استنكر الرئيس التونسي قيس سعيد حالة الفوضى التي عاشها مجلس النواب لحظة الاعتداء على رئيسة كتلة "الدستوري الحر"، عبير موسي وزميلها في الكتلة، النائب وسام الشعري، من قبل النائب الصّحبي سمارة، يوم الأربعاء 30 يونيو (حزيران) 2021.
وأكد خلال تدشينه الجناح الجديد لقسم الإنعاش بالمستشفى العسكري الخميس، أنه تم الترتيب لهذه العملية منذ ثلاثة أيام، مشدداً على وجوب محاسبة أي شخص يلجأ للعنف خصوصاً في مؤسسات الدولة.
"مسرحية"
ووصف ما يحصل بـ"المسرحية" التي تجري في عدد من المؤسسات، قائلاً "لا المخرج ناجح ولا الممثل ناجح".
وصرح أن الحصانة التي يتمتع بها النواب بمقتضى الدستور هدفها تمكينهم من آداء عملهم بكل استقلالية وليس الاعتداء على الأشخاص مهما كان الاختلاف، متسائلاً "كيف تسيل الدماء في البرلمان؟".
ومنذ فترة، يطالب سعيّد برفع الحصانة عن النواب المطلوبين للعدالة بتهم مختلفة، حيث أكد وجود 25 قضية مرفوعة ضد نواب في البرلمان تتعلق بالاحتيال وتهريب المخدرات، واتهم البرلمان بالتغافل وعدم الاستجابة لقرارات قضائية تطالب برفع الحصانة وعدم عرضها على الجلسة العامة للتصويت عليها.
وشدّد الرئيس التونسي في أكثر من مناسبة، على وجوب إنفاذ القانون على الجميع بشكل عادل، مضيفاً أن الحصانة لا يمكن أن تكون عامل مساعدة على الإفلات من العقاب.
في الأثناء وأمام تكرر حوادث العنف داخل مقر البرلمان، يواجه سعيّد ضغوطاً شعبية تطالبه بحل البرلمان، بعد أن تحوّل إلى حلبة صراع بين النواب، وتسبّب في توتير المناخ السياسي بالبلاد.
مرحلة خطيرة
ودخل البرلمان التونسي مرحلةً خطيرةً في تاريخه، بعد ارتفاع منسوب العنف المادّي واللفظي بين أعضائه، ما جعله مؤسسة مهتزة، لا تعكس صورة الديمقراطية التمثيلية، بسبب الاستقطاب الحاد والصراعات السياسية العنيفة، التي شغلت النواب عن المشاغل الحقيقية للتونسيين.
ولم تعد مشاهد العنف غريبة على البرلمان، بعدما تابع التونسيون مشاهد الاعتداء المباشر من قبل النائب سمارة، على رئيسة كتلة "الدستوري الحر"، عبير موسي وزميلها في الكتلة، النائب وسام الشعري، إذ وجّه إليهما لكمات مباشرة تحت قبة البرلمان، وأمام عدد من النواب، وبحضور وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن إيمان الزهواني هويمل.
كما تعرضت النائبة موسي، في اليوم ذاته، إلى اعتداء مادّي ثانٍ، من قبل رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة"، سيف الدين مخلوف، ما استوجب تدخل طبيب المجلس، لتقديم الإسعافات اللازمة لها.
موسي تحمّل الغنوشي مسؤولية العنف
واعتبرت موسي، في تصريحات صحافية لاحقة، أن "العنف ليس غريباً عن المجلس"، مشيرةً إلى أنها حذرت منذ فترة، من تفشي العنف في البرلمان، وحمّلت "مسؤولية ما يُمارس من عنف تحت قبة هذه المؤسسة، إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي".
كما توجهت موسي باللوم إلى رئيسة الجلسة، سميرة الشواشي، التي اكتفت بمطالبة النائب المعتدي بمغادرة القاعة، مضيفةً أنها تعرضت أيضاً إلى "الشتم والقذف وهتك الأعراض"، من قبل رئيس كتلة ما سمتها "التكفير وتبييض الإرهاب" (ائتلاف الكرامة) سيف الدين مخلوف.
وأكدت موسي أنه تم منعها من الالتحاق بالجلسة العامة التي كانت تناقش اتفاقيةً بين الحكومة التونسية وصندوق قطر للتنمية حول فتح مكتب للصندوق بتونس، من قبل إداريين كلّفهم بذلك الغنوشي، الذي قالت إنه "يستهدف نواب (الدستوري الحر) لإسكات صوتهم المعارض".
وعبّرت رئيسة كتلة "الدستوري الحرّ" عن تخوّفها من أن تُصفَّى. وحمّلت الحكومة ورئاسة البرلمان، مسؤولية هذه الاعتداءات، وسط صمت القضاء، واصفةً راشد الغنوشي بــ"رأس الأفعى".
