فتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجدداً ملف الأوضاع الإنسانية في ليبيا، التي تدهورت خلال العقد الأخير إلى حد لم تعرفه البلاد من قبل، وهو ما تكشفه الأرقام المرعبة حول أوضاع النازحين والمهجرين والمهاجرين الأجانب والفئات الأضعف في المجتمع، الذين تتزايد أعدادهم كلما طال أمد الأزمة في البلاد.
حديث غوتيريش عن المأساة الإنسانية في ليبيا ليس جديداً، وبقدر ما يضاعف المسؤولية الإنسانية، التي تحملها السلطات الليبية، في تحسين أوضاع الفئات المتأثرة أكثر من غيرها بحالة الصراع السياسي والعسكري، فإنه أعاد فتح باب انتقاد المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، بسبب عجزها الواضح عن تقديم المساعدة للمتضررين في ليبيا، واكتفائها بإحصاء أعدادهم والتعبير عن قلقها تجاههم.
قلق غوتيريش
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه بشأن الوضع الإنساني الخطير والمتدهور في ليبيا، كاشفاً عن تزايد مضطرد في أعداد المحتاجين إلى المساعدة بنسب كبيرة.
وذكر غوتيريش، بحسب إيجاز صحافي لبعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا، أن "عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في ليبيا يُقدر بنحو 1.3 مليون شخص، بزيادة 400 ألف شخص عن العام الماضي". كما حض المجتمع الدولي على "توفير الدعم لخطة الاستجابة الإنسانية لكل مَن هم بحاجة إليها". وأفادت البعثة الأوروبية في ليبيا بأن "الاتحاد الأوروبي، سيطلق برامج عدة لتعزيز سبل العيش في ليبيا، مثل المشروعات التي تركز على دعم الصحة ووفرة الغذاء والتعليم والكهرباء والصحافة والريادة والمرأة، وغيرها من الجوانب المهمة لحياة الليبين، للمساعدة في تحسين الوضع الإنساني".
وكان تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا العام الماضي، حدد عدد المحتاجين للمساعدة في ليبيا، بنحو مليون شخص، أي نحو سدس عدد سكان البلاد. وذكر التقرير أن "400 ألف ليبي من النازحين، إلى جانب 654 ألفاً من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، هم في حاجة ماسة للمساعدة بسبب تردي الأوضاع الأمنية والإنسانية جراء النزاعات في البلاد".
استياء داخلي
الأرقام المخيفة التي كشف عنها الأمين العام للأمم المتحدة، والتي تبين تفاقم الأزمة الإنسانية في ليبيا، عززت حالة الاستياء الداخلي من الأوضاع في البلاد، فأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الليبية عن "استيائها البالغ حيال تفاقم مؤشرات تردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية وانعدام الخدمات الأساسية التي في مقدمتها عدم توفر التيار الكهربائي وتردي الخدمات الصحية والطبية في المرافق والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة وعدم توفر السيولة النقدية في البنوك وعدم ضبط الأسعار بالسوق العامة، ما أدى إلى زيادة تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين".
وطالبت "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الليبية" في بيان "حكومة الوحدة الوطنية، بضرورة التحرك بسرعة للعمل على تحسين الوضع الإنساني والمعيشي للمواطنين وتوفير الخدمات الأساسية لهم، وأن تتحمل مسؤولياتها القانونية والوطنية والإنسانية تجاههم، وذلك انطلاقاً من المهمات المنوطة بها، وفق ما نصت عليه خريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي".
كما طالبت اللجنة بـ"إجراءات عملية لإعادة التوازن والأمن الغذائي للمواطن الليبي، وذلك بعد رفع سعر صرف الدولار، وما تسبب به من زيادة في أسعار السلع والمواد الغذائية والأساسية والطبية بنسبة عالية جداً، ما يشكل تهديداً للأمن الغذائي الوطني، ويفاقم من حجم المعاناة الإنسانية التي تمر بها البلاد ويضاعف مستويات الفقر وسوء الأوضاع الإنسانية في ليبيا" .
