في المملكة المتحدة، توصلت دراسة حديثة إلى أن أخذ جرعة ثالثة من لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا" يعزز "بقوة" مناعة المطعمين ضد "كوفيد- 19" والمتحورات المختلفة من كورونا- على الرغم من أن العلماء لم يتأكدوا بعد من الحاجة الماسة إلى اللقاحات المعززة.
إعطاء جرعة ثالثة بعد مضي أكثر من ستة أشهر على أخذ الجرعة الثانية يرفع عدد الأجسام المضادة في الدم إلى المستويات عينها التي تولدت في الجسم عقب التطعيم المزدوج.
كذلك وجد العلماء، عقب الجرعة الثالثة، زيادة في الأجسام المضادة القادرة على تحييد متحورات "ألفا" و"بيتا" و"دلتا"- علماً أن النوعين الأخيرين قادران على الإفلات جزئياً من الاستجابة المناعية التي يولدها اللقاح.
ولكن على الرغم من النتائج المذكورة، قالت البروفيسورة تيريزا لامب، كبيرة الباحثين في الدراسة، "ليس معروفاً ما إذا كان المطعمون سيحتاجون إلى جرعات معززة بسبب تضاؤل المناعة (مع مرور الوقت) أو بغية دعم المناعة ضد المتحورات المثيرة للقلق من الفيروس".
الوزراء في الحكومة البريطانية من جهتهم، يعملون على افتراض أن الفئة العمرية فوق الخمسين سنة والفئات الضعيفة سريرياً ستحتاح إلى جرعة ثالثة، وفق مصدر حكومي.
واتضح أن مستويات الأجسام المضادة لـ"كوفيد- 19" المحمولة في دماء الأشخاص الذين أخذوا الجرعتين المطلوبتين تروح تتضاءل طوال أكثر من 300 يوم، في حين أن الخلايا التائية T-cells، التي تسعى وراء الخلايا المصابة في الجسم وتقتلها، انخفضت أيضاً بعد مضي 182 يوماً على أخذ اللقاح، حسبما أظهرت الدراسة التي اضطلعت بها "جامعة أكسفورد".
ولكن مع ذلك، قال كل من البروفيسورة لامب وزميلها أندرو بولارد، الباحث الرئيس في تجربة لقاح "أكسفورد"، إن البيانات المستقاة من الواقع (من أشخاص مطعمين) أظهرت أن من أخذوا اللقاحات محميون من المرض الشديد الذي ربما يتسبب به كورونا، ومن دخول المستشفى والوفاة.
"على الرغم من "أننا نشهد انخفاضاً في تركيزات (مستويات) الأجسام المضادة... واضح أن ثمة جانباً آخر من الاستجابة المناعية يؤدي دوراً مؤثراً"، على ما قالت البروفيسورة لامب.
ولكن مع توافر جرعتين تحولان حاضراً دون دخول ما يربو على 90 في المئة من مصابي "كوفيد" إلى المستشفيات، أشار البروفيسور بولارد إلى أنه "من الصعب أن نعرف" ما إذا كانت جرعة ثالثة قادرة على أن ترفع النسبة المئوية قليلاً بعد.
وأضاف، "نتوقع أن تبدأ مستويات المناعة بالتضاؤل بمرور الوقت لأن هذا الأمر يحدث فعلاً. لن نعود (الأشخاص المطعمون) إلى المستوى صفر من الحصانة، ولكن المستويات التي يمكننا قياسها في الدم ستنخفض بمضي الوقت".
"بيد أن أجهزتنا المناعية أكثر ذكاءً من أن نكتفي بالنظر إلى هذه الأرقام فحسب"، كما يشرح بولارد، موضحاً أن "جهاز المناعة يتذكر أننا أخذنا التطعيم. لذا، حتى لو طاولنا الفيروس بعد مرور بضعة أشهر على تلقّي الجرعة التحصينية، سيتذكره الجهاز المناعي، ويبدأ مجدداً بتوليد استجابات مناعية أقوى ستحمي، كما نأمل، معظم الناس من المرض الشديد"، جراء الإصابة بـكورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الدراسة، طُلب من متطوعين تتراوح أعمارهم بين 18 و55 سنة كانوا شاركوا في التجارب السريرية الأولى التي خضع لها لقاح "أكسفورد" العام الماضي، أن يتقدموا مجدداً لأخذ جرعة ثالثة.
