منذ أن بدأت السعودية عصرها الحديث المنفتح على الثقافات والمتصالح مع التاريخ، وهي تتحسس آثارها العتيقة، فبعد أشهر من اكتشاف مناطق أثرية مُذهلة تعرف بـ"مستطيلات الصحراء" تُعدّ من أقدم الآثار في العالم، أعلنت البلاد، أمس، أن "تيماء"، في شمال البلاد، كانت قبلة لقوافل فراعنة مصر قبل 3 آلاف سنة الذين وفدوا إليها للتزود بالبضائع الثمينة التي اشتهرت بها أرض مدين، كالبخور، والنحاس، والذهب، والفضة.
وأعلنت البلاد أنه من المتوقع أن تبدأ أعمال الحفائر بموقع "الملك رمسيس الثالث"، في شمال السعودية، في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، للكشف عن آثار الفراعنة والعلاقة التجارية بين البلدين قبل 3 آلاف عام.
تنقيب سعودي - مصري مشترك
هذا الاكتشاف الذي دعا رئيس هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة السعودية، جاسر الحربش، ووزير الآثار المصري الأسبق زاهي حواس، لعقد مؤتمر صحافي قالا فيه، إن علماء آثار مصريين وسعوديين يعتزمون البدء في مشروع عملاق في تيماء لتقصّي تلك الآثار وقصتها.
ويقول حواس في تصريحات صحافية، "العثور على آثار تخص رمسيس الثالث في السعودية أمر طبيعي، خصوصاً أن إحدى البرديات تقول إن الملك رمسيس الثالث أرسل بعثات تجارية لجلب النحاس من بلد مجاور، يعتقد أنه السعودية، لذلك من المتوقع العثور على آثار مصرية في الجزيرة العربية".
وقد تم اكتشاف نقوش فرعونية على أراضي السعودية لأول مرة، كما قالت هيئة الآثار السعودية لـ"اندبندنت عربية"، في عام 2011، "تم اكتشاف أول نقش هيروغليفي يعثر عليه حتى الآن في السعودية على صخرة ثابتة ويحمل توقيع ملكي – خرطوش - لأحد ملوك مصر الفراعنة، وهو رمسيس الثالث الذي حكم مصر بين سنوات 1192 - 1160 قبل الميلاد".
وبحسب الهيئة، "يؤكد هذا النقش وجود مبادلات تجارية مباشرة بين مصر والجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وأن القوافل المصرية كانت تفد إلى تيماء قبل 3200 سنة للتزود بالبضائع النفيسة مثل الذهب والفضة والنحاس والبخور".
اكتشاف يقود لألغاز أخرى
كما أن اكتشافه يطرح تساؤلاً كبيراً عن السياق الحضاري الذي يمكن أن يفسر به وجود مثل هذا "الخرطوش" في عمق الشمال الغربي للجزيرة العربية، ولمعرفة ذلك أجرى علماء الآثار السعوديون بحثاً ميدانياً ومكتبياً توصلوا من خلاله إلى وجود طريق تجاري مباشر يربط وادي النيل بتيماء، كان مستخدماً في عهد الفرعون رمسيس الثالث في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وتسير عليه القوافل المصرية للتزود من تيماء بالبضائع الثمينة التي اشتهرت بها أرض مدين مثل البخور والنحاس والذهب والفضة، بحسب الهيئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاهتداء لهذا الطريق والاكتشاف الذي يتوقع أن يدفع علماء الآثار لحمل حقائبهم نحو الدولة الخليجية، سيشكل نقطة تحول في دراسة جذور العلاقات الحضارية بين مصر والجزيرة العربية، وهذا الطريق لم يستخدم لمناسبة واحدة، إذ تضيف هيئة الآثار السعودية، "هناك مزيد من المعلومات سيتم الكشف عنها في المستقبل. ويتوقع أيضاً وجود خراطيش أخرى على مسار طريق رمسيس الثالث، أو لغيره من ملوك مصر، في منطقة حسمي التي تفصل وبطول 400 كم بين تيماء ورأس خليج العقبة، وتتميز بواجهاتها الصخرية بديعة التشكيل والصالحة للكتابة والنقش".
ويتوقع علماء الآثار السعوديون أن يقود هذا الاكتشاف لمزيد من النقوش المماثلة في المنطقة، حيث من المقرر أن تبدأ الرياض بالتنسيق مع الجهات المعنية في القاهرة تنفيذ عدد من المشاريع المشتركة المستقبلية في عدد من المواقع الأثرية بالبلاد من ضمنها "تنفيذ مسح أثري شامل لمنطقة شمال غربي السعودية بهدف الكشف عن الطريق التجاري التاريخي الذي كان يربط بين الجزيرة العربية ومصر".
المستطيلات الأقدم في العالم
وكشفت الدولة التي تزيد مساحتها على مليوني كيلو مربع في مايو (أيار) الماضي، عن أنها توصلت لاكتشاف مذهل عبارة عن هياكل حجرية تعرف بـ"المستطيلات" تعد الأقدم في العالم.
وكان ذلك بعد أن أثارت دراسة نشرتها جامعة كامبريدج البريطانية اهتماماً عالمياً كبيراً تقول إن باحثين توصلوا إلى أن "ثمّة آلافاً من الهياكل الأثرية المبنية من جدران صخرية شمال السعودية يزيد عمرها على 7000 عام، هي أقدم من الأهرامات المصرية، والدوائر الحجرية القديمة في بريطانيا، وهو ما يجعلها "أقدم منظر طبيعي أثري تم تحديده على الإطلاق"، كما جاء في الدراسة.
آثار أقدام بشرية تعود لـ120 ألف عام
ليس هذا وحسب، فالسعودية التي دعتها اكتشافات المنقبين عن كنوز أرضها لإنشاء هيئة مستقلة تعنى "بالآثار"، توصلت أواخر العام الماضي لاكتشاف آثار أقدام بشر وفيلة وحيوانات مفترسة حول بحيرة قديمة جافة على أطراف تبوك (شمالي البلاد) يعود تاريخها لأكثر من 120 ألف عام. وهذا، كما يقول، رئيس هيئة التراث في البلاد، "يمثل الدليل العلمي الأول على أقدم وجود للإنسان على أرض الجزيرة العربية، كما أنه يقدم لمحة نادرة عن بيئة الأحياء أثناء انتقال الإنسان بهذه البقعة من العالم".
وبالحديث عن السعودية وآثارها، يتبادر إلى الأذهان ما تسوقه الدولة الخليجية بصفته جوهرة التاج لمشروعها السياحي، مدينة العلا، أول المواقع السعودية التي تنضم لقائمة التراث العالمي عام 2008، والتي تضم 153 واجهة صخرية منحوتة ونقوش أثرية أصبحت واجهة للكثير من السياح والمهتمين بالآثار.