سيطرت حركة "طالبان" الثلاثاء 22 يونيو (حزيران) على أبرز معبر حدودي مع طاجيكستان في شمال أفغانستان، وهو محور حيوي في العلاقات الاقتصادية مع آسيا الوسطى في أوج انسحاب القوات الأميركية من البلاد، في حين حذّرت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة الخاصة في أفغانستان ديبورا ليونز، من أن تصاعد الصراع بالبلد "يعني تزايد الخطر الأمني في كثير من الدول الأخرى، سواء القريبة أو البعيدة".
وبات المتمردون يسيطرون على أبرز مركز حدودي وطرق المرور الأخرى مع طاجيكستان وكذلك على المناطق المؤدية إلى قندوز، كبرى مدن شمال شرقي البلاد، وفق ما قال مسؤولون محليون لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأكد العضوان في المجلس المحلي عمر الدين والي وخالد الدين حكمي أنه تمت "السيطرة على معبر شير خان" الذي يربط أفغانستان ببقية آسيا الوسطى "وعلى كل المعابر الحدودية الأخرى بعد ساعة من القتال".
وأوضح ضابط في الجيش الأفغاني رفض الكشف عن اسمه أن "حركة طالبان بدأت الهجوم الليلة الماضية، وفي الصباح كان عناصرها في كل مكان بالمئات". وأضاف، "لقد اضطررنا إلى التخلي عن كل مواقعنا وكذلك عن المعبر الحدودي. عبر بعض جنودنا (الحدود) إلى طاجيكستان" لكي يحتموا.
وقال الناطق باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد لوكالة الصحافة الفرنسية، إنهم "بصدد إعادة وضع إلى طبيعته" على الحدود. وحرص أيضاً على "طمأنة" طاجيكستان، قائلاً "لا نضمر لها أي شر وسنحرس الحدود من الجانب الأفغاني".
سقوط أكثر من 50 إقليماً
وفي الأمم المتحدة، اعتبرت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة أن "الاختراقات الأخيرة" للحركة "تثير القلق"، وقالت خلال جلسة عبر الفيديو الثلاثاء لمجلس الأمن، دعت إليها إستونيا وشارك فيها عدد من الوزراء، "إذا استمرت الحملة العسكرية سيكون ذلك مأساوياً".
وأضافت ليونز، "سقط أكثر من 50 من أصل 370 إقليماً منذ بداية مايو (أيار). غالبية الأقاليم التي تمت السيطرة عليها تحوط بالعواصم الإقليمية، ما يعني أن طالبان تتموضع في محاولة للاستيلاء على هذه العواصم، ما أن يُنجز انسحاب القوات الأجنبية".
وقالت مبعوثة الأمم المتحدة إن الإعلان هذا العام عن انسحاب القوات الأجنبية أحدث "زلزالاً" في أنحاء أفغانستان، مضيفةً أنه على الرغم من أن ذلك كان مرتقباً فإن "سرعته وانسحاب معظم القوات بالفعل في الوقت الراهن" لم يكن متوقعاً. وأضافت، "كل القضايا الرئيسة، السياسة، الأمن، عملية السلام، الاقتصاد، الطوارئ الإنسانية وبالطبع كوفيد-19، جميعها تمضي في اتجاه سلبي أو تعثرت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت ليونز أن "صون حقوق النساء هو أولوية" وينبغي "عدم استخدامه كورقة مقايضة على طاولة المفاوضات"، مشددةً على أن "حقوق النساء والرجال والأفراد غير قابلة للتفاوض".
وقالت إن "هناك اتجاهاً واحداً مقبولاً بالنسبة إلى أفغانستان... الابتعاد عن ساحة القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات". وأضافت، "يتعين على مجلس الأمن بالأمم المتحدة، بدعم من دول المنطقة، بذل كل ما في وسعه لدفع الأطراف في هذا الاتجاه".
وزير الخارجية الأفغاني محمد حنيف أتمار، ذكّر من جهته بأن الرئيس أشرف غني اقترح "بنيّة حسنة" خطة سلام لوقف إطلاق النار وتقاسم السلطة وإجراء انتخابات مبكرة. وقال أمام مجلس الأمن، "منذ نحو عشرة أشهر حتى الآن، لم نتلقَّ أي مشاركة جادة من طالبان من أجل مفاوضات سلام حقيقية ولا أي رد على خطتنا المقترحة للسلام ولا مقترحات مضادة على الإطلاق".
