سجلت التحويلات المالية للتونسيين المقيمين في الخارج، ارتفاعاً ملحوظاً في الأشهر الأولى من العام الحالي، في امتداد لطفرة مهمة شهدتها العام الماضي، ومثلت مورداً مهماً للعملة الصعبة في ظل التراجع الحاد في عائدات السياحة بسبب تواصل تفشي كورونا.
ورفعت هذه التحويلات من نسق الدفوعات الخارجية للاقتصاد التونسي، الذي عانى من تقهقر المداخيل الصافية للمتعاملين الاقتصاديين، وأسهمت في الرفع من مستوى المخزون الوطني من العملة الأجنبية، الذي انخفض بحسب أيام التوريد من 162 يوم توريد أواخر 2020 الى 141 يوم توريد في الأشهر الأربعة الأولى من 2021.
وارتفعت تحويلات المغتربين التونسيين خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021 بنسبة 8.7 في المئة، علماً أن عدد التونسيين المقيمين بالخارج يقدر يحوالى مليون ونصف مليون مغترب، موزعين على 90 دولة حول العام.
وكشف البنك المركزي التونسي عن أن 50 في المئة من التونسيين المقيمين بالخارج لديهم حسابات بنكية في تونس سواء بالعملة الأجنبية أو بالدينار التونسي، واعتبر محافظ البنك مروان العباسي أن المؤشرات توضح أهمية مساهمة الجالية التونسية بالخارج في التنمية ودعم الاقتصاد، إذ يحوّل المغترب الواحد نحو 6800 دينار (2454 دولاراً) لفائدة عائلاته في البلاد، وهو المعدل السنوي، في وقت تبلغ نفقات التونسيين بالخارج عند قدومهم إلى البلاد 7.3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، وفق البنك المركزي التونسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتصل قيمة مدخراتهم طيلة سنة كاملة إلى تسعة في المئة من الدخل القومي الإجمالي، ويسهم المغتربون بـ 32 في المئة من مخزون تونس من العملة الأجنبية، كما يحول نحو 72 في المئة منهم أموالاً إلى البلاد، ويضيف البنك المركزي أن التونسيين المقيمين بالخارج يسهمون باثنين في المئة من المداخيل الجبائية للدولة.
رافد حيوي
وكشف رياض جعيدان، رئيس جمعية صوت التونسيين بالخارج لـ "اندبندنت عربية"، أن الجالية التونسية بالخارج قامت خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021 بتحويل نحو 2.3 مليار دينار (830 مليون دولار) إلى تونس، حيث سجلت عمليات التحويلات المالية ارتفاعاً بنسبة 19.5 في المئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وارتفاعاً بنسبة 28.1 في المئة في الفترة المقابلة من 2019.
ويعتبر ارتفاع مستوى التحويلات المالية للجالية التونسية تاريخياً خلال أزمة كورونا، فقد قدر باثنين في المئة من نسبة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وبلغ حجم ارتفاع التحويلات 0.4 في المئة مقارنة بالعام السابق عليه.
وقام المغتربون التونسيون بتحويل 750 مليون يورو (892.5 مليون دولار) في 2020، مقابل 547 مليون يورو (650.9 مليون دولار) في 2019، وبلغ حجم التبرعات المالية المهمة التي قدمتها الجالية التونسية بالخارج في فترة الأزمة الصحية، خمسة مليارات دينار (1.8 مليار دولار) علاوة على التبرعات العينية من قوافل صحية وتجهيزات طبية.
عائدات تفوق أرباح القطاعات المهيكلة
واستنتج جعيدان أن عائدات تحويلات التونسيين في الخارج تتفوق على عائدات قطاعات اقتصادية مهيكلة، على غرار السياحة، الأمر الذي يحتم المراهنة عليها، فهي كفيلة بالمساهمة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وطالب الحكومة التونسية بالاستفادة من كل إمكانيات التحويلات المتوافرة للتونسيين بالخارج، ويفترض أن يتم ذلك عن طريق تشجيعهم على ضخ الأموال في الاقتصاد المحلي، بخاصة في فترات الأزمة.
ودعا الى وضع التحفيزات المالية اللازمة لتحسين نسب التحويلات، وتجميع المصالح الإدارية بالمغتربين، مضيفاً أن من شأن المبادرات الذاتية لنحو مليون ونصف مليون تونسي يعيشون بالخارج أن تحافظ على استقرار التحويلات نحو بلدهم، بما يغذي رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة حتى في أحلك الفترات، مثلما هي الحال في الظرف الراهن.
رسوم بنكية وجمركية
في المقابل، يفتقر المغتربون التونسيون إلى الامتيازات التي يتمتع بها المهاجرون في بلدان عدة، وتواجه تحويلاتهم بالتراتيب الإدارية المضنية والرسوم البنكية الباهظة، ولا توفر الإدارة التونسية بقوانينها البالية الحوافز اللازمة لتشجيعهم على مزيد ضخ أموالهم.
ويطالب المهاجرون التونسيون بإعفاء التحويلات التي يرسلونها من الرسوم البنكية المتعددة، إذ يشتكي عدد من التونسيين في المهجر من الصعوبات الإدارية والجمركية، في وقت يعتبرون القوانين المحلية حجر عثرة، فهي لا تساعد المستثمرين من التونسيين بالخارج من التحوّل إلى متعاملين اقتصاديين في اختصاص الشركات الناشئة مثلاً، كما يشتكون من ارتفاع رسوم التحويل التي تثقل كاهلهم، وتؤدي مباشرة إلى تراجع في قيمة الأموال التي يحولونها.
نسبة فائدة خاصة
ويعجز المغتربون التونسيون عن فتح حسابات ادخار بالعملة الصعبة، ولا يخول لهم القانون المالي في تونس ذلك، ويوفر لهم حق فتح حسابات جارية بالعملة الصعبة، فقط لا غير، ما يفقدهم التمتع بنسبة الفائدة بحكم طبيعة نظام الحساب الجاري، في حين يطالبون بتخصيصهم بنسبة فائدة خاصة بهم، في حدود ثلاثة في المئة سنوياً على الأقل، وفق رياض جعيدان، ما يتيح للمغتربين وضع أموالهم في البنوك المحلية مع تمتيعهم بنسبة فائدة خاصة في ظل العروض السخية التي تقدمها بلدان أجنبية عدة، مع تخصيصهم بإمكانية استرجاعهم أموالهم في أي وقت يرغبون، وهي من أهم النقاط لتشجيعهم على التنقل بأموالهم بكل حرية.
ويحتم إدماج المهاجرين التونسيين في الدورة الاقتصادية تهيئة كل الأرضيات الملائمة لذلك من تشريعات وقوانين، الأمر غير المتوافر حالياً، ويضيف جعيدان، في الإطار نفسه، أنه من الضروري وضع حوافز لدفعهم إلى الاستثمار، إضافة إلى تحويل الأموال.