لاحت في أفق المشهد السياسي في تونس بوادر انفراج في الأزمة السياسية إثر لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد، الثلاثاء 15 يونيو (حزيران)، رئيس الحكومة هشام المشيشي في قصر قرطاج، وهو أول لقاء بصفته رئيساً للحكومة منذ يناير (كانون الثاني) 2021، وحضر اللقاء إلى جانب المشيشي رؤساء حكومات سابقون.
ويأتي الاجتماع عقب ما صرّح به رئيس الجمهورية الجمعة الماضية، من وجود بوادر للحوار بعد استقباله الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، الذي أكد وجود انفراج وأخباراً إيجابية خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأكد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سمير الشفي، في تصريح صحافي، وجود انسجام بين مواقف المنظمة ورئاسة الجمهورية، في تقويم الواقع والأزمة التي تمر بها البلاد على المستوى السياسي.
من جهته، دعا رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي إلى "عدم إقصاء أي طرف من الحوار الوطني المرتقب"، مؤكداً أن حركة النهضة "متمسكة بمنهج الحوار".
وتأتي بوادر انفراج الأزمة بعد أن اتسعت رقعة الاحتجاجات والمواجهات مع قوات الأمن مساء الأربعاء، لتشمل حي التضامن الشعبي الأكثر كثافة سكانية في العاصمة، وأيضاً حي الانطلاقة المجاور، بينما تواصلت الاحتجاجات والمواجهات في منطقة سيدي حسين السيجومي، لليلة السادسة على التوالي، استخدمت خلالها قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع، وسط عمليات كرّ وفرّ بين الوحدات الأمنية والشبان، امتدت إلى الأحياء المتاخمة لمدينة سيدي حسين السيجومي.
محاسبة المتورطين
وحث مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتونس، في بيان، السلطات التونسية على فتح تحقيقات إدارية وقضائية جدية وشفافة ومحايدة، تأخذ بالاعتبار روايات كل الأطراف بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان خلال الاحتجاجات، وختم التحقيقات في أقرب وقت.
كما دعا مكتب المفوضية الحكومة التونسية إلى "مضاعفة جهودها في الإيفاء بالتزاماتها، واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان من خلال إجراءات ملموسة وممارسات تعزز فعلياً الحقوق والحريات الأساسية وسلامة الأشخاص".
واعتبر المكتب "أن هذه الانتهاكات المتكررة والخطيرة تكشف عن اختلال متواصل في أجهزة الأمن الداخلي، الذي يتطلب إرادة قوية من السلطتين التنفيذية والقضائية للإصلاح وتكريس المحاسبة وفق القانون".
منسوب الغضب مرتفع
ويعتبر المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن الاحتجاجات "ليست مفاجئة، لأن تونس تعيش أزمة مزدوجة اجتماعية واقتصادية وسياسية وصحية، ومنسوب الغضب عند فئات واسعة من المجتمع، بخاصة المهمشين، مرتفع بشكل كبير، في ظل غياب رؤية سياسية للتعامل مع الأزمة، بل إن الطريقة التي تتوخاها الحكومة في التعامل مع الأزمات مستفزة للرأي العام وللشباب العاطل من العمل، وهو ما يولد ردود فعل عنيفة من الشباب الغاضب على وضعه الاجتماعي والاقتصادي إزاء التدخل الأمني".
وأضاف بن عمر، "الغضب على الطبقة السياسية ينفجر كلما وجد قادح، والقادح فيما يحدث هذه الأيام في حي سيدي حسين السيجومي هو وفاة الشاب أصيل الجهة بعد اعتقاله، وتعرّضه للتعذيب من قبل العناصر الأمنية".
المؤسسة الأمنية في قلب الصراع
وحول رد الفعل الأمني العنيف، أكد المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن "المؤسسة الأمنية التي تعيش في قلب الصراعات السياسية مسكونة بنوع من التعالي على المحاسبة، باعتبار أن الصراع السياسي عزز نفوذها وسطوتها، وتعمل الجهات السياسية على حماية هذه المؤسسة وكسب ودها، واعتبار تجاوزاتها تصرفات فردية وليست عملاً ممنهجاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف بن عمر أن هذه الممارسات "أعطت نوعاً من التبرير للمؤسسة الأمنية حتى تتجاوز سلطاتها وتفلت من العقاب. إن المؤسسة الأمنية لم تتغير ولم تصبح أمناً جمهورياً، كما جرى إيهام التونسيين مباشرة بعد 2011".
وشدد رمضان بن عمر على أن الإدارة السياسية للمؤسسة الأمنية أصبحت لديها قناعة بأنها "لا تستطيع فرض هيبتها إلا بالقمع والزجر، وفي ظل الفشل السياسي يجري اعتماد القبضة الأمنية للسيطرة على المجتمع"، داعياً إلى استبدال هذه الممارسات بالمنجز الاقتصادي والاجتماعي، وتحسين الخدمات الصحية والتعليم، وتوفير موارد الرزق للمهمشين".
ممارسات دولة البوليس
من جهته، قال النائب عن الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب نعمان العش، في تصريح خاص، إن الممارسات الأمنية القمعية مرفوضة، وقد دان مجلس النواب اعتداءات قوات الأمن على الشباب المحتج في سيدي حسين السيجومي.
ووصف الاستعمال المفرط للقوة ضد المحتجين بـ "ممارسات دولة البوليس"، التي قطعت معها ثورة يفترض أن تحفظ كرامة المواطن، مشيراً إلى أن المؤسسة الأمنية في "حاجة إلى الإصلاح".
سحب الثقة من المكلف بوزارة الداخلية
وأضاف العش، "رئيس الحكومة هشام المشيشي غير قادر على التحكم في المشهد إلا بالأساليب البوليسية القمعية"، لافتاً إلى "أننا في الكتلة الديمقراطية نتشاور مع بقية الكتل من أجل سحب الثقة من المشيشي، كمكلف بوزارة الداخلية، وهي مسألة رمزية نريد من خلالها رفض وإدانة سياسة وزارة الداخلية في إدارتها للاحتجاجات".
وتابع، "هشام المشيشي رفض الحضور في مجلس النواب بصفته رئيس حكومة أو كمكلف بتسيير وزارة الداخلية، وبالتالي فهو يرفض التقويم والمساءلة لمراجعة السياسات الأمنية المتبعة في التعاطي مع الاحتجاجات".
من جهة أخرى، قال نقيب الصحافيين ياسين الجلاصي في ندوة صحافية، الثلاثاء الماضي، إن المنظمات الحقوقية التي وقعت على بيان 11 يونيو (حزيران) 2021، ومن بينها نقابة الصحافيين واتحاد الشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، تتوجه إلى مقاضاة رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة، هشام المشيشي، على خلفية الأحداث التي ظهرت أخيراً في سيدي حسين.