ونبّهت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بدورها إلى أن بلادها لن تعترف بحكومة أفغانية تُفرض بالقوة.
وقالت إن قرار سحب القوات الأميركية لم يتخذ عبثاً، مضيفةً أمام مجلس الأمن، "سنستخدم جميع أدواتنا الدبلوماسية والاقتصادية والمساعدات بالكامل لدعم المستقبل السلمي والمستقر الذي ينشده الشعب الأفغاني ويستحقه وسنواصل دعم قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية في تأمين بلادها".
تطويق قندوز
وفي مواجهة التقدم المباغت لـ"طالبان" في الشمال، أرسلت وزارة الدفاع الليلة الماضية تعزيزات بمئات الرجال إلى قندوز وغالبيتهم من "كوماندوس" قوات خاصة، وفق ما أفاد مسؤول.
وهذه العاصمة الإقليمية الواقعة على بعد 50 كيلومتراً من الحدود، سبق أن سقطت مرتين عامي 2015 و2016 في أيدي المتمردين، وهي الآن مطوّقة.
وقال مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في المكان إنه سمع إطلاق نار في وسط المدينة، ما يدل على وجود المتمردين على مسافة قريبة.
وبحسب الناطق باسم غرفة التجارة والصناعة في قندوز مسعود وحدات، "كان هناك 150 شاحنة محملة بالبضائع حين سقطت شير خان. ليس لدينا أي أخبار، ستكون خسارة مالية هائلة في حال فقدت هذه البضائع في المعارك".
وعبور الحدود يتم عبر جسر فوق البانج، نهر يتيح ربط كابول بدوشانبي، عاصمة طاجيكستان وبقية أنحاء آسيا الوسطى. وأدى تدشينه عام 2007 إلى تعزيز التبادل التجاري الإقليمي بشكل كبير.
خسارات سريعة للجيش الأفغاني
وتكثف "طالبان" هجماتها الميدانية منذ بدء انسحاب القوات الأميركية في مطلع مايو، الذي يفترض أن ينتهي بحلول 11 سبتمبر (أيلول)، بعد 20 عاماً في أفغانستان. كما تعتزم قوات غير أميركية تبلغ نحو سبعة آلاف فرد، تشمل بشكل أساسي قوات من بلدان أعضاء في حلف شمال الأطلسي وأستراليا ونيوزيلندا وجورجيا، مغادرة أفغانستان بحلول ذلك التاريخ.
والاثنين، لمح البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) إلى أن العمليات التي تتقدم بسرعة كبيرة يمكن أن تُبطأ عمداً لمواجهة هذه الهجمات المتكررة مع احترام استحقاق 11 سبتمبر لتحقيق انسحاب كامل.
ودعا الرجل القوي في الشمال، الحاكم السابق لولاية بلخ محمد عطا نور، الثلاثاء، الحكومة إلى إعلان "تعبئة وطنية" للتصدي لهجمات "طالبان".
ويتعرض الجيش الأفغاني للهجوم من كل الجهات، لا سيما في الولايات الشمالية، من الشرق إلى الغرب، قندوز وبغلان وبدخشان وفارياب وميمنة، ويخسر ميدانياً بوتيرة سريعة جداً.
وتكبّد في الآونة الأخيرة خسائر كبرى شملت أيضاً صفوف قوات النخبة لديه واضطر إلى التخلي عن مراكز متقدمة محاصرة في مناطق نائية.
وحركة "طالبان" موجودة اليوم في كل الولايات الأفغانية وتطوّق مدناً كبرى عدة كما فعلت في التسعينيات للسيطرة على كل أراضي البلاد تقريباً بغية فرض نظام إسلامي متشدد أطاح به التدخل الأميركي عام 2001.
وأكد مسؤول في "طالبان" مجدداً الأحد الرغبة بإقامة "نظام إسلامي حقيقي من خلال المفاوضات"، لكن المحادثات بين الأطراف الأفغانية التي بدأت في سبتمبر الماضي بالدوحة عاصمة قطر، متوقفة.