دقت منظمات وجمعيات بيئية متخصصة في حماية الحياة البرية ناقوس خطر انقراض غزال "اليحمور" بعد أن بات وجوده في غابات الساحل، في غرب سوريا شبه نادر، مع تعرض موائله الطبيعية إلى التدمير والحريق بدوافع بشرية إن كان التحطيب أو الحرائق المختلفة.
هجرة الغزلان
ويعد اليحمور من الأيائل متوسطة الحجم والمعروف علمياً باسم "كابريولوس"، واتسعت رقعة انتشاره في سوريا بكثافة في مناطق عديدة امتدت من غرب حلب إلى منطقة الساحل ومن حوض العاصي إلى غوطة دمشق.
ومع انقراضه في وقت سابق في لبنان وفلسطين والأردن يتوقع خبراء الحياة البرية في سوريا أن يتعرض إلى الانقراض بعد انقراض أصناف نادرة لحيوانات مثيلة مثل الدب السوري والنمر الأناضولي وغزال الريم، وأصناف متعددة من الحيوانات البرية النادرة التي غابت عن الغابات والمحميات الطبيعية.
ويلفت متخصص الحياة البرية والتنوع الحيوي، أحمد أيدك في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أنه "لم يتبق من الحيوانات التي تزين بيئتنا السورية إلا غزال اليحمور وينتشر حالياً في مناطق محدودة صغيرة جداً في غابات المنطقة الساحلية، حيث تلاحقه بنادق الصيادين دون طائل من ردعهم".
ويكشف أيدك عن واقعٍ مزرٍ يتجسد في الصيد الجائر من دون رادع يحفظ ويحمي هذا الحيوان، وتتنوع الأسباب بين مادية أو للتفاخر بقتله، في حين تمثل الطامة الكبرى ما يسببه الصيادون من الإمساك بصغاره وبيعهم بشكل علني من دون وعي ومعرفة من مغبة ما يلحق من أضرار جسيمة بالتنوع البيئي مستقبلاً.
ويحذر في الوقت نفسه قائلاً "إن بقي الوضع كما هو عليه فإننا سنشهد انقراضاً لهذا الحيوان خلال فترة قصيرة جداً، وسيبقى مجرد ذكريات نحكيها لأحفادنا كما حصل مع باقي حيواناتنا البرية".
الموائل الطبيعية
في غضون ذلك تحركت مجموعة "سنديان" الناشطة في مدن الساحل السوري داعية للمحافظة على الحياة البرية من خلال حملة توعوية هدفها لفت الأنظار لما تتعرض له الموائل الطبيعية للغزلان بالغابات الكثيفة والممتدة على طول الساحل البالغ 180 كيلومتراً تتخللها سلسلة من الجبال المغطاة بالخضرة، والينابيع العذبة، منبهة لخطر الصيد الجائر بحق أكثر الحيوانات المهددة بخطر الانقراض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهدت أعداد غزال اليحمور انخفاضاً كبيراً كما رصد الناشطون، وتعزو "سنديان" في بيان لها عن استمرار مسلسل انتهاك الحياة البرية من قبل بعض الجشعين وعديمي المسؤولية، بحسب بيان لها.
وأضاف البيان "كأن وضع غزال اليحمور كحيوان مهدد بالانقراض لم يكن كافياً لوضع حد لهذه التجاوزات، بل على العكس يبدو أنه كلما كان وجوده أقل وأندر أصبح هدفاً مرغوباً به ومدعاة للاعتزاز والفخر باصطياده".
ولا يعتقد الناشطون في مجال حماية الحياة البرية أن الرهان على الوعي يكفي لوقف الاستنزاف المتواصل والصيد الجائر، مطالبين بتطبيق قوانين صارمة لوقف صيد الغزال بشكل كامل، وعدم إمساك صغاره أو شراء وبيع هذا الحيوان، وإبلاغ الجهات المختصة على الفور عن أي شخص يقتله أو يبيعه تجنباً لانقراضه.
بين ناري الحرب والحرائق
من جهته يعزو الطبيب البيطري مهند القاضي أسباب الانقراض إلى الحرب في سوريا، والتي أسفرت نحو ضياع وهجرة كثير من الحيوانات خارج الغابات والمحميات الخاصة.
ويضيف القاضي لـ"اندبندنت عربية" أنه حتى قبل الحرب كان غزال "اليحمور" مهدداً بالانقراض لكن واكب ذلك اهتماماً كبيراً به ووضعه بمحميات خاصة على طريق (الرقة - حلب) "بمبادرة أهلية ومهتمين بالحياة الطبيعية قبل الحرب كان يحافظ هذا النوع على وجوده حيث اهتم به الأهالي، وبرعاية طبية حفاظاً على تكاثر الغزلان، إضافة إلى وجود محميات طبيعية".
في المقابل برزت حرائق الغابات في غرب ووسط سوريا بأرياف حمص وطرطوس واللاذقية وأتت على مئات الهكتارات مما تسبب في هجرتها، علاوة على امتداد النيران على مرتفعات جبلية كانت موائل طبيعية لها.
قوائم الحيوانات المنقرضة
كما ويعدد المتخصص في الحياة البرية، أحمد أيدك، العديد من الأنواع التي كانت تزين البيئة وانقرضت منها "النعامة السورية والأسد الآسيوي من وادي الفرات والدب البني السوري والنمر والفهد الصياد كما واختفت قطعان الغزلان من البادية، واختفت الخنازير البرية من وادي الفرات وانقرض غزال بلاد الرافدين والقندس من منطقة الجزيرة".
وانخفضت أعداد الحيوانات الكبيرة بشكل ملحوظ بسبب الإبادة الدائمة لها مع انعدام وجود أي قانون صارم للصيد.
وهكذا تميزت البيئة السورية منذ القدم بتنوعها الحيوي المميز على مستوى الشرق الأوسط نظراً لغناها بالغطاء النباتي، إلا أن تراجعها تدريجاً بسبب تزايد الكتلة البشرية، وتعدياتها الدائمة على المساحات الخضراء ابتداءً من قطع الغابات وانحسار مساحتها إضافة إلى الصيد الجائر وعدم تحلي الصيادين بالمسؤولية تجاه الغابات.