حالة إنسانية صعبة تعيشها أكثر من 110 عائلات في مخيم "الدلهمية رقم 034" في سهل البقاع - شرق لبنان. يحل عليهم رمضان هذا العام بطعم اللجوء وبواقع تقليص المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى اللاجئين سوريين.
واحدة من تلك العائلات السورية اللاجئة في لبنان لا تصلها كميات كافية من المساعدات. تقول إيمان، إحدى اللاجئات من ريف إدلب (أم لخمسة أطفال) إن "التحضيرات لرمضان تأخّرت هذا العام، مفوضية الإغاثة لم تعطنا البطاقة الحمراء الإلكترونية بعد، والتي يموّلها شهرياً برنامج الأغذية العالمي بقيمة 27 دولاراً أميركياً لكل فرد لشراء مواده الغذائية الأساسية.
وتتحدث عليا، (أم لستّة أطفال)، عن شجونها اليومية إذ تعاني ابنتها الصغيرة من داء السكري وتقول "حالتنا يرثى لها. زوجي لا يعمل وديوننا متراكمة وابنتي الصغيرة بحالة صحية خطيرة، إذ يتوجّب عليّ أخذها إلى طبيب السكري كل يوم جمعة وأن أؤمّن لها حقن الأنسولين أربع مرّات في النّهار... كنا في السابق نلجأ إلى المستوصف الذي يقدم خدمات صحية مجانية ولكنه أغلق نهائياً منذ خمسة أشهر".
مساعدات هزيلة ومتعثّرة
بعد مرور ثماني سنوات على بداية الأزمة في سوريا، 70 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان، تحت خط الفقر يتقاضون أقل من أربعة دولارات في اليوم. وأكثر من 50 في المئة يعيشون تحت خط الفقر المدقع أي أقل من ثلاثة دولارات.
الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تزداد صعوبة على حياة اللاجئين كل سنة، إذ تضطر نسبة كبيرة منهم إلى اللجوء إلى ما يسمّى "إستراتيجية التأقلم السلبية"، كمثل الأولاد الذين يضطرون إلى العمل في سن مبكرة ليعيلوا عائلاتهم. بالإضافة إلى ذلك، 90 في المئة من اللاجئين يئنون تحت وطأة الديون جراء تقشف المساعدات الأممية، إذ باتوا لا يستطيعون تلبية احتياجات عائلاتهم الأساسية.
ووفق المتحدثة الإعلامية باسم المفوضية ليزا أبو خالد، "هناك 95 ألف لاجئ مسجلٍ لدى المفوضية في لبنان ونحاول أن نخصّص تلك المساعدات (خصوصاً النقدية) لتشمل اللاجئين الأكثر حاجة. ومثلاً على ذلك، يستفيد 19 في المئة من العائلات، الأكثر فقراً من برنامج المساعدات النقدية ويحصلون على 175 دولاراً أميركياً في الشهر. أما برنامج الأغذية فيتضمن 27 دولاراً أميركياً شهرياً لتلبية الحاجات الأساسية".
وعن "التوزيع العشوائي وغير العادل" التي بدأت بعض العائلات السورية تشتكي منه، أشارت أبو خالد إلى أن "المساعدات النقدية تذهب مباشرة إلى اللاجئين. أما المساعدات الأخرى كالتّربية والتعليم فهناك دعمٌ خاص من الدول المانحة والمنظمات التي تعمل على برامج عدة. أمّا الرّعاية الصحية، فمفوضيّة الإغاثة هي الوحيدة المسؤولة عن تغطية تكاليف المستشفى للاجئين السوريين".
وأوضحت أن "نسبة التمويل التي وصلت إلى لبنان هي أعلى من الدول المجاورة، وهذا دليل على إدراك الدول المانحة خطورة وضع اللاجئين في البلد ولا تقتصر عليهم فحسب، بل أيضاً تشمل اللبنانيين الذين تأثروا جرّاء الأزمة. ولكن على الرغم من أن تلك الدول لم تتوقّف عن دعم لبنان واللبنانيين واللاجئين، إلا أنّ التمويل المخصّص لم يعد يكفي تغطية الحاجات كافة".
ضمانات غائبة
اللاجئ مطر إبراهيم أوضح أنه "يتم الاستفادة من البطاقة النقدية لتسديد إيجار الخيمة وفاتورة الكهرباء والمياه، أو إذا كانت لدينا حالة مرضية وهي لا تكفي وكذلك الأمر البطاقة الغذائية إذ تضطر العائلات إلى الاستدانة".
وعند سؤالنا عن الأسباب التي تحول دون العودة إلى سوريا، يخبرنا مطر عن الأوضاع السيئة التي تحيط بمنطقته "أبو الظهور"، التي تقع في الريف الشرقي لإدلب، حيث "لا تزال هناك عمليات عسكرية وطيران حربي" بالإضافة إلى صعوبة العيش هناك خصوصاً أنه كان يعمل في الزراعة التي كانت تعدّ أحد أهم موارد عيشهم الأساسية.
ويقول مطر "هناك فقط ثلاث عائلات من هذا المخيم عادوا إلى ديارهم وتحديداً إلى منطقة الرّقة، ولكن بعض أفراد هذه العائلات لا تزال موجودة في لبنان، لأسباب مختلفة منها عدم قدرتهم على تسديد كامل الديون المترتبة عليهم داخل المخيم أو الخوف من الخدمة العسكرية أو الاعتقال في سوريا. من ناحية أخرى، هناك بعض اللاجئين الذين عادوا بشكل آمن وسالم ولكنهم يئنون تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا جرّاء عدم الحصول على المعونات اللازمة من المفوضية".