أزمة القطاع الصحي
وللأزمة الإنسانية المتفاقمة في ليبيا، أوجه عدة، كل واحد منها أشد إيلاماً من نظيره، إلا أن أزمة القطاع الصحي تبقى الأكثر تأثيراً، بسبب تهديدها الصريح لحياة السكان، بخاصة في ظل جائحة كورونا التي رفعت حجم المعاناة الطبية في المستشفيات.
ويوفر التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية في فبراير (شباط) الماضي، أكبر دليل على حجم المأساة الصحية في ليبيا، والذي صنف ليبيا في المرتبة الأولى من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا في شمال أفريقيا، بنسبة 13مصاباً بين كل ألف مواطن، مبيناً أن "نقص الخدمات الأساسية واستمرار انقطاع الكهرباء والمياه، الذي يؤثر في ثلث الشعب، يجعل من المستحيل على المواطنين ممارسة أمور بسيطة ولكن ضرورية".
وبحسب إحصائية الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، يُعد معدل إصابات كورونا في ليبيا، الأعلى في منطقة شمال أفريقيا بالنسبة إلى عدد السكان، بواقع 1479 حالة لكل 100 ألف نسمة، فيما احتلت المرتبة الثانية في أفريقيا من حيث عدد الوفيات بكورونا، بمعدل 22 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعزز المركز الوطني الليبي للأمراض السارية هذه الأرقام، حيث كشفت تقاريره الأخيرة، أن "حجم الإصابات بالفيروس يتضاعف كل يوم"، موضحة أن "هناك تفشياً للإصابات في أكثر من 48 مدينة بأقاليم الغرب والشرق والجنوب، وأن أعلى الإصابات سُجلت في طرابلس، تليها بنغازي ومصراتة وسبها"، مشيراً إلى أن "الإصابات تتفاقم نتيجة عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية".
وقال رئيس اللجنة العلمية الاستشارية الخاصة بجائحة كورونا، خليفة البكوش، إن "ليبيا دخلت مرحلة المستوى الوبائي الرابع (مرحلة الانتشار المجتمعي) وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية، ما يتطلب كثيراً من العمل والانضباط".
ووصف رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض، بدر الدين النجار الوضع بالـ"خطير"، معتبراً أنه لا بد من "فرض غرامات مالية على غير الملتزمين باتباع الإجراءات الاحترازية، لأن ذلك تسبب في زيادة عدد المصابين بالفيروس في البلاد".
ودعا إلى "ضرورة تضافر جهود كل الجهات ذات العلاقة، وسرعة التواصل مع الشركات المنتجة لجلب كميات تكفي لتطعيم الفئات الواجب أن تتلقى اللقاح"، محذراً من "التباطؤ في هذا الأمر"، وموصياً بـ"منع السفر إلى الخارج لفترة محدودة، نظراً إلى سوء الوضع الوبائي".
انتقادات للمجتمع الدولي
المعاناة الإنسانية في ليبيا، التي تفوق إمكانات السلطات المحلية، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وانقسام المؤسسات التي بدأت تلملم شتاتها وتحتاج وقتاً حتى تصبح قادرة على أداء دورها الطبيعي، دفع كثيرين في ليبيا إلى توجيه سهام النقد إلى المنظمات الدولية لتباطؤها في تقديم يد المساعدة، بحسب ما تفرضه المسؤولية القانونية والأخلاقية عليها.
وقال عضو الهلال الأحمر الليبي، إيهاب الوداوي، إن "الدور الذي تقوم به كل المنظمات الدولية السياسية والطبية وذات الطابع الإنساني يبقى قاصراً جداً وغير فعال".
وأشار إلى أن "حجم المساعدات الطبية التي تُقدم للهلال الأحمر الليبي لتأدية واجبه الإنساني تجاه المحتاجين للمساعدة لا يفي باحتياجات القرى الليبية، فضلاً عن المدن الكبيرة بعدد سكانها الضخم".
وخلص إلى أن "المنظمات الدولية، على رأسها الأمم المتحدة، تكتفي فقط بتعزيز حالة الفزع في البلاد بشكل دوري، عبر التقارير المخيفة التي تنشرها عن الوضع الليبي، دون التحرك للمساهمة في معالجة هذه الأزمة".