أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عقب أول لقاء مباشر جمعه بالرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس 10 يونيو (حزيران)، على وجود "أرضية مشتركة" بين لندن وواشنطن وبروكسل في ما يتعلّق بحماية السلام في إيرلندا الشمالية في ظل التوتر بعد "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).
وقال جونسون بعد الاجتماع المغلق، إن جميع الأطراف وافقت على "ضمان المحافظة على توازن عملية السلام... أنا متفائل بأنه بإمكاننا القيام بذلك".
وبعد عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أكد جونسون أن لقاءه مع بايدن الذي استمر 90 دقيقة، جاء "كنفحة هواء منعشة".
وقبيل بدء اللقاء، ابتسم الزعيمان أمام عدسات الكاميرات في منتجع "كاربس باي" الإنجليزي المطل على البحر، عشية انعقاد قمة قادة مجموعة السبع، فيما هنّأ بايدن رئيس الوزراء البريطاني على زواجه حديثاً.
ويعد اللقاء الذي يستهل بايدن به أول جولة خارجية يقوم بها كرئيس لأميركا، فرصة للبلدين الحليفين تاريخياً للمساهمة في إعادة رسم شكل العالم ما بعد كوفيد-19 في ما يتعلّق بمجالات أبرزها التغيّر المناخي والتكنولوجيا والتجارة.
وأطلق الزعيمان "ميثاقاً أطلسياً" جديداً وضع وفق صيغة "الميثاق" الذي وقعه رئيس الحكومة الأسبق وينستون تشرشل والرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت، وحدد أهداف الديمقراطية والتجارة والفرص لفترة ما بعد الحرب.
كما اتفقا على تأسيس فريق عمل جديد للنظر في استئناف السفر بين بلديهما بعد نجاح عمليات التطعيم ضد كورونا. وأفاد مكتب جونسون بأنهما تعهّدا العمل على "توسيع التجارة والتقدّم باتّجاه التوصل إلى اتفاق مستقبلي للتجارة الحرة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة".
مسألة إيرلندا الشمالية
وبينما سعى بايدن في وقت سابق للتأكيد على مدى قوة "العلاقة الخاصة" التي تجمع البلدين، فإن تقارير إعلامية ذكرت أنه أمر الدبلوماسيين الأميركيين بتوبيخ جونسون على خلفية طريقة إدارته ملف "بريكست" وتداعيات ذلك على السلام في إيرلندا الشمالية.
وذكرت صحيفة "تايمز" أوردت أن أرفع دبلوماسي أميركي في بريطانيا، يايل ليمبرت، قال لوزير "بريكست" لورد فروست، إن الحكومة البريطانية "تؤجج التوترات في إيرلندا وأوروبا بمعارضتها لإجراءات التفتيش في موانئ في المقاطعة".
وشدد مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، وهو من أصل إيرلندي ولا يزال لديه أقارب في إيرلندا، على أن لدى بايدن اعتقاداً "راسخاً" بوجوب حماية اتفاق "الجمعة العظيمة" الموقع عام 1998، والذي طوى صفحة ثلاثة عقود من العنف المرتبط بالحكم البريطاني في إيرلندا الشمالية.
وفي تصريحات تعد جونسون بمزيد من الضغوط، أكد قادة الاتحاد الأوروبي بأنهم سيناقشون مسألة الخلاف عندما يلتقونه السبت، بينما رحّبت إيرلندا بالدعم الأميركي.
وفي مؤشر على أجواء القمة المرتقبة، حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بريطانيا الخميس، من أن فكرة إعادة النظر في اتفاقيات بريكست "غير جدية". وقال ماكرون قبيل التوجه للمشاركة في قمة مجموعة السبع في جنوب غربي إنجلترا، "لا أعتقد بأن إعادة النظر، في يوليو (تموز)، بأمر استكملناه في ديسمبر (كانون الأول) بعد سنوات من العمل، أمر جدي". وأضاف، "أؤمن بقوة المعاهدات وبالجدية. لا شيء قابل لإعادة التفاوض. كل شيء قابل للتطبيق".
الخلاف
ويتركّز الخلاف على الترتيبات التجارية الجديدة بالنسبة لإيرلندا الشمالية التي بدأ تطبيقها في يناير (كانون الثاني)، بعدما غادرت المملكة المتحدة السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي، بعد نحو أربع سنوات من استفتاء "بريكست".
وبموجب هذه الترتيبات، تجري عمليات تفتيش على البضائع المتجهة إلى إيرلندا الشمالية والآتية من البر البريطاني الرئيسي، لمنع البضائع من الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة عبر إيرلندا المجاورة والعضو في الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ذلك أثار استياء الوحدويين الذين يقولون إن القواعد الجديدة تدق إسفيناً بينهم وبين بقية أراضي المملكة المتحدة، ما يزيد احتمالات إعادة توحيد المقاطعة مع إيرلندا.