في المجموع، أُعطي 90 مشاركاً جرعة معززة (ثالثة) بعد مرور 30 أسبوعاً على أخذ الجرعة الثانية، ما أفضى إلى "زيادة كبيرة" في الأجسام المضادة و"تعزيز قوي" في المناعة ضدّ "سارس- كوف- 2"، الفيروس المسبب لـ"كوفيد- 19". كذلك تعززت استجابات الخلايا التائية بعد الجرعة الثالثة.
وقال بولارد إن نتائج الدراسة قدمت "درجة أكبر من الوضوح" بشأن ما يُسمّى "الارتباط المناعي"- أو الدلالة التي يمكن احتسابها وتشير إلى أن هذا الشخص أو ذاك لديه حصانة ضد مسبب مرضي ما (فيروس أو غيره)- الضروري للحؤول دون العدوى المصحوبة بأعراض. وذكر البروفيسور في الصدد، "ولكن لا نعرف، في حال وصلت إلى هذا الارتباط المناعي، إلى متى سوف يستمر بمضي الوقت، وما إذا كنت تحتاج إلى جرعة معززة للحفاظ عليه".
"يتعلق عمل الجرعات المعززة إلى حد أكبر بالخسارة المحتملة للحماية بمرور الوقت- ولا نعرف بعد مدى صحة ذلك- ولكن في حال فقدت مناعتك، هل يمكنك تعزيزها مجدداً؟ وفق هذه البيانات الإجابة هي، نعم، يمكنك ذلك"، كما أوضح البروفيسور بولارد.
"اليوم، لا يتوافر مؤشر إلى أننا بحاجة إلى لقاحات معززة"، كما كشف بولارد، شارحاً أنه بناء عليه "من الضروري في ما يتصل بهذا الجانب أن نواصل عمليات البحث في البيانات ونتخذ قرارات مع مرور الأشهر، بشأن خسارة الحماية لدينا من عدمها."
في ما يتعلق بمتحورة "بيتا"، التي أثارت قلقاً أكبر (مقارنة بالمتحورات الأخرى) بين صفوف العلماء، نظراً إلى قدرتها على التملص من أجزاء من الاستجابة المناعية في الجسم، قالت البروفيسورة لامب إنه من الصعب معرفة "المستوى المطلوب من الأجسام المضادة المحايدة"، ولا تتوافر بعد بيانات واضحة في هذا الشأن.
ووجدت الدراسة أيضاً أن مدة أطول تفصل بين الجرعتين الأولى والثانية من لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا" تصل إلى 45 أسبوعاً تعطي استجابة مناعية "مدعمة"، مولدة مستويات أعلى من الأجسام المضادة مقارنة بالفترات الأقصر بين الجرعتين.
"وجود تباعد زمني طويل (بين الجرعتين)، ربما في البلاد حيث إمدادات اللقاحات محدودة، على نحو أن الفترة الممتدة بين الجرعتين الأولى والثانية تتراوح بين 15 و25 أسبوعاً، وحتى 40 و45 أسبوعاً، يعطي تحفيزاً قوياً جداً للأجسام المضادة"، كما أوضحت البروفيسورة لامب.
ورأت أن هذه الحقيقة "مشجعة جداً بالنسبة إلى البلاد التي ربما تواجه نقصاً في توافر الجرعات في الأمد القصير."
على المنوال ذاته، قال البروفيسور بولارد إن التأخير الأطول بين الجرعات يمنح الجهاز المناعي وقتاً إضافياً كي "ينضج" وينتج استجابة "أفضل قليلاً" في ما بعد.
غير أنه يشير إلى ما وصفه بـ"المفاضلة، ذلك أن تناول جرعتين أفضل من جرعة واحدة، لذا إذا كانت معدلات العدوى مرتفعة بين السكان واللقاحات المتوافرة كثيرة، يبدو إعطاء جرعتين أمراً منطقياً".
أما "في حال لم يكن لديك إمداد كافٍ من اللقاحات، فإن أخذ جرعة واحدة فقط سيسهم كثيراً في خفض حالات دخول المستشفى والوفيات، لذا ستكون الأولوية إعطاء الجرعة الأولى لأكبر عدد ممكن من الناس"، ختم البروفيسور بولارد.
© The Independent