على الرغم من التشريعات القانونية التي وضعتها السعودية لحظر تزويج القاصرات ممن دون 18 عاماً، فإن الاستثناء الذي يسمح لهن بالزواج بعد أخذ إذن المحكمة المختصة، أدى إلى استمرار الممارسة التي تصنف في قوانين أممية عدة وقعت عليها الرياض، على أنها انتهاك لحقوق الإنسان.
وذكرت آخر إحصائية أن حالات زواج القاصرات، المحولة من قبل وزارة العدل لـ"التنمية الاجتماعية" في منطقة واحدة فقط، بلغت 417 حالة.
وأقرت وزارة العدل إجراء عقود الزواج لمن دون 18 عاماً من الذكور والإناث بعد إحضار ثلاثة تقارير طبية تثبت الاكتمال الجسماني، وأخرى من مختصين نفسي واجتماعي، تثبت التكافؤ بين الزوجين القاصرين أحدهما أو كلاهما، في تعميم تضمن ضوابط للحد من الانتهاكات التي تشوب زواج القاصرات.
وكانت هيئة حقوق الإنسان السعودية طالبت بسرعة إصدار قانون يحدد العمر للزواج بـ18 عاماً ويمنع ما دونه، كون هذا العمر يُعد مرحلة طفولة، وفقاً لما أشارت إليه الأنظمة المحلية والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي أصبحت السعودية طرفاً فيها.
وأشارت الهيئة إلى أنها درست مع عدد من الجهات الآثار السلبية المترتبة على الزواج المبكر (دون سن الـ18 عاماً)، في وقت كان نظام حماية الطفل من الإيذاء صريحاً في تحميل والدَي من هم دون الـ"18 عاماً" أو من يقوم برعايته مسؤولية تربيته وضمان حقوقه، والعمل على توفير الرعاية له، وحمايته من الإيذاء والإهمال.
وأضافت "سنّ مثل هذا القانون سيعزز حماية الحق في تكوين وتحمل بناء الأسرة، بما يحافظ على استمرارية الحياة الزوجية والعيش باطمئنان. وأوضحت أن الدراسات المعتبرة أثبتت أن الزواج المبكر له آثاره السلبية الجسدية والنفسية. ونوهت بضرورة الاكتمال الجسدي والعقلي للزوجين حتى لا يشكل الزواج خطراً عليهما، بما يضمن أهليته من الناحية الاجتماعية والنفسية والجسدية، ويعزز التكافؤ النفسي والاجتماعي بين الزوجين".
جدل في مجلس الشورى
وكان ملف "زواج القاصرات" مر بمنعطفات عدة طوال الأعوام الماضية، وشهد تحركات كثيرة. وعرض في مجلس الشورى منذ وقت مبكر على شكل مشاريع مقترحة، بيد أن التعطيل لاحق كثيراً من الجهود الساعية لمنع الزواج بقوة القانون.
وعلى الرغم من أن أعضاء كثراً في المجلس مناهضين زواج القصر حاولوا في الأعوام الماضية تمرير تشريع يمنع زواج من هم دون الـ18 عاماً منعاً كلياً، فإنهم يرون الموافقة عبر طريق محكمة مختصة تطوراً هائلاً، مؤملين أن يأتي يوم يمنع فيه القانون زواج القاصرات بشكل قاطع.
وكان الاعتراض داخل "الشورى" بسبب أنه لم يرد دليل بتحريم زواج القاصرات، حيث ذكر ذلك عضو "الشورى" محمد العلي، معارضاً وضع ضوابط تمنع زواج القاصرات، بحجة أن "الفتاة في الغرب تُمارس المحرمات في سن 12 عاماً"، مؤكداً أن مجاراة الاتفاقات الغربية ستنشر الزواج العرفي، إلا أن المجلس أقره أخيراً، حيث تسبب زواج القاصرات في استغلال الفتيات في عمر صغير، بهدف التكسب المادي، أو غيره من المصالح التي تخالف قوانين حماية حقوق الطفل.
وتعرِّف القوانين العالمية والسعودية الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، فيما تعرِّف الأنظمة السعودية الإيذاء بأنه كل شكل من أشكال الإساءة إلى الطفل أو استغلاله أو التهديد بذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد ذلك أصدرت وزارة العدل توضيحاً من اللائحة التنفيذية لنظام حماية الطفل، نص على أنه "يلزم قبل إبرام عقد الزواج التأكد بأن تزويج من قلَّ عمره عن 18 سنة، لن يلحق به الضرر ويحقق مصالحه الفضلى ذكراً كان أو أنثى"، حيث ورد للوزارة استفسارات عن عقود زواج أُجريت لمن هم أقل من 18 سنة بعد التشريع الجديد.
