بعد دقائق قليلة من مشاهدة العناوين الرئيسة وهي تعلن بصوت عال بأن "هيئة السلوك المالي حظرت 'باينانس'"، تمكنت من الدخول إلى الموقع الإلكتروني لأكبر بورصة للعملات المشفرة على مستوى العالم، ووضع عنوان بريدي الإلكتروني وإنشاء كلمة مرور.
ولو أضفت بطاقة الائتمان الخاصة بي، لاستطعت المتاجرة بحرية كما أشاء. وغني عن البيان أنني قررت أن أستغني عن ذلك. فأنا أفضل حالاً في الكتابة عن المال من التعامل به. ولو أنني بارع في التعامل بالمال لكنت الآن أعيش في بيت أكبر بكثير.
وأنا أيضاً مستثمر حذر، لذلك أميل إلى الانتباه حين تبدأ هيئة الرقابة المالية العليا في المملكة المتحدة في تشغيل ما يعادل الضوء الوامض الأحمر الساطع وبث تسجيل لصفارة إنذار الشرطة عبر مكبر صوت يعمل بالبلوتوث.
لكن على الرغم من أن الهيئة تسببت من خلال ذلك في كثير من الضجيج، فإن القمع يشكل حالة غريبة حين يكون بوسع شركة "محظورة" أن تواصل أخذ أموالكم، وهذا لا يشير إلى قوة الهيئة التنظيمية بل إلى ضعفها حين يتعلق الأمر بالعملات المشفرة والشركات المرتبطة بهذه العملات.
ربما منعت ذراع "باينانس" في المملكة المتحدة من القيام بأي نشاط منظم ومن المفترض أن يخبر موقعها الإلكتروني العالم بأنها لا تخضع إلى إشراف هيئة السلوك المالي. لكن ذراع "باينانس" في المملكة المتحدة لم تكن منخرطة بالفعل في أنشطة كهذه في المقام الأول.
والخدمات التي ربما تكون اجتذبت انتباهها، والتي بدأت عملية التسجيل من أجل الحصول عليها، يمكن الوصول إليها بحرية عبر كيانات أخرى ذات سيادة، أينما وجدت، كما كان الحال قبل اتخاذ هذا الإجراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والحقيقة الصلبة هي أن الهيئة الرقابية لا تملك إلا أقل القليل من السيطرة على هذا النوع من الأعمال. والأمر المذهل أنها لا تتمتع حتى بالقدرة على مراقبة إعلاناتها الترويجية على "يوتيوب"، مثلاً.
فأي شركة، على غرار "جوبيتر" أو "فيدليتي" أو "ليغال أند جنرال"، لن تحلم أبداً بعرض إعلان برسم بياني جميل يقول: "انظروا إلى ما أنجزه صندوقنا الأعلى أداء، وانقروا على الرابط أدناه للحصول على حصة إذا كنتم تريدون الثراء السريع".
فمن شأن اتخاذ خطوة كهذه أن يخرب سمعتها وأن يعرضها بسرعة إلى غرامات، وإلى قفزة في الازدراء العام، فضلاً عن عبء من المتاعب سيعانيه مسؤولوها التنفيذيون.
فمن المحظور تشغيل أي شكل من أشكال الرسم البياني في إعلان مالي من دون تحذير المستثمرين المغامرين أولاً من أن الأداء السابق ليس دليلاً للمستقبل، وأن رأس المال في خطر عند شراء أي نوع من المنتجات الاستثمارية، وأن التفكير في الحصول على مشورة ضروري قبل المضي قدماً.
لكن من الناحية النظرية يمكن لـ"باينانس" وأقرانها القيام بذلك ببساطة. فلا شرط لنشر أي نوع من أنواع التحذيرات ولا تخضع إعلاناتها لأي معايير عندما يتعلق الأمر بشراء "بيتكوين" أو "إيثيريوم" أو أي من العملات الأخرى، وبما قد يجلبه ذلك عليكم.
أياً كانت وجهة نظركم بشأن العملات المشفرة، يبدو ذلك مذهلاً. وإذا كنتم تفكرون في الأمر لفترة من الوقت فمن المفترض أن يبدأ في إصابتكم بالصداع.
من المفترض تسجيل بورصات العملات المشفرة ذات القاعدة المهمة في المملكة المتحدة لدى هيئة السلوك المالي وأن تمتثل لقواعد مكافحة غسيل الأموال. وهناك بورصات تفعل ذلك، وأظن أن القواعد من الممكن تفسيرها على نحو إبداعي بما يضيق على أي بورصة تصرفت بشكل سيئ في مجالات أخرى من أعمالها. لكن البورصات الميالة إلى تحقيق هذه الغاية ربما لن تكلف أنفسها عناء العمل في بريطانيا في المقام الأول.
وبعيداً عن قيمة "الحظر" الذي فرضته هيئة السلوك المالي على "باينانس" كتحذير، قد يكون ذا قيمة إضافية إذا نجح في توجيه المستثمرين المغامرين إلى ما قد تعتبرونه الطرف المحترم للسوق.
لكن باستثناء هذا، فهو لا يرقى إلى كثير.
إن المعضلات التي تسببها العملات المشفرة، والشعبية الهائلة التي تتمتع بها لدى مجموعة فرعية خاصة من المستثمرين الأكثر شباباً عموماً، ليست خاصة بالمملكة المتحدة. بل خلاف ذلك. فالمسألة ترهق المصارف المركزية، والهيئات التنظيمية، وواضعي السياسات في مختلف أنحاء العالم.
وبدأت القيود تشتد ببطء لكن لا يزال من الضروري إجراء كثير من التفكير. من جانبها، كانت وزارة المالية البريطانية تفكر في نتائج المشاورات حول تنظيم العملات المشفرة التي طرحت كثيراً من الأسئلة، لكنها قدمت قليلاً من الإجابات منذ مارس (آذار).
والواقع أن الأهداف التي حددتها الحكومة– ضمان الاستقرار المالي، وحماية المستهلكين، وتشجيع الابتكار– قد تكون في تناقض عندما يتعلق الأمر بهذه المشكلة المعقدة ولا يبدو أن الحكومة على يقين تام حول كيفية المضي قدماً.
وإذا حدث خطأ ما أثناء ترددها، يمكنكم أن تراهنوا على أن هيئة السلوك المالي ستكون كبش فداء مناسب، حتى بعد الخطوة التي اتخذتها مع "باينانس".
ومن الواضح أن المؤيدين للعملات المشفرة لدى الهيئة التنظيمية ليسوا سعداء.
© The Independent