ندى أبو فرحات من أبرز ممثلات الجيل الجديد في لبنان، درست في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية (قسم الإخراج والتمثيل)، وأضافت إلى التخصص الأكاديمي خبرة مهمة مع أبرز المسرحيين اللبنانيين. تعرف ماذا تريد من المهنة، وما الذي تريده المهنة منها، وإلى أين تريد أن تصل من خلالها، وقد حصلت على جوائز مهمة من مهرجانات عالمية.
بدأت العمل في سن مبكرة مع الأخوين رحباني عندما كانت تدرس الفنون المسرحية، ولا تزال مستمرة مسرحياً وسينمائياً وتلفزيونياً. وربما تكون الممثلة الوحيدة التي عرفت كيف تتألق على المسرح والتلفزيون لأنها عرفت كيف تنقل جمهورها التلفزيوني إلى مسرحها، الذي تسعى إلى تطوير تجربتها فيه، من خلال تعلم الكتابة، وعملها الجديد يحمل توقيعها كتابة وإخراجاً.
فيلم "كارونا"
أبو فرحات التي افتقدها الجمهور هذه السنة لغيابها عن السباق الرمضاني، بسبب انشغالها بتصوير فيلم "كارونا"، ألا ترى أنها تسير عكس التيار، خصوصاً وأن معظم ممثلي المسرح والسينما اتجهوا نحو التلفزيون. تقول: "هناك منصات جاهزة لعرض الأفلام، إلا في حال فتحت صالات السينما مجدداً. فالمسارح بدأت تفتح والصالات السينمائية من بعدها. الفيلم خفيف وتكلفته الإنتاجية ليست كبيرة، مما يبعد هاجس الخوف من الخسائر الفادحة. العمل كوميدي يحكي قصة عائلة تتألف من أم وأب وولدين، تنتقل من المدينة إلى القرية بسبب أزمة كورونا، وهناك تحصل معها أحداث طريفة. وهو من كتابة وتمثيل عبودي الملاح، وشارك شادي حنا في كتابته كما أنه من إخراجه".
وعما إذا كان تفضيلها للسينما هو الذي أبعدها عن الموسم الرمضاني، أم النصوص التلفزيونية التي عرضت عليها، ترد: "عرض علي نصان لخارج الموسم الرمضاني، ولم أحب الشخصيتين. ما دام أن هناك منصات أخرى تعرض عليها الدراما، فلن نتوقف عن العمل. لست قلقة، ويمكن أن أطل في الموسم المقبل. وبانتظاري كثير من المشاريع للفترة المقبلة".
أبو فرحات التي شرعت الأبواب وشجعت زملاءها فناني المسرح والسينما على العودة إلى منصات التلفزيون، لكونها في طليعة الفنانين الذين اتجهوا نحوه توضح: "هذا الأمر يفرحني كثيراً. هذه السنة كان هناك حرص على تقديم مستوى عال في الأداء- الذي لطالما حلمت به- لأن ما يعرض على المنصات يتميز بمستواه العالي على كافة المستويات. هناك ممثلون أسماؤهم كبيرة، تركوا بصمة هذه السنة، لأنه لا حل أمامهم، إلا تطوير أدائهم، وأنا سعيدة لأن اختيارات شركات الإنتاج جيدة، فهم قصدوا الجامعات وأجروا "كاستينغ" للأدوار الصعبة، وكلما كان الأداء جيداً ارتفع مستوى العمل". وتابعت: "الكل أبدع. ولقد تابعت مشاهدة بسيطة من بعض الأعمال، وشعرت بالفخر لأن العرب لمسوا أن الممثلين اللبنانيين يتمتعون بقدرات تمثيلية كبيرة، في حال توفرت نصوص جيدة وإدارة ممثل. عندما كنت أقول هذا الكلام سابقاً، كانوا يتهمونني بأنني أنتقد، وسوف أستمر في ذلك. كل الممثلين يستعينون بمدرب تمثيل، وأنا حالياً أقوم بتدريب كل الممثلين المشاركين في مسلسل من إنتاج طارق غطاس وإخراج الإسباني ألفونسو مارتينيز".
