في المملكة المتحدة، تعززت الآمال في إمكانية حصول آلاف الأشخاص قريباً على أول دواء جديد لألزهايمر يرخص استخدامه لهذا المرض منذ نحو عقدين من الزمن، وذلك بعدما نال موافقة الجهة المنظمة للصحة في الولايات المتحدة الأميركية، في ما وصف بـ"إنجاز مهم" في الرحلة نحو علاج هذا الداء المزمن.
صحيح أن العلماء منقسمون حتى الآن حول التأثير الكامل الذي يتمتع به عقار "أدوكانوماب"aducanumab ، إذ دعا خبراء كثر إلى إجراء تجارب طبية إضافية للتأكد من مدى نجاعته، بيد أن إجازة هذا الدواء في بريطانيا ما زالت تعد خطوة بالغة الأهمية صوب علاج الأشخاص الذين يواجهون المراحل الأولى من المرض.
لذا وجهت مؤسسات خيرية رائدة في المملكة المتحدة دعوة إلى الحكومة البريطانية تحثها على إيلاء البحوث حول "أدوكانوماب" الأولوية والتعجيل في إجرائها، ذلك أنه في حال نال موافقة الجهة المنظمة للأدوية في بريطانيا سيشكل علاجاً محتملاً لـ100 ألف شخص في البلد يكابدون شكلاً خفيفاً من ألزهايمر.
هيلاري إيفانز، الرئيسة التنفيذية لـ"مؤسسة بحوث ألزهايمر في المملكة المتحدة" Alzheimer’s Research UK، قالت، إن موافقة "إدارة الغذاء والدواء الأميركية" (FDA) على هذا العلاج "تمثل لحظة جوهرية في البحث عن طرق علاجية جديدة تغير حياة" مرضى ألزهايمر إلى الأفضل، لكنها ركزت في الوقت نفسه على ضرورة "التركيز والاستثمار مجدداً" في البحوث حول الداء، في مختلف أنحاء العالم.
وفق "منظمة الصحة العالمية"، يتوزع حول العالم نحو 30 مليون مصاب بألزهايمر. وفي المملكة المتحدة، يُعتقد أن حوالى 500 ألف شخص يعانون هذا الداء.
اللافت أن "أدوكانوماب"، الذي يؤخذ عبر حقنة في الوريد مرة كل أربعة أسابيع، يستهدف أسباب ألزهايمر نفسها وليس الأعراض. يبدو أنه يعمل على إزالة كتل ضارة من بروتين يسمى "أميلويد"amyloid يتراكم في دماغ المصابين ويؤدي إلى تلف الخلايا، متسبباً بمشكلات في الذاكرة وفي القدرة على التواصل، تعزى إليها الإصابة بالخرف.
أشارت "إدارة الغذاء والدواء الأميركية" إلى وجود "أدلة قوية تؤكد أن "أدوكانوماب" يقلص لويحات "بيتا أميلويد"amyloid beta في الدماغ"، وأن ذلك "يتنبأ، على الأرجح، بفوائد مهمة بالنسبة إلى المرضى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المملكة المتحدة، سبق أن تقدمت الشركة المصنعة بطلب ترخيص إلى "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" (MHRA). وتفيد تقارير أن البت في القرار متوقع في الخريف المقبل. في حال نال "أدوكانوماب" الضوء الأخضر، سيتولى "المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية" (Nice) عملية تقييم لجدوى الدواء في مقابل تكلفته كعلاج تعتمده "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" "أن أتش أس"NHS البريطانية.
في الوقت نفسه، ذكرت "مؤسسة بحوث ألزهايمر في المملكة المتحدة" أنها وجهت رسالة إلى مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، تطلب فيها من الحكومة التعجيل في مراجعة "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" لـ"أدوكانوماب" في المملكة المتحدة. وإلى جانب الجهة المنظمة للأدوية في بريطانيا، تعكف "وكالة الأدوية الأوروبية" أيضاً على إجراء تقييم آخر للدواء.
ومع ذلك، يسود شك في أوساط المجتمع العلمي بشأن نجاعة الدواء، مع وجود أسئلة يتوجب الرد عليها بشأن ما إذا كانت قدرة "أدوكانوماب" على التخلص من بروتين "الأميلويد" تترجم إلى خفض التدهور المعرفي لدى المرضى أو إبطاله.
تذكيراً، أوقفت تجارب دولية كانت بلغت المراحل الأخيرة بمشاركة أكثر من ثلاثة آلاف شخص في مارس (آذار) من عام 2019، بعدما أظهر تحليل أن "أدوكانوماب"، الذي طورته شركة "بيوجين"Biogen للأدوية، لا يعمل بشكل أفضل، مقارنة مع دواء وهمي، على إبطاء التدهور العقلي والوظيفي لدى مرضى الألزهايمر.