وعلقت لندن إجراءات التفتيش في وقت سابق هذا العام، بسبب تهديدات طالت موظفي الموانئ. كما نُسبت لهذا البروتوكول المسؤولية في أسوأ أعمال عنف تشهدها المقاطعة الخاضعة للإدارة البريطانية منذ سنوات.
وانهارت محادثات حل الخلاف الحدودي في لندن من دون اتفاق الأربعاء، وهدد الاتحاد الأوروبي المملكة المتحدة بإجراءات انتقامية إذا رفضت تطبيق الترتيبات التجارية لما بعد "بريكست"، بما في ذلك الرسوم الجمركية.
ولم يعلّق الناطق باسم جونسون في تصريحات للصحافيين على التحذير الأميركي، مكتفياً بالقول إن "حماية اتفاق الجمعة العظيمة في بلفاست تصب في مصلحة الجميع وهذا ما ركزنا عليه وما كان أولويتنا خلال محادثاتنا مع الاتحاد الأوروبي".
الميثاق الأطلسي
وقبيل لقاء جونسون وبايدن، كتب رئيس الوزراء البريطاني في مقال نشر الخميس، أن "العالم بحاجة لهذا الاجتماع"، مضيفاً "حان الوقت لتبديد أي شعور بالاستياء". وقال إن "ميثاق الأطلسي" الجديد بين البلدين "يشمل العلوم والتكنولوجيا والتجارة" و"يؤكد على التزامنا المشترك بحلف شمال الأطلسي".
وينص الميثاق الجديد أيضاً، بحسب بيان لداونينغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء البريطانية)، على أنه "إذا تغير العالم منذ 1941، فإن القيم تبقى هي نفسها" في الدفاع عن الديمقراطية والأمن الجماعي والتجارة الدولية.
وقال البيان، إن الوثيقة "ستعترف بتحديات أحدث مثل الحاجة إلى معالجة التهديد الذي تمثله الهجمات الإلكترونية والعمل بشكل عاجل لمكافحة تغير المناخ وحماية التنوع الحيوي، وبالتأكيد لمساعدة العالم على وضع حد لوباء كوفيد-19 والتعافي منه".
وقال جونسون في البيان، إن "التعاون بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، أقرب شريكين وأعظم حليفين سيكون حاسماً لمستقبل الاستقرار والازدهار في العالم". وأضاف، "الاتفاقات التي سنبرمها الرئيس بايدن وأنا اليوم... ستشكل أسس انتعاش عالمي دائم".
وتربط بين البلدين ما يسميانه تقليدياً "علاقة خاصة"، مع أن جونسون يفضل تجنب هذه العبارة. وكان رئيس الوزراء البريطاني أول مسؤول أوروبي اتصل به بايدن بعد توليه منصبه خلفاً لدونالد ترمب في يناير (كانون الثاني) الماضي.
"عودة" الولايات المتحدة
وشكل اللقاء بين بايدن وجونسون في كورنويل، حيث ستعقد قمة مجموعة السبع من الجمعة إلى الأحد، بداية جولة أوروبية مكثفة للرئيس الأميركي، بدأها بالإعلان أن "الولايات المتحدة عادت"، داعياً إلى تعاون دولي للبناء بعد جائحة كورونا، وإعادة الانطلاق بالعلاقات الدبلوماسية بعد عهد ترمب.
وباشر بايدن حملته الودية حتى قبل وصوله إلى إنجلترا، حيث ينتظره أسبوع حافل يتضمن قمة مع قادة مجموعة السبع، واجتماعات قمة مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ومحادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وأعلن الرئيس الأميركي أن بلاده ستتبرع بـ500 مليون جرعة لقاح مضاد لكوفيد-19 إلى الدول التي تحتاجها، في "خطوة تاريخية" في سياق مكافحة الوباء، على حد قوله.
وشدد بايدن عشية بدء أعمال قمة مجموعة السبع في المملكة المتحدة، على أن "واجبنا الإنساني هو في إنقاذ الأرواح ما أمكن"، مضيفاً أن الأمر "أيضاً في مصلحة الأميركيين".
كما ستساهم دول أخرى ضمن مجموعة السبع، التي تضم بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في التحرّك وستضع "خريطة طريق شاملة" لطي صفحة الوباء، وفق ما أفاد مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية.
كما تنخرط روسيا والصين في "دبلوماسية اللقاحات" في ظل مطالبات من جهات عدة حول العالم بضمان تساوي توزيع اللقاحات. لكن المسؤول الأميركي نفى بأن تكون الولايات المتحدة تسعى للحصول على أي مكاسب لقاء اللقاحات. وقال المصدر، "هذا الأمر الصحيح الذي ينبغي القيام به، إنه الأمر الذكي الذي يجب القيام به كما أنه دليل ملموس على أن ديمقراطيات العالم هي التي ستهزم وباء كوفيد-19".