وعما إذا كان التقشّف في المساعدات هو وسيلة دولية للضغط على اللاجئين للعودة إلى ديارهم، أكدت المتحدثة الإعلامية باسم المفوضية "توفير تلك المساعدات تيَسّر أمورهم في لبنان وتسهّل مسار عودتهم. فمثلاً هناك بعض اللاجئين الذين لا يستطيعون اليوم العودة، لأنهم لم يسدّدوا إيجار الخيم بعد. كما أن هناك نساء عادت ولكن الرجال بقوا في لبنان إلى حين تسديد الأموال والديون التي تترتب عليهم".
وقالت "اللاجئون متحمّسون للعودة إلى ديارهم حتى لو أنهم يدركون أن أوّل فترة ستكون صعبة. 86 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان قالوا للمفوضية إنهم يريدون العودة، أما القسم المتبقي فمتخوّف من عوائق واعتبارات أخرى متعلقة بالخدمة العسكرية وممتلكاتهم وإجراءات قانونية عدّة".
أضافت "دورنا كمفوضية هو أن نرفع هذه الاعتبارات إلى المعنيين في سوريا لإزالة العقبات لنشجّع هذه النسبة على العودة إلى ديارهم بشكل طوعي ومشرّف يصون لهم كرامتهم".
تداعيات رمضان
وفي حديث خاص، رأى رئيس اتحاد الجمعيات الإغاثية في لبنان حسام الغالي، أن "نسبة الفقر المدقع سترتفع في شهر رمضان لأن العمل والإنتاجية سينخفضان، وبالتالي سنكون أمام مزيد من الجوع والنقص في التغذية".
وإذ اعتبر الغالي، أن "ازدياد عدد التبرّعات الخيرية في رمضان يساعد في التخفيف من هذه الأزمة"، أشار إلى أن "هناك إجراءات قاسية ستتّخذها السلطات اللبنانية بحق اللاجئين السوريين بعد الشهر الفضيل في يونيو (حزيران) بشكل فوري".
وقال "ابتداء من يونيو ستكون هناك عمليات هدم لكل الأشياء المبنية داخل الخيم ومداهمات يومية لكل شخص ليست لديه إقامة نظامية داخل الدولة اللبنانية وستعمل السلطات اللبنانية على ملاحقة كل سوري ليست لديه رخصة رسمية للعمل داخل الأراضي اللبنانية".
للأسف، بدأت الجهات الأمنية بتنفيذ هذه التعليمات بناء على توجيهات السلطة السياسية في لبنان، فقد بوشر بإقفال جميع المحلات السورية في قضاء عاليه، وبر الياس، والبقاع الأوسط، وغيرها من المناطق. بالإضافة إلى مدينة طرابلس إذ يُضغط على العمال السوريين الموجودين فيها الذين يعملون بلا رخصة رسمية.
وعن سبب اتخاذ هكذا خطوة، يشرح الغالي، أن "السلطة اللبنانية تعتبر أن اللاجئ الذي يقوم بعملية البناء داخل المخيمات، ينفّذ الطريقة ذاتها التي اتُبعت داخل المخيمات الفلسطينية، وإننا مقبلون على عدد كبير من المخيمات الثابتة، وتالياً هناك تخوّف من توطين هؤلاء الناس في لبنان نهائياً".
وقال الغالي "المقارنة بين اللاجئ السوري والفلسطيني مقارنة مخطئة ومعيبة، لأن اللاجئ الفلسطيني فقد أرضه وجنسيته وهويته وجواز سفره... وإسرائيل تمنعه من العودة وعندما يذهب إلى أوروبا يعرّفون عنه بأنه بلا وطن وبلا هوية. أما اللاجئ السوري، فتعيش بلاده حرباً داخلية وهو متخوّف من الرجوع لأسباب سياسية وأمنية عدّة (كمعارض للنظام، إجراءات قانونية…) ولا يريد أن يشارك في الحرب أو أن يقاتل، لذا أصبح مضطهداً، فأرضُ اللاجىء السوري لا تزال موجودة ولكنه يريد حلّاً سياسياً وضمانات للعودة".
ويشير الغالي، إلى أن "هذا اللاجئ الذي قضى ثماني سنوات من عمره في مخيمات لبنان، عمل جاهداً ودفع الكثير من المال وانهالت عليه الديون ليبني حائطاً يحميه هو وعائلته من كوارث المواسم"، معتبراً أنه "عندما تُتخذ هذه الإجراءات القاسية، سينتابه الشعور والتأثر ذاتهما عندما هُدم بيته للمرة الأولى في بلده الأم، إذ لا يملك اليوم سوى هذه الخيمة التي أصبحت بيته الثاني".
واختتم الغالي "أخشى من أن تعاد التجربة الفلسطينية من خلال هذه الضغوطات والإجراءات القاسية التي يعيشها السوريون يومياً، الأمر الذي اضطر حينها بعض المخيمات الفلسطينية إلى حمل السلاح، وبالتالي افتعال المشاكل. كما أخشى من ردود أفعالهم السلبية وأن يلجأوا إلى الفساد والتطرّف والعنف، خصوصاً أن بلدنا معرضٌ لاهتزازات أمنية عدّة، فأيّ اهتزاز أمنيّ في الداخل يمكن أن تستغله أي جهة لصالحها وتسلّحهم ليقاتلوا في صفوفها… لذا نتخوّف من تدهور أمني جديد إذا لم يعالج هذا الموضوع بطريقة مدروسة وسليمة ترضي جميع الأطراف من خلال صون كرامة اللاجئ وتأمين عودته السليمة إلى بلاده حفاظاً على أمن بلدنا واستقراره".