أنهت الأسواق الأميركية في "وول ستريت" بولاية نيويورك تعاملات الأسبوع الحالي، على ارتفاع، وذلك للأسبوع الثاني على التوالي، لتنهي شهر يونيو (حزيران) بأداء جيد، على عكس المعدل التاريخي لهذا الشهر من كل عام. ويبدو أن تأثير أزمة وباء كورونا ما زال قوياً، في تغيير معايير تقليدية عدة في الاقتصاد العالمي. وبناءً على خبرة السنوات والعقود الماضية، غالباً ما يكون أداء الأسواق في شهر يونيو ضعيفاً، مع نهاية النصف الأول من العام، لكن يبدو أن يونيو سيكون شهراً إيجابياً هذا العام.
وأغلقت المؤشرات الرئيسة في "وول ستريت" تعاملات نهاية الأسبوع، يوم الجمعة، على ارتفاع، ما عدا مؤشر "ناسداك" لشركات التكنولوجيا. وأضاف مؤشر "داو جونز" للشركات الصناعية نسبة 0.7 في المئة، بينما انخفض "ناسداك" بشكل طفيف بنسبة 0.1 في المئة. وكان الأفضل أداءً، يوم الجمعة، مؤشر "أس أند بي" للشركات الكبرى، إذ ارتفع بنسبة 1.3 في المئة.
وكانت المؤشرات كلها قد شهدت ارتفاعاً منذ الخميس (24 يونيو)، بعد الإعلان عن اتفاق إدارة الرئيس جو بايدن مع فريق أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) على حزمة تمويل لخطة البنية التحتية بنحو تريليون دولار. وجاءت أرقام وزارة التجارة الأميركية حول التضخم الجمعة، لتضيف إلى المناخ الإيجابي في السوق، فعلى الرغم من ارتفاعها، فإنها جاءت متسقة مع توقع أن يكون ارتفاع معدل التضخم الحالي مؤقتاً.
وهكذا، أنهت المؤشرات الأسبوع الأخير من يوينو مرتفعة. وفي المتوسط الأسبوعي، ارتفع مؤشر "داو جونز" بنسبة 3.4 في المئة، وهو أفضل ارتفاع أسبوعي للمؤشر منذ منتصف شهر مارس (آذار) الماضي. وارتفع مؤشر "أس أند بي" بنسبة 2.7 في المئة، وهي أعلى نسبة ارتفاع أسبوعي منذ فبراير الماضي. كما ارتفع مؤشر "ناسداك" بنسبة 2.4 في المئة في أفضل أداء صعوداً منذ الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي.
تراجع مخاوف التضخم
ومن أسباب الأداء الجيد للأسواق، بالإضافة إلى الإعلان عن اتفاق خطة البنية التحتية، استيعاب الأسواق لقرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي في الأسبوع السابق. وهدأت الأسواق في شأن مخاوف التضخم، على الرغم من قرار الاحتياطي الفيدرالي بتقديم الموعد المحتمل لتغيير السياسة النقدية من عام 2024 إلى 2023. إلا أن تصريحات رئيس الاحتياطي، جيروم باول، طمأنت الأسواق، حين أكد أن البنك المركزي لن يرفع أسعار الفائدة استناداً إلى أرقام التضخم فقط. ويعني ذلك أن البنك ينظر إلى عوامل عدة من أهمها سوق العمل وتراجع معدلات البطالة ليضمن أن التعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا، قوي ومستدام قبل أن يفكر في تغيير السياسة النقدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أن بعض الأرقام التي صدرت خلال الأسبوع، عززت وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي بأن موجة التضخم الحالية "انتقالية"، أي إنها ليست مستدامة، وهي ناجمة عن الانكماش الشديد في عام الوباء في 2020. وحسب بيانات وزارة التجارة الجمعة، ارتفع مؤشر الأسعار لإنفاق الفرد الاستهلاكي لشهر مايو بنسبة سنوية 3.4 في المئة. ويفضل البنك المركزي هذا المؤشر لقياس معدل التضخم، لأنه يستبعد أسعار الطاقة والغذاء. وبإضافة أسعار الطاقة والأغذية (المؤشر الأشمل)، ارتفع مؤشر الأسعار لإنفاق الفرد الاستهلاكي بمعدل سنوي بنسبة 3.9 في المئة. أما بالمعدل الشهري، فكان الارتفاع في المؤشر الأشمل لشهر مايو عند نسبة 0.5 في المئة، بينما كان المحللون يتوقعون زيادة بنسبة 0.6 في المئة على الأقل، ونسبة 0.4 في المئة للمؤشر الأشمل، وهو ارتفاع طفيف مقارنةً بالارتفاع الكبير للمؤشر في أبريل.
ويعد مؤشر الأسعار لانفاق الفرد الاستهلاكي مؤشراً على معدلات التضخم، ربما أفضل من مؤشر أسعار المستهلكين لوزارة العمل الأميركية، ذلك لأنه يعكس أيضاً التغيرات في سلوك المستهلكين على نطاق أوسع.
أضف إلى ذلك أن انفاق المستهلكين لم يشهد ارتفاعاً في شهر مايو، بل على العكس، تراجع مقارنةً بشهر أبريل. فقد انخفض الانفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة بنسبة 2 في المئة في شهر مايو، بينما كان الاقتصاديون والمحللون يتوقعون ارتفاعه، حتى مع توقع تراجع الدخل بنسبة 2.7 في المئة.
سوق العمل
وسيكون المحرك الأساسي للأسواق الأسبوع المقبل، مجموعة من البيانات والأرقام المتعلقة بالاقتصاد الكلي، في الولايات المتحدة وأوروبا. إنما الأهم بينها فسيكون أرقام الوظائف في الولايات المتحدة بنهاية الأسبوع، حيث إن أي تغير إيجابي قوي في سوق العمل سيضيف إلى مخاوف التضخم وتوقع احتمال تغيير الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية، أي رفع سعر الفائدة أسرع من المقدر حالياً.
ويتوقع المراقبون والاقتصاديون أن يضيف الاقتصاد الأميركي نحو 700 ألف وظيفة في شهر يونيو، ليعادل الإضافات الضعيفة في الأشهر الثلاثة الماضية. وكانت أرقام الشهر الماضي جاءت أقل من التوقع حين أضاف أكبر اقتصاد في العالم 559 ألف وظيفة، بينما كانت التوقعات بأن يضيف نحو مليون وظيفة.
كذلك تنظر السوق إلى أرقام الناتج الصناعي، وغيره من الأرقام التي سيدل عليها صدور مؤشرات مديري المشتريات لشهر يونيو في الأيام الأخيرة من الأسبوع المقبل، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا أو بريطانيا. وتنتظر السوق تلك المؤشرات كونها دليلاً مهماً على مدى التعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا، وذلك عامل مهم بالنسبة إلى البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة لكي تقرر بشأن السياسات النقدية.