ولكن، بعد أشهر عدة، ذهبت الشركة في اتجاه معاكس، معلنة أن تحليلاً جديداً لإحدى التجارب كشف أن الدواء كان فاعلاً عندما تناول المشاركون جرعات عالية منه، وأن "إدارة الغذاء والدواء الأميركية" نصحت بأنه يستحق المراجعة.
في هذا الصدد، قال الدكتور مارك دالاس، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب الخلوي في "جامعة ريدينغ" University of Reading البريطانية، إن التجارب السريرية أخفقت في تقديم "صورة واضحة" تظهر أن الدواء سيعود "بالنفع بشكل فعلي" على مرضى ألزهايمر.
في الواقع، يتفق كثير من العلماء أيضاً على أن "أدوكانوماب" لن يساعد سوى في علاج مرضى مختارين بعناية في المراحل المبكرة من المرض.
معلوم أن البروتين المسبب لداء ألزهايمر يتراكم حتى عقدين من الزمن قبل تشخيص الإصابة بالخرف. خلال هذه الفترة، ربما لا يعاني المرضى أي أعراض، أو يواجهون أعراضاً خفيفة فحسب.
"تقديم علاجات من قبيل "أدوكانوماب" أو أدوية مماثلة له للمرضى في المملكة المتحدة، يتطلب تشخيص مرض ألزهايمر في مرحلة مبكر، عندما تكون لدى الناس أعراض خفيفة فقط"، حسبما قالت الدكتورة إليزابيث كولتهارد، واحدة من كبار المحاضرين في علم الأعصاب في "جامعة بريستول" University of Bristol البريطانية.
على مدى العقد الماضي، أخفق ما يربو على مئة علاج محتمل لألزهايمر في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية. وكان "ميمانتين" memantine آخر عقار نال ترخيصاً بالاستخدام كدواء لهذا الداء في عام 2003.
قال البروفيسور بارت دي ستروبر، مدير "معهد بحوث الخرف في المملكة المتحدة" UK Dementia Research Institute، إن الموافقة على "أدوكانوماب" تمثل "علامة فارقة كبيرة" في مجال البحث عن علاجات للمرض.
ولكن "ومع ذلك، أخشى أن الجدل والشكوك المحيطين بالتجارب سيحدان من مفعول هذا العلاج الجديد"، أضاف ستروبر.
وللأسف، وفق ستروبر، ثمة بعد معوقات كثيرة ينبغي التغلب عليها، من بينها التكلفة وأهلية المرضى لأخذ الدواء، فضلاً عن حماسة الأطباء لوصف دواء ما زالت تأثيراته غير مؤكدة."
وفق التوقعات، ستكون تكلفة "أدوكانوماب" عالية. جداً في الولايات المتحدة، قد تبلغ قيمة العلاج لمدة سنة 50 ألف دولار أميركي، بحسب البروفيسور بول مورغان، مدير "معهد بحوث أنظمة المناعة" في "جامعة كارديف" Cardiff University في المملكة المتحدة.
هذا، وقد دان خبراء آخرون موافقة "إدارة الغذاء والدواء" على "أدوكانوماب"، من بين هؤلاء، روبرت هوارد، أستاذ الطب النفسي للمسنين في "جامعة كوليدج لندن"University College London، إذ قال إن إجازة الدواء "تمثل خطأ فادحاً لن يترك سوى تأثير سلبي على المرضى وعائلاتهم، ويمكن أن يعرقل البحث المستمر عن علاجات مجدية للخرف لعقد من الزمن".
وقال إن الإدارة المذكورة قد "تجاهلت" بيانات مستقاة من التجارب السريرية التي أجريت على الدواء عام 2019، لعدد كبير من المرضى على مدى 18 شهراً.
كذلك يعتري علماء آخرين قلق من أن "إدارة الغذاء والدواء"، عبر ترخيصها "أدوكانوماب" من دون توفر صورة واضحة عن فوائده السريرية، قد خفضت مستوى المعايير التي تتوخاها الجهات التنظيمية الأخرى في مراجعة أدوية تستهدف الأميلويد، الذي يعد المسبب الرئيس لألزهايمر.
وقال الدكتور ريتشارد أوكلي، رئيس قسم البحوث في "جمعية الألزهايمر" Alzheimer’s Society البريطانية، إن ترخيص الدواء لم يكن "سوى بداية الطريق إلى علاجات جديدة لمرض ألزهايمر"، بغض النظر عن قرار "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" البريطانية وغيرها من هيئات مراقبة الأدوية.
"ونظراً إلى أن نسبة معينة فقط من الأشخاص ستستفيد من الدواء في المراحل المبكرة من ألزهايمر، ثمة مئات الآلاف من المرضى غير مؤهلين للعلاج به، لذا علينا أن نستمر في البحث عن أدوية لجميع مراحل المرض، ولأنواع أخرى من الخرف"، ختم الدكتور أوكلي.
© The Independent