في ظل التصعيد الذي تشهده الساحة السياسية في تونس، يبقى موضوع رفع الحصانة عن عدد من نواب الشعب، كغيره من المسائل لخلافية بين الرئاسات الثلاث، حلقة من حلقات الأزمة السياسية المتواصلة التي أرهقت البلاد اقتصادياً واجتماعياً.
ولمعرفة حقيقة توالي المعطيات المتناقضة في خصوص مطالب رفع الحصانة المقدمة لرئيس مجلس نواب الشعب أو لوزارة العدل، يقول النائب عن التيار الديمقراطي المعارض هيكل المكي، "إخفاء هذه المطالب من قبل رئاسة نواب الشعب يأتي في إطار جمع الملفات حول نواب فاسدين، وذلك من أجل ابتزازهم حتى يضمن الغنوشي بقاءه على رأس البرلمان".
ويعتقد المكي أن "النهضة ورئيسها راشد الغنوشي يحكمان من خلال مثل هذه الملفات واللعب عليها، سواء كان في القضاء أو في مجلس النواب من خلال الحصانة وابتزاز السياسيين أو رجال الأعمال بوجود ملفات تخصهم".
محاكمات شعبية
في اتصال بوزارة العدل، أكد المكلف الإعلام في الوزارة سفيان السهيلي، أنهم بصدد تجميع الملفات من وكلاء الجمهورية، والتدقيق في عددها، وأن المسالة تتطلب بعض الوقت لأن المطالب لا ترسل مباشرة لوزارة العدل، وأكد أن الوزيرة حسناء بن سليمان كانت واضحة في جوابها أمام نواب الشعب في هذا الشأن.
وخلال حضورها، منذ أكثر من شهر في جلسة استماع بلجنة النظام الداخلي والحصانة في البرلمان، ورداً على طلب نفاذ إلى المعلومة في عديد المراسلات وطلبات رفع الحصانة منذ سنة 2014 إلى 2021، أكدت بن سليمان أن الوثيقة التي تم تداولها تتضمن 53 نائباً، من بينهم نواب فقدوا صفتهم النيابية لأنهم ينتمون إلى الفترة النيابية السابقة، وكوزارة عدل، فإن دورها "يتعلق باستكمال الإجراءات لا التدخل في السلطة القضائية، وكوزارة ليس من دورها الحسم فيمن هو المدان ومن البريء، ولا تسهم في محاكمات شعبوية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن تصريحات وزيرة العدل لم تقنع رئيس الجمهورية ولا المعارضة، وفي هذا السياق، شدد رئيس الجمهورية قيس سعيد، لدى استقباله، السبت الماضي، 12 يونيو (حزيران)، كلاً من رئيس الحكومة المكلف تسيير وزارة الداخلية هشام المشيشي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، على ضرورة توجيه مطالب رفع الحصانة إلى المجلس النيابي ليتحمل كل واحد مسؤوليته، مشيراً إلى أن الحصانة وفرها القانون لضمان الاستقلال في القيام بالوظيفة التي يقوم بها، وليس للتحصن بها خارج هذا الإطار، حسب نص البلاغ الصادر عن مؤسسة رئاسة الجمهورية .
ودعا وزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان إلى القيام بدورها الذي أوكله لها القانون في إثارة الدعاوى العمومية، وقال رئيس الجمهورية، إن 25 طلباً حول رفع الحصانة أرسلتها وزارة العدل إلى مجلس النواب لم يتم النظر فيها، ملاحظاً أن بعض النواب المعنيين بطلبات رفع الحصانة ''موجودون في حالة تلبس وفرار".
ويرى مراقبون أن رئيس الجمهورية وجه في هذا الخطاب اتهامات ضمنية لرئاسة البرلمان بإخفاء هذه المطالب للمساومة بها لاحقاً.
غايات غير بريئة
من جهته، يقول النائب عن "حركة النهضة"، ومساعد رئيس البرلمان المكلف الإعلام ماهر مذيوب، إن مجلس النواب تلقى خلال الفترة الممتدة من 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 إلى حدود 14 يونيو، طلباً واحداً لا غير لرفع حصانة، مبيناً أنه خلال الفترة النيابية السابقة سُجل 17 مطلباً، ومؤكداً، في السياق نفسه، على ضرورة احترام المسار القانوني المحدد في التعامل مع طلبات رفع الحصانة الواردة على مجلس نواب الشعب.
أضاف مذيوب، "هذا اللغط الحاصل بخصوص رفع الحصانة، خلفه غايات غير بريئة لتشويه مجلس نواب الشعب، والتشكيك في التجربة الديمقراطية التونسية، وتقديم النواب على أنهم مجموعة من اللصوص"، ووصف مذيوب النواب الذين يدعون إلى حل البرلمان بأنهم "فاشلون، وأحزابهم فشلت في الانتخابات السابقة"، مضيفاً، "وترغب هذه الأحزاب هدم كل شيء وإعادة انتخابات أخرى"، ودعا مذيوب نواب الشعب إلى تحمل مسؤوليتهم أمام الشعب، وقال إن المجلس جدد دعوته إلى رئيس الجمهورية من أجل الحديث مع نواب الشعب، وتقديم مبادراته التشريعية من أجل حل الأزمة السياسية.
الجمهورية الثانية
ورأى المحلل السياسي هشام الحاجي أن "الجدل حول رفع الحصانة البرلمانية لعدد من أعضاء مجلس نواب الشعب جدل مغلوط، ويمثل بكل المقاييس ضرباً لأسس المواطنة ودولة القانون والمؤسسات، لأن الحصانة البرلمانية ليست امتيازاً بل هي ضمانة إضافية لعضو مجلس نواب الشعب حتى يمارس مهامه النيابية بمنأى عن الضغط"، معتبراً في الوقت نفسه أن "مؤسسي الجمهورية الثانية عقدوا الإجراءات، بما حول الحصانة البرلمانية، إلى امتياز وورقة تساعد على الإفلات من العقاب، ما يجعل مجلس نواب الشعب يتحول إلى منطقة إفلات من العقاب، ما انعكس سلباً على أداء عدد من نواب الشعب سواء تحت قبة البرلمان أو خارجه، على الرغم من أن أبسط قواعد دولة القانون تفرض خضوع جميع المواطنين للمساءلة القانونية متى اقتضى الأمر ذلك، وفي كل برلمانات العالم لا تمثل الحصانة البرلمانية امتيازاً، وفي حال وجود خلفية سياسية، فإن الجلسة العامة تفصل في الملف من خلال التصويت".
ورأى الحاجي أن "الجدل الحالي حول الملفات ودخول رئاسة الجمهورية بقوة على الخطط هو في تقديري انصراف عن مواجهة القضايا الحقيقية وعن انخراط تحول إلى منهجية في معارك هامشية، ودليل على أن إدارة الشأن العام تخضع للأهواء والمصالح أكثر من خضوعها للشفافية والقانون".