بعد شهر من انطلاق الاعتصام المستمر أمام محيط مقر قيادة الجيش السوداني، في وسط العاصمة الخرطوم، وعزل الرئيس عمر البشير، لا تزال البلاد بلا حكومة وأزمات الوقود والنقود والخبز، التي أدت إلى بدء التظاهرات في 19 ديسمبر (كانون الأول) عادت مجدداً. أما المفاوضات بين قوى المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي فتراوح مكانها.
طوابير واختناقات
تشهد الخرطوم وغالبية ولايات البلاد أزمة خانقة في المحروقات. إذ تقف السيارات ساعات طويلة أمام محطات الخدمة للحصول على الوقود، بينما اضطر بعض المواطنين في اليوم الأول من رمضان إلى الإفطار في الطرقات، وبادر بعضهم إلى إقامة خيام إفطارهم بالقرب من محطات الخدمة.
والتحق أهالي الجريف، شرق الخرطوم، الثلثاء، بركب التظاهرات التي يشهدها عدد من أحياء الخرطوم جراء تردي الخدمات.
وأغلق أهالي المنطقة عدداً من الشوارع الرئيسية وهددوا بإغلاق جسر "المنشية" ورفعوا شعارات سياسية تطالب بالإسراع بتشكيل حكومة مدنية، وأخرى تندد بانقطاع الكهرباء والمياه.
ويحمّل قادة المجلس العسكري مسؤولية أزمات الوقود والخبز للاعتصام وإغلاقه خط سكة الحديد، الذي يربط بين موانئ البحر الأحمر وولايات البلاد الأخرى.
واعتصم عدد من سكان أمبدة، غرب الخرطوم، في محطة الكهرباء ومركزها، وأغلقوا الشارع الرئيسي وعدداً من الشوارع الفرعية، احتجاجاً على انقطاع إمدادات المياه وتردي التيار الكهربائي. كما شهدت مدينة عطبرة، شمال البلاد، التي انطلقت منها الاحتجاجات قبل أكثر من أربعة أشهر، ومدينة القضارف، شرق البلاد، تظاهرات مماثلة.
تحذير من الفخاخ
يرى المفكر اليساري الشفيع خضر أن ما يجري في السودان منذ منتصف ديسمبر الماضي هو ثورة كاملة حظيت بإجماع شعبي، ربما الأول من نوعه في تاريخ السودان المستقل، وليس وارداً أن تُحسب لهذه الجهة أو تلك. فـ "الثوار الشباب في غالبيتهم بلا انتماء سياسي".
ويعتقد خضر أنه مهما كان زخم اندفاع الثورة وقوتها وتعدّد قواها المنتفضة وتنوعها، فإن هذا لن يحميها من الوقوع في الفخاخ المنصوبة، التي ستؤدي إلى الانتكاس.
ويضيف "ما أنجزته الثورة حتى الآن لا يتعدى إزاحة الغطاء السياسي للإنقاذ، بينما البنيان الذي بناه نظام البشير منذ 30 عاماً لا يزال موجوداً ومتماسكاً ومسيطراً على كل مفاصل الدولة، بل يصرّف شؤون الحكم، مستخدماً كل مهاراته المكتسبة في الحفاظ على بؤر الفساد والإفساد، وفي التلاعب بقرارات المجلس العسكري الانتقالي، وفي تهيئة الأجواء الملائمة للانقضاض وعودة الغطاء السياسي للنظام بوجوه جديدة".
ويعتقد خضر، وهو قيادي سابق في الحزب الشيوعي السوداني، أن أخطر أنواع الفخاخ المنصوبة للثورة هو في أيدي من يقودون الثورة. إذ إن تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير لا يملك بديلاً مدنياً جاهزاً لاستلام السلطة من المجلس العسكري، و"أعني بالبديل المدني هياكل السلطة الانتقالية وشخوصها من أعضاء مجلس السيادة والوزراء".
ويضيف أنه "إذا توافق تحالف الحرية والتغيير على بديل ملموس، وطرحه على جماهير الثورة واقتنعت به واعتبرته مطلبها الرئيسي لانتصر هذا المطلب، ولن يكون أمام المجلس العسكري الانتقالي إلا التسليم به وتنفيذه". أما في غياب هذا البديل، فـ "إلى من ستُسلم السلطة؟ إلى الفوضى غير الخلّاقة؟ أم ستنفذ خلايا الثورة المضادة وثبتها لاستعادة الغطاء؟"
تحديات الثورة
يقول فيصل محمد صالح، عضو تجمع المهنيين السودانيين، إن أبرز مشكلات الثورة هي ضعف القدرة التفاوضية لتحالف الحرية والتغيير، فضلاً عن "تدخل عوامل خارجية وغياب الحركات المسلحة عن برنامج السلطة الانتقالية المرتقبة، إلى جانب الأزمة الاقتصادية وكلفة إزالة الدولة العميقة، وتحويل القوات الحكومية والخدمة المدنية إلى مؤسسات قومية".
ويدعو صالح إلى تأهيل الأحزاب السودانية حتى تطرح برامج مواكبة للعصر الحديث، وتواجه استحقاقات المرحلة الجديدة من تاريخ البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، قال عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض، إن "الثورة لم تنتصر تماماً"، على الرغم من أنها أفلحت "في قطع رأس النظام (البشير)". وأضاف "هناك خلايا حية في جسد النظام تمثل الدولة العميقة، لا بد من إزالتها".
وأكد الدقير، في مؤتمر صحافي، أن تسليم السلطة إلى كيان مدنيّ "أمر لا تراجع عنه"، وهو الأساس في التفاوض الذي يديره تحالف الحرية والتغيير مع المجلس العسكري.
وأشار الدقير إلى أن التأخير في تمدين مؤسسات الدولة يزيد تفاقم أزمات الوقود والخبز وانعدام السيولة النقدية.
توقيف خلية مسلحة
اعتقلت قوات الدعم السريع وشرطة ولاية الخرطوم خلية من 10 أشخاص كانوا يعدون لأعمال تخريبية في العاصمة.
وأوضحت مصادر أمنية أن معلومات توافرت لقوات الدعم السريع تفيد بأن خلية تستغل منزلاً في ضاحية الطائف، شرق الخرطوم، تستعد لتنفيذ مخطط تخريبي. ولدى مداهمة المنزل، عُثر في داخله على 26 بندقية كلاشنيكوف و3 رشاشات وأكثر من 10 آلاف طلقة كلاشنيكوف وكميات من ذخائر الرشاشات وذخيرة دوشكا، إلى جانب بنادق قناصة وطبنجات وضبطت أحزمة ناسفة كانت جاهزة ومعدة للتفجير.
ويعتقد خبراء أن "خلايا الظل" من كتائب الإسلاميين، الذين كانوا يسيطرون على السلطة على مدى 30 عاماً، ربما تعد لفوضى للتأكيد أن نظام البشير كان يحفظ الأمن في البلاد وغيابه يعني فوضى أمنية، في ظل الحوادث الأمنية التي حصلت خلال الأسابيع الماضية. ولا يستبعد هؤلاء أن يكون الهدف هو تهيئة المناخ لانقلاب عسكري جديد من أنصار "الثورة المضادة".