عناصر عربية
وهل كلامها هذا يؤكد أن المنتج اللبناني كان على حق عندما استعان بممثلين عرب في بطولة الإنتاجات اللبنانية، لرفع مستواها؟ تجيب: "والممثلون اللبنانيون بارعون أيضاً، ولكن في السابق، لم يكن المنتجون يعطون الممثل الوقت الكافي لتحضير دوره، والممثل لم يكن معتاداً على ذلك، ولا أعرف ما إذا كان دخول العناصر العربية على الدراما اللبنانية شجع على مثل هذه الخطوة! الممثل يجب أن يشتغل جدياً على الشخصية، في المقابل، لو لم يستعينوا بعناصر عربية واهتموا بالعناصر اللبنانية، لكنا "قلّعنا" أيضاً".
هل المنتج يحتاج إلى اسم معروف لكي يبيع أعماله؟ ترد: "وهذا الاسم يشتغل أيضاً على أدائه. المنتج ليس مخطئاً بموقفه، ونحن كنا نقول "استعينوا بمن تشاؤون ولكن قوموا بتدريبه". لم تكن المشكلة في الاستعانة بممثلين من داخل المجال أو من خارجه. وأنا أقول دائماً بأن أي إنسان لديه خمس حواس يمكن أن يصبح ممثلاً إذا أُعد بشكل جيد، وفي حال كان يتمتع بمواصفات جمالية عالية، فإنه يبدع ويكسب محبة الجمهور أكثر ويصدقه. وهذا ما كنت أطالب به ولكنني كنت أفهم بشكل خطأ".
وعما إذا كانت تقصد بكلامها نادين نجيم ودانييلا رحمة، أجابت: "بل أقصد الجميع، سواء في أدوار البطولة أو في الأدوار الثانوية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أبو فرحات التي تقبل بالمشاركة في أي عمل، بناء على اسم مخرجه، هل هي تفعل ذلك لأنها تكون واثقة في أنه اختار النص الجيد؟ توضح: "بل لأنني أعرف أعماله السابقة، والمستوى الذي سيكون عليه العمل، عدا عن أن كل شيء صار متاحاً اليوم، ويمكن التعرف على أعمال كل المخرجين. في المقابل هناك مخرجون أرفض التعامل معهم وهم أيضاً كذلك، لأنهم يعملون بشكل سريع وتجاريون. ليس خطأ أن يكون الشخص تجارياً، شرط أن يعطي كل شيء حقه. هناك مخرجون لا أحب طريقتهم في الإخراج، وآخرون أحب العمل تحت إدارتهم، من بينهم الليث حجو، وأمين درة، وفيليب أسمر، ورامي حنا، ومحمد سامي".
خيارات متاحة
تؤكد أبو فرحات أن المسرح سيعود حتى لو كان جمهوره قليلاً، وبمواضيع أقوى. وعن سبب عدم إقبال اللبنانيين عليه، أوضحت: "هذا هو حال كل مسارح العالم، ولكنه يبرز أكثر في لبنان بسبب قلة عدد سكانه، بينما تكون نسبة المثقفين الذين يحضرونه أكبر في باقي دول العالم بسبب ارتفاع عدد سكانها. مع أنه ليس بالضرورة أن ينحصر الحضور المسرحي بالمثقفين فقط، لأن المسرح ينبع من الشعب ومواضيعه تتجه إليه، وفي لبنان يخافون منه، ويظنون أنهم لن يفهموه. مع أن هناك أعمالاً مسرحية بسيطة وقريبة من المجتمع كتلك التي أقدمها أنا وباتريسيا نمور أو جوزيان بولس وجاك مارون وغيرنا. عندما أتيت إلى المسرح، انضم إلى الجمهور أناس لا يحضرونه عادة، ومعظمهم فوق الـ60 عاماً. في كل دول العالم هناك مسرح أكاديمي، ومسرح طبيعي، ومسرح عبثي، ومسرح رمزي، والخيارات متاحة أمام الجمهور لمتابعة النوع الذي يحبه".
