديث الوزير بالقول إن هناك 162 إخوانياً متطرفاً في قطاع السكك الحديدية، وفق خطاب من وزارة الداخلية إلى وزير النقل السابق هشام عرفات، في يوليو (تموز) 2018، وزاد العدد إلى 258 إذ قدم بكري كشفاً بأسمائهم إلى الأمانة العامة لمجلس النواب.
ولم يستبعد بكري وجود "شبهة مؤامرات" في حوادث القطارات التي وقعت، أخيراً، ودعا مجلس النواب إلى المساعدة في استبعاد العناصر المتطرفة من أجهزة الدولة سواء من خلال سن تشريع جديد، أو إجراء تعديلات على قانون الخدمة المدنية، بحسب تصريحات صحفية.
الحفاظ على الأسرة
التعديل التشريعي الذي حاز موافقة لجنة الشؤون التشريعية كان قد تقدم به النائب علي بدر، الذي أكد لـ"اندبندنت عربية" أنه يهدف إلى ما سماه "تطهير" مؤسسات الدولة والجامعات من عناصر الإخوان، كما يحافظ على الجانب الاجتماعي من خلال منح المعاش الكامل لمن يتقرر فصله، لكي لا تتضرر أسرته التي لا ذنب لها في إجرامه، على حد قوله.
وأوضح أن القانون يمنح من يتم فصله الحق في الطعن على القرار أمام القضاء الإداري. ورد على المخاوف بشأن احتمالية استخدام شبهة الانتماء الفكري للإخوان في شكاوى كيدية أو تعسف ضد العمال، بالقول إن أجهزة الدولة المختلفة تتابع تطبيق الرؤساء في المؤسسات الحكومية للقانون، ولن تسمح بأن يتم تكييفه وفقاً للأهواء، داعياً إلى عزل من يستغل القانون في التعسف ضد مرؤوسيه، لأن التشريع وضع لحماية الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواجهة الإرهاب
وخلال مناقشة التعديل في لجنة الشؤون التشريعية، قال بدر إن القانون يشمل فقط المدرجين على قوائم الجماعات الإرهابية، التي يحددها القضاء، مؤكداً أنه لا يمكن "قطع أرزاق الناس"، وذلك رداً على تساؤل حول وجود من ينتمون لفكر الإخوان داخل مؤسسات الدولة، وغير مدرجين على قوائم الإرهابيين.
وقال المستشار سيد شعراوي، ممثل وزارة العدل، إن مشروع القانون حقق التوازن بين المصلحة المجتمعية في مواجهة الأفكار المتطرفة الهادمة للدولة، ووجود كفالة قانونية سواء في التظلم أمام القضاء الإداري أو الحصول على العائد المادي بعد الفصل، مشيراً إلى أن التعديل التشريعي لا يحمل أي شبهة تمييز، بحسب ما نقلت صحف مصرية.
وبيّن إبراهيم الهنيدي، رئيس لجنة الشؤون الدستورية في مجلس النواب، أن التعديل التشريعي يأتي في إطار جهود الدولة لمواجهة الإرهاب، وأن الأصل في تطبيق تلك التعديلات هو وجود اسم العامل في قوائم الإرهابيين، طبقاً لقانون الكيانات الإرهابية، وفق تصريحات صحافية أدلى بها داخل البرلمان.
الفصل بعد حكم نهائي
في المقابل، قال محمد نور فرحات، الأستاذ بكلية الحقوق في جامعة الزقازيق، إنه معارض لسن أي تشريع يضع جزاءات بناء على الانتماءات الفكرية للمواطن، لأن ذلك سيعيد البلاد إلى "عصر محاكم التفتيش"، بخاصة أن الدستور ينص على حرية الرأي والتعبير، ومن غير المقبول التفتيش في ضمائر الناس. وأوضح فرحات لـ"اندبندنت عربية" أن القانون لا يجب أن يتدخل سوى للتعامل مع المظاهر المادية لسلوك الشخص، والتي تسبب أذى للمجتمع، إنما مجرد الفكر والرأي والتوجه السياسي إن لم يخرج في صورة أفعال مادية فلا دخل للقانون به.
وأكد كمال أبو عيطة، وزير القوى العاملة المصري الأسبق، أن ما سماه "قطع الأرزاق" لأي شخص يعد خطاً أحمر مهما كانت توجهاته الفكرية. وقال إن الفصل من الوظيفة يتساوى مع حكم الإعدام، مؤكداً معارضته عقاب صاحب أي رأي مهما كان اتجاهه السياسي، وأن تلك المقترحات غير دستورية.
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن من يثبت ارتكابه جريمة جنائية تستحق العقوبة يمكن فصله من الوظيفة، فذلك أمر مفهوم وتنص عليه التشريعات الحالية، مضيفاً أن قرار الفصل لا يجب اتخاذه سوى بعد صدور حكم قضائي نهائي في قضية جنائية.
فصل الإخوان لم يطرح عقب الإطاحة بهم
وكان أبو عيطة وزيراً للقوى العاملة في أول حكومة بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي وسيطرة جماعة الإخوان المسلمين، وأكد أن أفكار فصل المنتمين للإخوان لم تطرح خلال توليه الوزارة، على الرغم من أن تلك الفترة كانت ذروة التوجه السياسي للتخلص من سيطرة الإخوان على مؤسسات الدولة.
ووصف أبو عيطة قانون الفصل بغير الطريق التأديبي الذي أقره مجلس النواب بأنه "جريمة تشريعية"، وتمثل ارتداداً عما سماه خط الدولة الوطنية المصرية، مضيفاً أن فصل أشخاص لم يرتكبوا جرائم مهما كانت أفكارهم يزيد من وقائع الإرهاب، ويحول أشخاصاً مسالمين إلى العنف والهدم.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أعلن وزير التعليم المصري طارق شوقي فصل 1070 معلماً بسبب انتمائهم للإخوان أو من وقع عليهم أحكام، معتبراً أنها "نسبة صغيرة من 1.5 مليون معلم، لحماية أولادنا".