حلاً وسطاً
وذكر عضو النيابة السابق، المحامي نايف آل منسي، أن "السعودية أخذت حلاً وسطاً بين عدم المنع التام لزواج القاصرات وجعله مفتوحاً على مصراعيه، بوضع ضوابط لتلافي عدد من الأضرار والمشاكل التي كانت تحدث سابقاً، وهي منع مأذوني الأنكحة من عقد الزواج لمن هم دون الـ18 عاماً إلا بعد الرجوع إلى المحكمة المختصة، التي تطالب بتقرير طبي من طبيبين بالبلوغ الجسمي والعقلي لمعرفة إمكانية ممارسة العلاقة الزوجية وصلاحية الزوجين في دخول القفص الزوجي ومدى التكافؤ النفسي، ويتحقق القاضي من الرضا التام للطرفين".
وطالب آل منسي بزيادة التوعية لمنع تزويج القاصرات، ليبدأ المجتمع بنفسه التخلي عن هذا الزواج، ويصبح هناك عزوف حتى من دون أي تشريع.
وأوضح عضو الجمعية الفقهية وأستاذ العلوم الشرعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الشيخ سعود الحنان، أن "معارضة زواج القاصرات جاءت بسبب ما أثاره الإعلام من نقد لبعض حالات زواج القاصرات فقط"، مشيراً إلى أن الدين لم يحرم زواج القاصرات، ولذلك صدر قرار من "العدل" بجواز عقد الزواج لمن دون 18 سنة ولكن بشرط موافقة المحكمة المختصة، وذلك حماية للقاصر وحفظاً لحقوقه.
وبين المستشار القانوني محمد الوهيبي أن "زواج القاصرات يُعَد جريمة يقوم مرتكبها باستغلال إعطاء الشريعة حق الولاية بذلك، وهذا النوع من الزواج يعتبر أحد أهم الأسباب الرئيسة في زيادة نِسَب الطلاق بين المجتمع السعودي، ونجد أن كثيراً من أولياء النساء يُلغي دورها تماماً في حقها في اختيار مَن ترغب الزواج به، ويتغافل عن أن موافقتها وقبولها أحد الحقوق المكتسبة لها".
ورأى وجوب القضاء على هذا السلوك "بصدور قرار يمنع زواج القاصرات، إذ على الرغم من الاختلاف بين مؤسسات تشريعية ودينية وعدلية حوله، فإن هناك إجماعاً عالمياً بحظره، ضمن اتفاقات، كانت السعودية من الموقعين على بنودها".
وأكد أنه لا بد من تفعيل اتفاقية حقوق الطفل وإدراجها ضمن الأنظمة العدلية؛ لأن كل دولة توقع هذه الاتفاقية ملزمة بتنفيذها على أرض الواقع، وإدراجها ضمن تشريعاتها.
واعتبر أنه على الرغم من أهمية التوعية للحد من الظاهرة؛ فإن "عدم وجود عقاب يجعل الباب مفتوحاً للتجاوزات؛ إذ لا بد من جعل عقاب لكل من يتجاوز تلك القوانين؛ لنُسهم في الحد من تلك المشكلة".
وذكرت إخصائية العلاج والإرشاد النفسي، هيا السويلم، أن أسباب رضوخ بعض الفتيات القاصرات للقبول بهذا الزواج تعود إلى الرغبة في إكمال ما ينقص إحداهن من احتياجات، "جراء عدم إشباع تلك الحاجات لديها من جانب محيطها الأسري؛ فهي تريد الشعور بالأمان والاحتواء والاهتمام، وتريد زوجاً بنفسية أب يرعاها؛ لتفاجأ بعد الزواج بحياة مختلفة تماماً عن توقعاتها".
وتابعت: "بعضهن تتزوج كي تتخلص من ضغوط أسرية قاهرة، تعيق استمتاعها بحياتها، وبعد الزواج تجد حياة مختلفة أيضاً، ولتحقق ذاتها مادياً وإشباع رغباتها فهي بنفسية الأنثى المدللة، وبعد الزواج تصطدم بحياة أخرى عكس رغباتها".