توافق ندى على أنها نقلت معها إلى المسرح جمهورها التلفزيوني، قائلة: "من كانوا يعرفون اسمي من خلال التلفزيون جاؤوا وتابعوني في المسرح وتابعوا كل أعمالي المسرحية التي تلتها، و"علِقوا". عدا أن الدعاية على السوشيال ميديا، لعبت دورها أيضاً، لأن الناس يتناقلون آراءهم الإيجابية على ما يشاهدونه ويشجعون غيرهم".
أبو فرحات التي نادت بعدم موت المسرح، عرضت خلال أزمة كورونا مسرحية "blood zero" لـDoyle Avent وأرجأت عرض مسرحية "فيفو وأصحابا" مع سحر عساف، كما تحضر لمسرحية ثالثة سوف تعرضها في فصل الخريف، وقالت عنها: "هي من كتابتي، وهذه المرة الأولى التي أكتب فيها نصاً مسرحياً، وأنا أشارك حالياً بورشة عمل لكاتبات مسرحيات مدتها شهران ونيف، لتعلم أصول الكتابة، وسوف تنتهي بعد أسبوعين". كما أكدت أنها تخطط لتقديم أعمال مسرحية تحمل توقيعها، إنتاجاً وتمثيلاً وكتابة، مضيفة أنها يمكن أن تتجه نحو الإخراج أيضاً. وعن السبب الذي يدفعها إلى الجمع بين كل هذه المجالات، تقول: "هذه الأمور تولد وحدها خلال الكتابة، فيبرز المشهد أمامي وأتخيل نفسي ماذا أفعل لأنني أحب التمثيل، ولأن الموضوع الذي أكتبه، يمسني وأريد التعبير، وأن أقدمه على الخشبة. كل شيء يولد تلقائياً مع الكتابة".
أعمال ناقصة
هل هذا يعني أن أعمالها المسرحية السابقة كانت ناقصة لأنها لم تكن تمسك بكل خيوطها، تجيب :"كلا، لأنني كنت أنا من يعرض الفكرة على الكتّاب وهم يقومون بتطويرها، مثلاً في مسرحية "حبلى" اجتمعت كثيراً بالمخرج والكاتب والممثل غابريال يمين وأخبرته عن المواضيع التي أريد أن أتحدث عنها، ولكن هذه المرة شعرت أنني أريد أن أطور فكرتي بنفسي، وهذا لا يعني أبداً أنني سأكتب كل أعمالي".
من ناحية أخرى، أشارت أبو فرحات إلى أنها تحقق نفسها في السينما والمسرح والتلفزيون، وتابعت: "لا مانع عندي من إيقاف مسرحية في حال عرض عليّ المشاركة في مسلسل تلفزيوني جميل جداً، والعكس صحيح أيضاً، والأمر نفسه ينطبق على السينما. أنا أركض وراء الأجمل وما أشعر بأنني بحاجة لأن أفعله في فترة ما".
أبو فرحات التي توصف بالفنانة الجريئة، هل تعتبر أن تميزها هو نتيجة لجرأتها؟ تجيب: "لا أعرف ماذا يقصدون بالجرأة. أنا لا أخجل بإبراز مشاعري خدمة للدور، ولا حدود لها بل حتى أنا كريمة جداً فيها، لذلك يصدق المشاهد الشخصية التي ألعبها. لا أخجل في الضحك أو البكاء أو التعصيب أو الزعل، وكل حواسي تكون في حالة تأهب وجاهزة لخدمة الشخصية ولإعطائها كل الإحساس الذي تحتاجه. حتى أنني أصدق الشخصية التي ألعبها، ولأن الناس يصدقونني يقولون عني جريئة. هناك ممثلات يعتمدن نفس هذا الأسلوب، وهذا أمر جيد. ولذلك أشرت إلى ارتفاع الأداء عند الممثلات هذه السنة، ولم يعدن يخفن من إظهار مشاعرهن. الممثل الذي يخاف يضع حدوداً لمشاعره، والمشاهد يلاحظ ذلك وينفر منه، والعكس صحيح". واعتبرت أن قلة التمرين السبب الذي يجعل بعض الممثلين يخجلون من إبراز مشاعرهم، كما عدم معرفتهم بالتحضير للدور وإبراز الأحاسيس، وأضافت: "بعض الممثلين لا يجيدون استخدام التقنيات بل حتى أنهم لا يعرفونها".