كان رامي وأخوه عبيدة في طريقهما إلى المنزل عندما جذب انتباههما جسم غريب ملقى على جانب الطريق، وبدافع الفضول وظناً منهما أنه لعبة للأطفال، التقطاه وأخذا يلهوان به في الطرقات، لكن ما إن مرت دقائق إلا وانفجر فيهما مسبباً وفاة عبيدة على الفور، وقطع يد رامي.
"اعتقدت أنها لعبة، لكنها تسببت في قطع يدي بعد ملامستها وخلفت حروقاً شديدة في جسدي" يقول الطفل رامي الذي التقط برفقة أخيه من على الأرض إحدى مخلفات الحرب التي لم تنفجر أثناء القتال العسكري الأخير الذي نشب في 10 مايو (أيار) الماضي بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
فيما تفيد الطواقم الصحية، أن رامي خضع لما لا يقل عن ثماني عمليات جراحية، وبسبب تعقيد التداخلات الطبية، فإنه من المقرر أن يمكث في المستشفى قرابة 70 يوماً، وقد يكون عاجزاً عن مواصلة حياته مؤقتاً لأكثر من عامين.
ممنوع الاقتراب لمسافة 1000 متر
وعلى الرغم من مضي أكثر من 20 يوماً على انتهاء القتال العسكري بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل الذي دخل حيز التنفيذ في 21 مايو الماضي، لا يزال سكان قطاع غزة يواجهون مخاطر مخلفات صواريخ المقاتلات الحربية غير المنفجرة، التي راح ضحيتها مقتل طفلين على الأقل بمجرد الاقتراب منها أو نتيجة سوء التعامل معها.
وفي أعقاب قصف الجيش الأخير على قطاع غزة، لاحظ سكان المناطق المحيطة بالدمار والقريبين من الحدود مع إسرائيل وجود عدة مقذوفات ملقاة من الطائرات المقاتلة لم تنفجر، الأمر الذي أثار الذعر في أوساط المواطنين، ودفع السلطات المحلية إلى إرسال قوات شرطية لحماية المناطق ومنع السكان من الاقتراب منها.
يقول الناطق باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني إياد البزم، إنهم قاموا بوضع لافتات تمنع المواطنين من الاقتراب من الأماكن المدمرة والحدودية، لمسافة لا تقل عن ألف متر مربع، ونشروا قوات من الشرطة لتحقيق ذلك. لكن بسبب التداخل الكبير بين المباني في قطاع غزة نتيجة الكثافة السكانية، وتركيز إسرائيل في قصفها على مناطق مأهولة وفي مراكز المدن والشوارع الرئيسة المعتمدة، فإن تحقيق الابتعاد عن مخلفات القتال العسكري قد يكون صعباً. الأمر الذي يوقع خسائر في صفوف المدنيين.
جميع سكان القطاع معرضون للخطر
تشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن جميع سكان قطاع غزة، بمن فيهم نحو 900 ألف طفل على الأقل، معرضون إلى مخاطر مخلفات الحرب غير المنفجرة بعد الصراع الأخير، والصغار على وجه التحديد أكثر عرضة للخطر نتيجة قضاء أوقات لعبهم في المناطق التي تأثرت بالصراع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب جغرافيا قطاع غزة، فإنه الأعلى كثافة سكانية في العالم، إذ تبلغ مساحته نحو 356 كيلو متراً، ويعيش فيه أكثر من مليوني مواطن موزعين على 44 تجمعاً سكانياً فقط، وبمعدل كثافة 555 ألف مواطن في الكيلو متر مربع، وفق بيانات جاهز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية).
أكثر من 1200 مهمة تحييد ذخائر
يقول رئيس قسم التوعية والإرشاد في هندسة المتفجرات في الشرطة الفلسطينية النقيب محمد مقداد، إن فريقهم المكون من 70 عنصراً فقط، تعامل خلال فترة القتال العسكري الذي استمر نحو 11 يوماً مع 292 مهمة، وبعد وقف إطلاق النار جرى التعامل مع 1200 مهمة، تنوعت ما بين تحييد ذخائر عسكرية، وإزالة مخلفات حربية ومهمات نقل أجسام متفجرة من أماكن الدمار إلى مناطق آمنة، ومعاينة منازل تعرضت لقصف.
