سعياً لإنهاء أحد أطول الصراعات في العالم، وقّع الخميس كبار العلماء في باكستان وأفغانستان على وثيقة "السلام التاريخي" بين البلدين بعد صراع دموي دام لأكثر من 4 عقود في مكة المكرمة في السعودية.
وجاء في الإعلان التاريخي الذي أعقب الاجتماع الذي عقد في ناطحة سحاب على بضعة أمتار من بيت الله الحرام وقبلة المسلمين، أن" الاتفاق على إيجاد حلٍ نهائي وشامل للنزاع الأفغاني، من خلال دعم عملية المصالحة بين الأطراف المتصارعة في أفغانستان، والوصول بها إلى أرضية مشتركة من الوفاق، بتناول كل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من القضايا ذات الصلة، من خلال روح العمل المشترك، ليتسنّى وقف إراقة الدماء المستمرة في أفغانستان، وقيادة الشعب الأفغاني لطريق السلام والمصالحة والاستقرار والتقدم في هذا العالم بعون الله، إضافة إلى التأكيد على عدم ربط العنف بأي دين أو جنسية أو حضارة أو عرق، واعتبار العنف الناتج من التطرف والإرهاب بكل أشكاله وصوره بما فيه من عنفٍ ضد المدنيين وهجماتٍ انتحارية، مناقضاً لمبادئ العقيدة الإسلامية الأساسية".
مؤتمر إعلان السلام والمصالحة التاريخية بين #باكستان و #أفغانستان..
•يبحث عن السلام والسماحة والاعتدال والمصالحة وحل النزاعات
•يشارك فيه أكثر من 20 متحدثًا من كبار العلماء ووزراء الشؤون الإسلامية والسفراء pic.twitter.com/yiyD6BF0PR
— إمارة منطقة مكة المكرمة (@makkahregion) June 10, 2021
وبحسب البيان الختامي، فإن توقيع كبار العلماء في مكة "يمهّد طريق الحل للأزمة الأفغانية التي طال أمدها، من خلال دعم المفاوضات بين الفئات المتقاتلة ونبذ كل أعمال العنف والتطرف بكل أشكالها وصورها".
أفغانستان عانت من الحرب
وسعياً لإحلال سلام دائم ومستقل وعقب القمة التاريخية، قال السفير الباكستاني في الرياض بلال أكبر خلال القمة وقبيل توقيع البيان الختامي إن "أفغانستان عانت من الحرب وتأثرت بنيتها التحتية ونسعى إلى إيجاد حلول للسلام من خلال المؤتمر".
وأضاف أيضاً "أفغانستان وباكستان شريكتان، والدولتان ليستا مرتبطتين بحدود جغرافية فحسب، ولكن بتقاليد وعادات، والسلام في أفغانستان مرتبط بباكستان أيضاً، فليس ثمة دولة أخرى لديها رغبة بإحلال السلام أكثر من باكستان. ويوضح "موقفنا: لا حل عسكرياً للنزاع في أفغانستان، الحل السياسي هو الحل". واختتم حديثه بالقول، "إحلال السلام يهم أفغانستان والفرصة مؤاتية لمسح الماضي وإحلال السلام في المنطقة".
من جهته، يقول السفير الأفغاني لدى الرياض أحمد جاويد مجددي "إننا نهدف من خلال المؤتمر إلى إيقاف الحرب المستمرة منذ 4 عقود".
المؤتمر الذي تناول فرص إعلان السلام التاريخي بين البلدين، تحدث فيه وزير الشؤون الدينية في باكستان نور الحق قادري، قائلاً، "نثمّن دور السعودية ومواقفها في صدع رأب العالم الإسلامي".
