ملخص
في عام 1994 ابتكر عالم رياضيات أميركي خوارزمية تحلل أعداداً ضخمة إلى عوامل خلال دقائق بشرط توفر حاسوب قوي
تواجه موجة صعود عملة "بيتكوين" خطراً لا يتوقعه غالب مستثمري العملات المشفرة وهو الحوسبة الكمومية، وتعد هذه التكنولوجيا الناشئة، التي حظيت باهتمام واسع بعد إعلان شركة "غوغل" هذا الشهر عن تحقيق اختراق باستخدام شريحة الحوسبة الكمومية الجديدة "ويلو"، تهديداً محتملاً لقدرة المتسللين على كسر التشفير الذي يضمن أمان "بيتكوين"، ويمكن لمثل هذا الاختراق أن يؤدي إلى انهيار قيمة العملة المشفرة، إذ يتيح للصوص سرقة العملات الرقمية من المحافظ الإلكترونية الآمنة.
ويشير الباحثون إلى أن تطوير جهاز كمومي قوي بما يكفي لكسر أمان "بيتكوين" قد يستغرق عقداً أو أكثر، ومع ذلك فإن التقدم السريع في هذه التكنولوجيا يشكل خطراً طويل الأمد، خصوصاً إذا لم يبادر مجتمع المطورين المنقسم حول "بيتكوين" إلى تعزيز بنيته التكنولوجية بترقية قد تستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذها.
ويحذر المحللون من أن هجوماً كمومياً على "بيتكوين" قد يترك تداعيات خطرة على الأسواق المالية التقليدية.
وقال الزميل البارز في معهد "هدسون" آرثر هيرمان، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "ما لديك هنا هو قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار، فإذا ما تمكن شخص ما من تطوير قدرة الحوسبة الكمومية واستخدمها لاستهداف العملات المشفرة، فإن العواقب ستكون كارثية."
خسائر تتجاوز 3 تريليونات دولار
وفي دراسة أجراها معهد "هدسون" عام 2022، قدر الباحثون أن اختراقاً كمومياً لعملة "بيتكوين" يمكن أن يتسبب في خسائر تتجاوز 3 تريليونات دولار تشمل العملات المشفرة والأسواق المالية الأخرى، مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عميق. وأشار هيرمان إلى أن الكلفة المحتملة لمثل هذا الاختراق ازدادت منذ صدور الدراسة، إذ ارتفعت قيمة "بيتكوين" إلى ما يقارب 100 ألف دولار، مما عزز مكانتها كأصل استثماري رئيس بصورة متزايدة.
وتعهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب إنشاء احتياط استراتيجي لممتلكات الحكومة من "بيتكوين".
تتضمن إحدى طرق التشفير الشائعة أرقاماً كبيرة جداً تسمى المفاتيح العامة، وهي مضاعفات لعددين أوليين كبيرين، ويمكن دمج العددين الأوليين لتوليد ما يعرف بالمفتاح الخاص، كما يمكن تشفير البيانات بالمفتاح العام، وفك تشفيرها بالمفتاح الخاص.
وتكمن قوة هذه الطريقة في أنها تستغرق قدراً هائلاً من الوقت حتى يتمكن الحاسوب القياسي من استخلاص المفتاح الخاص من المفتاح العام، بسبب صعوبة التحليل، في حين تجعل الحوسبة الكمومية تحليل الأعداد إلى عوامل أسهل بكثير، ففي عام 1994، ابتكر عالم رياضيات أميركي خوارزمية تتيح تحليل أعداد ضخمة إلى عوامل خلال دقائق، بشرط توفر حاسوب كمي قوي بما يكفي.
ويمكن لمثل هذا الاختراق أن يهدد ليس فقط "بيتكوين"، بل أيضاً النظام المالي التقليدي، إذ يعتمد عديد من أنظمة الخدمات المصرفية عبر الإنترنت على أشكال مختلفة من التشفير بالمفتاح العام، ومع ذلك يحذر متخصصو الأمن من أن "بيتكوين" قد تكون هدفاً مغرياً على نحو خاص للصوص الكموميين.
وقال المؤسس المشارك لشركة "كيو سكيور" سكيب سانزيري، وهي شركة ناشئة متخصصة في الأمن السيبراني الآمن الكمومي، "سيصبح بيتكوين هدفاً جذاباً للغاية، فالبنوك لديها تنظيمات وآليات دفاع وقدرة على تعويض عملائها، بينما يشبه بيتكوين الغرب المتوحش، فإذا سرقت عملات بيتكوين الخاصة بك، فلن تعوضك المحفظة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أن القراصنة سبق لهم سرقة "بيتكوين"، فإن هجماتهم عادة ما كانت تعتمد على الوصول غير المصرح به إلى بورصات العملات المشفرة، ومع ذلك فإن هجوماً باستخدام الحوسبة الكمومية سيكون أكثر خبثاً، لأنه سيضع أمن شبكة "بيتكوين" بالكامل موضع شك، وليس فقط أمن بعض البورصات ذات التدابير الأمنية الضعيفة.
فقدان العملات المشفرة لمصلحة قراصنة الكم
بعض كنوز "بيتكوين" معرضة بصورة خاصة لسرقات الكم، ففي الأيام الأولى للعملة المشفرة، كانت العملات تحفظ في عناوين تحوي مفاتيح عامة مكشوفة، بما في ذلك نحو مليون عملة يعتقد أنها تخص مبتكر "بيتكوين" الغامض، ساتوشي ناكاموتو.
ووفقاً لشركة "غلاكسي ديجيتال" فإن نحو 1.72 مليون "بيتكوين"، تقدر قيمتها بأكثر من 160 مليار دولار بالأسعار الحالية، محتفظ بها في هذه العناوين التي جرى التخلص منها لاحقاً.
وفي نهاية المطاف، ستكون جميع عملات "بيتكوين" معرضة للخطر بمجرد أن تصبح الحواسيب الكمومية قوية بما يكفي، والسبب في ذلك هو أن القراصنة يمكنهم سرقة العملات أثناء انتقالها من عنوان إلى آخر خلال نافذة مدتها 10 دقائق، وهي الفترة التي تستغرقها شبكة "بيتكوين" لتأكيد هذه التحويلات.
ومع ذلك، يقول بعض المحترفين في مجال العملات المشفرة، إنه لا يزال هناك متسع من الوقت أمام "بيتكوين" لمعالجة نقاط ضعفه.
وقال مؤسس عملة "أفالانش" المشفرة، إيمين غون سيرير "هناك بالتأكيد نهاية عالم كمومية تلوح في الأفق في مرحلة ما من المستقبل، لكن هذه المرحلة بعيدة بما يكفي لعدم الحاجة إلى الذعر الآن".
ويمكن تأمين "بيتكوين" من خلال تبني أشكال جديدة من التشفير التي لا يمكن للحواسيب الكمومية كسرها بسهولة، لكن مثل هذا التحديث قد يستغرق أعواماً، وفقاً لما يقوله التنفيذيون في مجال العملات المشفرة. وبسبب الطبيعة اللامركزية لـ"بيتكوين"، فإن تغيير تقنيته يتطلب توافقاً واسعاً بين الأشخاص حول العالم الذين يديرون شبكته، وكانت التحديثاًت السابقة بطيئة ومثيرة للجدل.