ويشير مقداد إلى أن الذخائر الملقاة على غزة خلفت أجساماً لم تنفجر، في حين تفتقر غزة لإمكانيات رفع أو إزالة مخلفات الصراع، خصوصاً بعد ما دمرت إسرائيل مبنى الأدلة الجنائية لهندسة المتفجرات الذي كان يحوي معدات وتقنيات متواضعة لكنها كانت تساعد في عملية إزالة المخلفات.
وحول كمية الأجسام غير المتفجرة، يوضح مقداد أنهم لا يزالون في عملية فرز الذخائر، ليجري تحديد وزن المتفجرات التي تحويها، استعداداً لعملية إتلافها. لافتاً إلى أن إسرائيل ترفض السماح لفنيي إبطال مفعول مخلفات الذخائر والمخلفات العسكرية بالدخول لقطاع غزة، وهذا يزيد من الأضرار لها، إذ إن بقاءها في أماكن الدمار والمناطق الحدودية خطير، كونها تبقى معرضة للانفجار في أي لحظة، بخاصة أن تلك البقع الجغرافية مكتظة بالأطفال.
وفي ذات الوقت الذي تعجز فيه غزة عن تحديد حجم المتفجرات التي سقطت على مبانيها، ترفض إسرائيل الإفصاح عن أي معلومات عن كمية الذخائر العسكرية التي استخدمتها في الصراع الأخير، يقول مقداد "إن الإدلاء بهذه المعلومة قد يجعل الجيش معرضاً للمساءلة القانونية أمام الجنائية الدولية ومحكمة العدل".
لا يوجد خطأ فني
لكن دائرة الأمم المتحدة المتعلقة بالألغام ( (UNMAS، تشير إلى أنه جرى التعامل مع أكثر من سبعة آلاف نوع من مخلفات الحرب غير المنفجرة والتخلص منها، وكانت بقوة تفجيرية تزيد على نصف مليون طن، وعلى الرغم من ذلك فإن الذخائر غير المنفجرة متبقية، وتهدد حياة سكان قطاع غزة، خصوصاً الأطفال الذي يلعبون في مناطق متأثرة بالصراع، والأشخاص الذين يعملون في أراضٍ زراعية تحتوي على مخلفات الصراع العسكري. وتفيد بأنه في أوقات سابقة جرى تسجيل مقتل 16 شخصاً وجرح 97 بينهم 48 طفلاً، بعد تعرضهم لذخائر عسكرية.
وبحسب متخصصين عسكريين، فإن نحو سبعة آلاف نوع من مخلفات الصراع غير المنفجرة، يعد عدداً ضخماً عند مقارنته مع مساحة قطاع غزة، ويثير لديهم تساؤلات إذا كانت إسرائيل متعمدة في إحداث ذلك؟
يقول إبراهيم حبيب، عميد البحث العلمي في علوم الأسلحة والقذائف في كلية الرباط (جامعة حكومية)، إن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر تطوراً على مستوى المنطقة، لذلك فإن احتمالية الخطأ تكاد تكون شبه معدومة، ما يعني أن فرضية القصد هي الأقرب من فرضية الخطأ الفني.
وبحسب حبيب، "فإن إسرائيل تهدف إلى قصف المناطق الحدودية بصواريخ لا تنفجر لحظة سقوطها، لتعطل حركة المسلحين في هذه المناطق، التي يشتبه بوجود نشاط غير اعتيادي فيها، والغرض الآخر، أنه يأتي في سياق جهود تل أبيب لمواجهة خطر الأنفاق في المناطق الحدودية، حيث يعلم الجيش أن سقوط صاروخ في منطقة يشتبه في وجود أنفاق عسكرية فيها سيعطل من نشاط الفصائل في هذه المنطقة لفترة أطول، وهي استراتيجية أقل كلفة من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة".
بينما يرى رئيس قسم التوعية والإرشاد في هندسة المتفجرات في الشرطة الفلسطينية النقيب محمد مقداد، "أنه من ناحية عسكرية لا يوجد خطأ فني أو تعمد في إسقاط مقذوفات لا تنفجر، كونه لا مسار معيناً في السقوط وحدوث الانفجار، وإذا حدث أي خطأ في الإسقاط تصبح المقذوفات مخلفات حرب.