مؤتمر مكة
ويتضمن المؤتمر خمس جلسات ويتحدث فيه أكثر من 20 متحدثاً رئيساً من كبار العلماء في خمسة محاور، تناقش السلام والسماحة والاعتدال والمصالحة في الإسلام، إضافة إلى منهج الإسلام في صيانة كرامة الإنسان والحفاظ على حياته، وبناء السلام في ضوء المبادئ الإسلامية، وأهمية السلام والأمن الإقليميين، وأخيراً دور العلماء في حل النزاعات الإقليمية ودعم جهود السلام، ثم تلاوة البيان الختامي وإعلان السلام في أفغانستان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما تأثير السلام بين الدولتين في دول المنطقة؟
وعن ما إذا كان سيؤثر السلام التاريخي على دول المنطقة من ناحية النمو الاقتصادي ونهضة جديدة تشهدها أفغانستان، يقول رئيس رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن "أحد أهم ما سينتج من هذا السلام، هو التركيز على عوامل البناء والإعمار والنهضة والتعاون وكرامة الإنسان، والقضاء على الأفكار الهدّامة وخطابات الدمار وامتهان كرامة الإنسان وحياته. فهو بذلك سيكون نهضة جديدة وجذرية تبدأ من الأرواح والعقول وستنعكس بإذن الله على كل تفاصيل حياة الشعب الأفغاني".
هل هذا السلام مكمل للحوار في الدوحة؟
يأتي هذا الإعلان بعد محاولات حثيثة لحل النزاع، كان آخرها "حوار الدوحة"، لكن العيسى يرى أن هذا المؤتمر مختلف فهو "يخوض في أكبر مغذيات الصراع وهي بحسب رأيه، الجهل والتطرف والتعصب".
ويضيف الأمين العام للرابطة الإسلامية، "لطالما ظلت محاولات الحل للصراع الأفغاني ومساعي الإصلاح بين المتقاتلين تدور في جوانب معينة وفي أطر تقليدية... لكن هذا المؤتمر يأخذ الأمور من جانب آخر تماماً، إذ يغوص في أكبر مغذيات هذا الصراع وهي الجهل والتطرف والتعصب، ووقودها الغالب هو إثارة العواطف الدينية المندفعة غير الواعية. ويحاول معالجتها باستثمار التأثير الكبير للعلماء وتفنيد كل الأطروحات التي يُستند إليها ويروّج لها".
ويرى العيسى أنه "لا يمكن إنهاء صراع من هذا النوع من دون رفع مستوى الوعي وإنارة الفكر، لذلك هو يجمع للمرة الأولى على طاولة واحدة كبار علماء أفغانستان وباكستان، نحو تحقيق المصالحة بين الفئات المتقاتلة، إيماناً من الرابطة بالدور الكبير والحاسم للعلماء في معالجة جذور هذا الصراع، برعاية ودعم من السعودية".
أهميته عالمياً
ويكتسب هذا الإعلان التاريخي للسلام من مكة المكرمة، أهمية كبرى " للعالم بأسره،" كما يقول العيسى، ويضيف، "إن ذلك بسبب توحيده (للمرة الأولى) علماء بلدين كبيرين من أهم البلدان الإسلامية هما أفغانستان وباكستان بما يملكه العلماء من مكانة وتأثير في مجتمعاتهم، بل وحسم لمادة النزاع الديني، نظراً إلى ثقل الحضور وتأثيرهم في الأطراف كافة".
ويردف، "إضافة إلى كونه ينطلق من مكة المكرمة، قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم وأقدس البقاع في نفوسهم، فما يصدر منها له وقع خاص لدى المسلمين حول العالم، يلامس قلوبهم ويحيي مشاعر الإيمان الرفيعة. فالسعي في الصلح وقبوله، لهما مكانة عظيمة في الإسلام، بخاصة إذا تم السلم في المكان المقدس بمكة المكرمة.
ويصف العيسى أنه اجتماع تكلّل بتوقيع من شأنه إنهاء ما وصفه بـ"أحد أطول الصراعات في العالم"، وأكثرها دموية، وأيضاً أكثرها تجاوزاً في آثاره المدمرة لمحيطه ومنطقته ولولا بيئة هذا الصراع، لما كان هناك على سبيل المثال كارثة 11 سبتمبر الإرهابية".
انسحاب القوات الأميركية
في سياق متصل، ظل الوجود العسكري للولايات المتحدة و"ناتو" في أفغانستان نحو 20 عاماً بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن 11 سبتمبر (أيلول) المقبل هو موعد نهائي لانسحاب قوات بلاده من أفغانستان، وذلك بالتزامن مع الذكرى العشرين للهجمات التي أشعلت الحرب.
وصرّح الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية للوسائل الإعلامية أنه تم نشر ست قاذفات بعيدة المدى من طراز بي-52 و12 مقاتلة من طراز إف-18 لحماية الوحدات المغادرة المكوّنة من 2500 جندي أميركي و16 ألف متعاقد مدني.