ردود الفعل على اتجاه المملكة المتحدة لرفع القيود والتدابير التي فرضت لمواجهة كوفيد-19 تبدو منقسمة بين معسكرين كبيرين في أوساط أصدقائي. إذ ثمة المتحمسون والمتشوقون لرفع القيود والعودة بأسرع بوقت ممكن إلى الحياة قبل الجائحة، وثمة في المقابل من هم قلقون تجاه الأمر.
طبعًا هذه المقاربة تتسم بالتعميم، إذ هناك فوارق وتنويعات كثيرة في الآراء. لكن بغض النظر عن ذلك، فقد لاحظت أنني لا أنتمي إلى أي من المعسكرين. بل إنني خلال مرحلة الإغلاق، وإبان الأشهر القليلة الماضية، كنت أتأرجح على نحو متواصل بين المعسكرين المذكورين، والشك والتردد باتا "طبيعتي الجديدة". تمر عليَّ أيام وأنا أتوق إلى الوقت الذي سيسمح لنا من جديد فيه بالعودة إلى السهر في أندية الليل. علماً أنني قبل حلول الجائحة كنت بلغت مرحلة لم أعد فيها أحب تلك الأندية. لكن مذ غدا السهر في هذه الأمكنة محظوراً، صرت أتشوق باستمرار لأن أكون ضمن جمهور ساهرين حار ومتعرق ودبق، لأن أصرخ من الإثارة بين أصدقائي، في حلبات الرقص الصادحة بأغنياتنا المفضلة.
وحلمت بحمامات أمكنة السهر، حيث ورق المراحيض نافد على الدوام، والأرض تفيض بسوائل لا أحد يود أن يعرف مصدرها. إلا أن هذه الأمكنة مثلت المواضع التي خضت فيها أكثر أحاديث حياتي حميمية، مع غرباء تعرفت إليهم في رتل الانتظار قرابة الثانية فجراً.
على هذا المنوال، وخلال الأشهر القليلة الماضية، فإن كل ما احتجته كان معانقة أصدقائي، علماً أنني في الأصل لست من هواة العناق. وكم تقت للأيام التي سيتسنى لنا فيها السفر إلى الخارج من جديد. وكنت في أغلب الوقت أحلم بالعودة إلى لندن، المدينة التي لم أعش فيها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بيد أنني، في أيام أخرى، رحت أستغرق بشعور الخوف والقلق من فكرة اتجاه كل الأشياء للعودة إلى الحياة الاعتيادية. وكنت قبل أيام واجهت مسألة معانقة جدتي للمرة الأولى (بعد الجائحة)، وهو الأمر الذي تقت إليه منذ بداية كورونا. لكنني شعرت أنه لن يكون بوسعي القيام بهذا العناق، على الرغم من تلقي جدتي اللقاح بجرعتيه (على أمل أن أتلقاه بدوري قريبًا). إذ إن فكرة القيام باحتكاك جسدي كهذا، مع شخص أردت بكل جوارحي حمايته مهما كلف الأمر، بدت مرعبة بالنسبة إليَّ.
حتى في مسألة العودة إلى السكن في لندن تنازعني، في غضون يوم واحد، شعوران متناقضان من الحماسة والخوف. وإذ مثلت فكرة العودة إلى لندن، من جهة، مصدر إثارة بالنسبة إليَّ، فإنها كانت قادرة، في المقابل، على التسبب بمقدار مماثل من الذعر الخانق في نفسي. "لا أستطيع أن أفعلها" رحت أقول، مرة تلو الأخرى. "فأنا لست جاهزة لذلك".
بدوت كأنني عاجزة عن التيقن بحقيقة شعوري تجاه أي أمر، لكنني للمفارقة، قررت أنني لا أحتاج إلى هذا اليقين.
ونحن جميعاً خلال الجائحة كان علينا تعديل أسلوب تفكيرنا. كان علينا تعليم أنفسنا على اعتبار كل احتكاك جسدي يومي (مع الآخرين) يمثل مصدراً محتملاً للخطر، وأن التقارب بين البشر هو أمر ينبغي تلافيه. لقد لقنَّا أنفسنا ارتداء الكمامات، واستخدام معقمات الأيدي في روتيننا اليومي، قبل مغادرة المنزل – "هل أحضرنا المفاتيح؟ والهاتف؟ والحقيبة؟ والكمامة؟"، كما كان علينا، بسرعة قياسية، إدخال جمل جديدة في مصطلحاتنا كـ "المباعدة الاجتماعية".
البدء بعكس مسار تلك العملية (التي مررنا بها) سوف يتطلب وقتاً، خصوصاً في ضوء التردد الحكومي المستمر والرسائل المتناقضة الصادرة (عن المسؤولين). كل شخص منا سيكون مختلفاً. بعضنا سيتمكن على الفور من العودة إلى نمط حياته قبل الجائحة، بعضنا الآخر، أمثالي، ستتطلبه تلك العودة وقتًا وعملية أطول. إذ من جهتي لا أرى أمر التوقف عن رؤية المخاطر في كل مكان أمراً سهلاً، وذاك يماثل الرغبة بأيام يمكننا فيها نسيان الخطر كليّاً. إلا أنني سوف أتوقف عن توبيخ نفسي على ترددي. فنحن جميعاً نقوم بالتكيف مع رفع تدابير الإغلاق، كل على طريقته الخاصة، ونقترب من 21 يونيو (حزيران) (موعد رفع كل القيود) وننتظر كي نرى إن كان المتحور "دلتا" سيؤثر في خارطة طريق رفع الإغلاق كلياً. ويصادف أن الشك والتردد يمثلان طريقتي في التعامل مع المسألة. أعتقد أن هذه الطريقة شائعة أكثر مما كنت أظن. هنا، ولكل شخص يشعر بالإنهكاك من هذا التردد، أقول له: لست وحدك. لنمنح الأمر وقتاً.
© The Independent