تقدمت فجر التاسع من مايو (أيار) مجموعة مسلحة متطرفة نحو بلدة غدوة الواقعة على مسافة 60 كيلومتراً جنوب سبها عاصمة الجنوب الليبي، ونفذت عملية قتلت فيها ثلاثة مواطنين وأحرقت 10 منازل لعائلات من البلدة بعد أن جرى إخراجها عنوة منها، هذا الهجوم الذي يُنْسبُ لتنظيم داعش على البلدة يعتبر الخامس، في سلسلة هجمات شنها الأخير على غدوة التي تعتبر إحدى أهم البلدات المؤيدة لعملية الجيش الليبي في الجنوب.
عمليات داعش تهدف لاستنزاف الجيش
منذ دخول الجيش على خط المشهد الجنوبي في 18 يناير (كانون الثاني)، استجمعت المجموعات المناوئة له قواها، وبدأت في تنفيذ عمليات تهدف لاستنزاف قدرات الجيش الوطني وإنهاك وحداته، كما سعت من خلال عملياتها إلى إرهاب السكان المحليين، ودفعهم إلى أن يكونوا أكثر سلبية في تعاطيهم مع المشهد الجديد.
أفراد داعش بالجنوب ليسوا من أبنائه
ويقول مصدر أمني من مديرية الأمن الوطني بسبها لـ "اندبندنت عربية"، إن الجماعات المتطرفة في الجنوب معظمها جاء من خارج المنطقة، ويمكن أن نضعها في ثلاثة تصنيفات، الأول يتمثل بجماعات داعش ومن في حكمها والتي كانت في شمال البلاد خصوصاً بنغازي ودرنة وسرت، حيث فر الكثير من منتسبيها إلى الجنوب نتيجة ضغط قوات الجيش التي نجحت في إنهاء وجودها هناك.
أما التصنيف الثاني فهو من الجماعات المتطرفة الآتية من خارج البلاد وتحديداً الجزائر ومالي ونيجيريا، فالصحراء الممتدة بين هذه الدول وليبيا مهدت لوصول هؤلاء للجنوب، الذي يعتبر خارج سيطرة الدولة المركزية إلى وقت قريب، وهو بالتالي يعتبر مكاناً جيداً للتخفي والتربص.
والتصنيف الأخير يتمثل بالجماعات المسلحة المحلية المناوئة للجيش، وهذه الأخيرة لا تمانع في التحالف مع أي جهة في سبيل أن تضرب وجود الجيش في المنطقة وتُسرِع في إنهاء وجوده فيها، ولعل أسبابها في ذلك تعود إلى رغبتها في استرجاع نفوذها الذي تقلص بوجود القوات المسلحة، وأيضاً بسبب بعض النعرات والعصبيات والحسابات القبلية المحلية.
هل يتمكن داعش من إيجاد قاعدة له؟
ولكن يظل التساؤل عن مدى قدرة تنظيم داعش على إنشاء كيان له في الجنوب، وهو ما يستبعده عضو هيئة التدريس بجامعة سبها مسعود عبد القادر، الذي أوضح أن مناطق الجنوب تعتبر مفتوحة ومكشوفة، وهي بعيدة من المنافذ البحرية، والصحراء فيها لا تساعد على التواصل الدائم والمنتظم. وهذا الانكشاف والظهور في كيان مستقل وواضح المعالم سيجعل التنظيم هدفاً سهلاً للجهات التي تسعى لمحاربته، أي أنه لن يجد منطقة جبلية وعرة لاستخدامها في الحرب، كما لن يجد منافذ حدودية قريبة تساعده على تدبير الإمدادات وضمان تدفق المال والسلاح بشكل سلس، وهو ما كان متوافراً له في بنغازي ودرنة وسرت.
ويضيف عبد القادر أن الجنوب لا توجد فيه حاضنة اجتماعية للتنظيمات الإرهابية، فمعظم السكان هنا تشربوا بالعقلية الرافضة للتطرف والإرهاب، ولم تسجل أية عمليات إرهابية كان فيها أفراد من الجنوب، حتى أبناء المنطقة الذين انضموا إلى تنظيمات مسلحة لا يتمتعون بشعبية اجتماعية في قبائلهم، موضحاً أن النظام القبلي الصارم يلعب دوراً مهماً في عدم حصول التنظيمات المتطرفة على الحاضنة المطلوبة لإيجاد كيان مستقل لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إقليم فقير خدماتياً
ويمكننا أيضاً أن نتحدث هنا عن فقر إقليم الجنوب من ناحية الخدمات الأساسية، والتي يعتمد فيها على الأقاليم الأخرى في البلاد، فالمرتبات والكهرباء والمواد الغذائية والوقود لا توجد في الجنوب، بل تأتيه على شكل إمدادات من طرابلس، وأحياناً من برقة في شرق البلاد، وهو ما يجعل المنطقة في حاجة دائمة لغيرها، ولن تستطيع أي جهة الاستقلال بها من دون أن تدخل في أزمة إنسانية، ولن تكون الأخيرة مشجعة للتنظيمات الإرهابية التي لا تريد أن تضع نفسها في هذا المنزلق.
ولكن هذا لن يمنع هذه الجماعات من مواصلة عملياتها في الجنوب، فهي في آخر المطاف ستسعى لتحقيق تقدم على الجيش في نقاط مهمة، كما أن تحالفها مع الجماعات المسلحة المحلية المناوئة للجيش جعلها في حاجة دائمة للمزيد من العمليات، والتي تنفذ غالبيتها في الليل وفي نقاط بعيدة من المراكز الحضرية في المنطقة، ولعل أهم عمليتين نفذتهما الجماعات المتطرفة كانت عملية اقتحام قاعدة تمنهنت، وعملية الهجوم على معسكر الكتيبة 160 مشاة التابعة للجيش.
وتكمن أهميتهما في أنهما كانتا في سبها عاصمة الجنوب، كما أنهما استهدفتا مراكز أمنية شديدة الأهمية في الجانب العسكري، وكشفتا مدى هشاشة الوجود العسكري الحالي للجيش في الجنوب، ومدى قدرة هذه الجماعات على توجيه ضربات قوية وموجعة لوحداته.
التنظيم يتبنى كل العمليات
وعلى الرغم من أن معظم العمليات التي استهدفت الجيش في الجنوب لم تكن من مسؤولية داعش جميعها، غير أن الأخير يُفضِلُ تبنيها كلها، فهي بحسب عضو الغرفة الأمنية المشتركة بسبها علي سعيد، ستعطيه هالة أكبر مما يبدو عليه وضعه في الجنوب، كما توصل صورة للعالم حول مدى قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات في مختلف أنحاء العالم وفي أوقات متقاربة، ولعل علاج ذلك يكمن في وضع خطة أمنية تستهدف القضاء على العناصر المتطرفة في المنطقة، وهذا يحتاج تدخلاً واضحاً من القيادة العامة للجيش، التي تقع على عاتقها مسؤولية المحافظة على مكتسباتها الأمنية التي حققتها في وقت قصير جنوب ليبيا، وألا تشغلها حرب طرابلس عن معالجة ملف الإرهاب الذي قد يستفحل في الجنوب.
ولكن الحرب في طرابلس لا توفر جهداً لغيرها، فالأحداث هناك تتسارع، ويبدو أن الحرب هناك ستطول بعد أن تجاوزت 35 يوماً، وهو ما يجعل أهل الجنوب في ترقب وانتظار لما قد تسفر عنه هذه المعركة، فخسارة الجيش فيها تمثل انتصاراً للجماعات المتطرفة ومن في حكمها لتتوغل على مدن المنطقة وقراها.