جدول لقاءات بايدن
وبعد محادثته مع جونسون، سيشارك بايدن في اجتماعات مجموعة السبع التي تعقد في منتجع ساحلي من الجمعة حتى الأحد، إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني وقادة ألمانيا وإيطاليا واليابان وفرنسا وكندا.
ثم يزور الملكة البريطانية اليزابيث الثانية في قصر ويندسور، ليتوجه بعد ذلك جواً إلى بروكسل لاجتماعات قمة مع حلف شمال الأطلسي الإثنين، والاتحاد الأوروبي الثلاثاء. وتنتهي جولته في جنيف، حيث يلتقي بوتين الأربعاء.
ويسعى بايدن من خلال هذا الماراتون الدبلوماسي إلى إعادة الدور القيادي للولايات المتحدة بعد الجائحة.
ولدى وصوله إلى قاعدة ميلدنهول التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية بشرق إنجلترا، قال إن العام "تغير تماماً"، لكنه أضاف "سنوضح أن الولايات المتحدة عادت والديمقراطيات تتكاتف للتصدي لأصعب التحديات".
وتؤذن خطوة بايدن في عودة إلى الدبلوماسية الأميركية التقليدية، بعد أربع سنوات تقرّب خلالها سلفه ترمب من مستبدين ورفض نهج التعددية.
أما في ما يتعلق بلقائه المرتقب مع بوتين، قال بايدن "سأبلغه بما أريده أن يعرف"، فيما علت هتافات عناصر القوات المسلحة الأميركية المتمركزين في القاعدة.
الوعود الأميركية
لكن بعض الشركاء الأوروبيين، الذين تأذوا من ترمب، قد تراودهم الشكوك إزاء وعده. فقد دعا مفوض الشؤون التجارية في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، الولايات المتحدة إلى أن "تقرن القول بالفعل" عندما يتعلق الأمر بحل خلافات تجارية مستمرة منذ عهد ترمب.
وبرز خلاف الشهر الماضي عندما عرقلت واشنطن مساعي فرنسية في الأمم المتحدة للمطالبة بوقف إطلاق نار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
كما تأتي مساعي بايدن لتعزيز تبرعات اللقاح في أعقاب ما وصفه منتقدون بفترة طويلة من الاستئثار باللقاحات.
واجتماع الرئيس الأميركي بنظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامش اجتماعات الحلف الأطلسي، يتوقع أن يكون شائكاً بشكل خاص بعدما حذر أردوغان من أن الولايات المتحدة تخاطر "بخسارة صديق عزيز".
والتوقعات للقمة مع بوتين منخفضة لدرجة أن مجرد جعل العلاقات الأميركية- الروسية "أكثر استقراراً" سيُعتبر نجاحاً، بحسب مسؤولين.
ويرى البيت الأبيض أن تمديد معاهدة الأسلحة النووية "نيو ستارت"، في فبراير (شباط) الماضي، مثال على المكان الذي يمكن العمل منه. ويحتاج بايدن أيضاً للكرملين لتحقيق تقدم مع إيران القريبة من روسيا.
غير أن قائمة الخلافات أكبر بكثير. فبايدن يحمل روسيا المسؤولية في الهجوم الإلكتروني الكبير الذي استهدف "سولارويندز"، والتدخل في الانتخابات، وأخيراً إيواء مجرمين ضالعين في هجمات ببرامج فدية استهدفت أنبوب الوقود الحيوي في أميركا "كولونيال بايبلاين"، والفرع الأميركي للشركة البرازيلية العملاقة في مجال تعبئة اللحوم "جي بي إس".
وسيثير بايدن مع بوتين مسألة التوتر العسكري على الحدود الأوكرانية، وسجن المعارض الروسي أليكسي نافالني، ودعم موسكو للزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو.
بلاغ زائف
أمنياً، أخلت الشرطة البريطانية التي تؤمن قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في جنوب غربي إنجلترا فندقاً في فالموث بعد بلاغات عن عبوة مريبة وصلته في وقت مبكر من صباح الخميس ووصفتها الشرطة فيما بعد بأنها "زائفة".
ووصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بريطانيا مساء الأربعاء، ويقيم في منتجع على البحر في خليج كاربيس على بعد نحو 25 ميلاً من فالموث، حيث تقيم أغلب الفرق الإعلامية التي تغطي القمة.
وشددت السلطات إجراءات الأمن حول قمة مجموعة السبع، وهي أول اجتماع بالحضور الفعلي لزعماء الدول الصناعية الكبرى منذ ما يقرب من عامين.
وقالت شرطة ديفون وكورنوال، "نعتقد حالياً أن ذلك كان تحذيراً زائفاً وفتحنا تحقيقاً جنائياً".
وأغلقت الشرطة الطرق والمسارات الساحلية المؤدية لخليج كاربيس، وهو المنتجع الساحلي الصغير الذي يستضيف القمة ونصبت أسواراً حديدية وطبقت قيوداً أخرى في المكان.