الحكومة تندّد والاتحاد يدعو إلى المحاسبة
وأثارت حادثة الاعتداء على موسي، استنكار رئاسة الحكومة، وعدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، التي عبرت عن إدانتها هذا السلوك "الذي يُعتبر تعدياً على المرأة وعلى مكتسباتها التي تحققت بفضل نضالات نساء تونس".
وأكدت رئاسة الحكومة رفضها المطلق كل الممارسات المخلّة بالنّظام الديمقراطي، التي تمس باستقرار الدولة وبالسير العادي لعمل مؤسّساتها، داعيةً إلى الابتعاد عن مثل هذه الممارسات.
وعبّرت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن، في بيان، عن استنكارها الشديد العنفَ الحاصلَ تحت قبة البرلمان، مهيبةً بممثلي الشعب، النأي عن مثل هذه الأفعال التي ما فتئت تتفاقم يوماً بعد يوم.
كما أدان الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان، تكرّر مشاهد العنف المادي واللفظي في البرلمان، مندّداً بممارسات ما سماها "كتلة الإرهاب" (ائتلاف الكرامة)، التي قال إنها "تعوّدت على ممارسة العنف ضدّ كلّ مَن يخالفها الرأي". وحمّل الاتحاد، رئاسة مجلس النواب، "المسؤولية في تكرار هذه الممارسات المسيئة للعمل السياسي ولسمعة البلاد"، داعياً القضاء إلى التعهد التلقائي بمثل هذه الجرائم.
رفع الحصانة عن النائب المعتدي
وأدان حزب "قلب تونس" الاعتداء الذي أقدم عليه النائب الصّحبي سمارة، بحق النائبَين عبير موسي ووسام الشعري، معتبراً أن "ما حدث يُعدّ دوساً خطيراً على كل الأعراف البرلمانية والأخلاقية، وعملاً لا يليق بمؤسسة تشريعية".
كما شدّد "قلب تونس" على أن "التجاوزات المستمرة للنائبة عبير موسى وتعطيلها أشغال المؤسسة البرلمانية، والسير العادي لنشاطها، لا يمكن أن يُواجه بممارسات عنف مادي أو لفظي، خارجة عن إطار القانون والتعامل الحضاري المسؤول".
من جهته، دعا حزب "آفاق تونس" إلى الشروع في إجراءات رفع الحصانة عن النائب الصحبي سمارة، وسحب الصفة النيابية منه، مطالباً القضاء بالتحرك الفوري وتوقيف النائب المذكور، ومحذّراً من الإفلات من العقاب، الذي سيؤدي إلى استشراء ثقافة العنف.
كما جدّد الحزب دعوته إلى استقالة الغنوشي، مؤكداً أنه "السبب وراء فشل إدارة المؤسسة التشريعية، وتفاقم وتيرة الاعتداءات والفوضى فيها".
من جهتها، أدانت حركة "مشروع تونس" في بيان الاعتداء الذي استهدف النائبة موسي، معتبرةً إياه "عملاً جباناً وحقيراً، لأنه يندرج ضمن جرائم العنف ضد النساء"، مطالبة بطرد النائب المعتدي من البرلمان.
بيان مقتضب لرئيس البرلمان
في المقابل، أكد ماهر مذيوب، مساعد رئيس البرلمان، أن الغنوشي عبّر عن "شديد استهجانه وتنديده بكل اعتداء على المرأة التونسية"، مضيفاً أن الغنوشي اعتبر ما قام به النائب سمارة ضد النائبة موسي، "مشيناً ومداناً ولا يقبل أي تأويل". وأشار إلى أن مكتب المجلس سيجتمع قريباً لاتخاذ ما يجب بخصوص هذه الحادثة.
من جهته، عبّر النائب المستقل، زهير مخلوف، عن تنديده بهذا الاعتداء، معتبراً أن "البيان الصادر عن الغنوشي أتى مقتضباً ولا يرقى إلى مستوى ما حدث". ودعا إلى "اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف هذه المهازل".
واعتبر مخلوف أن "هذا الاعتداء مرفوض واستهدف امرأة بشكل مباشر، ودون سبب"، معبّراً عن "الخيبة مما وصلت إليه صورة المجلس لدى الرأي العام، إذ فقد صورته الاعتبارية"، معرباً عن أمله في أن يصدر بيان تنديد شديد اللهجة، وأن تُتخذ إجراءات قضائية ضد النائب المعتدي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رفض العنف بكل أشكاله
في المقابل، أكدت النائبة عن "حركة النهضة"، يمينة الزغلامي، أنها ضد العنف بشكل مبدئي ضد المرأة أو ضد الرجل، مضيفة أنها صرّحت في أكثر من مناسبة أنها ضد العنف الذي يُمارَس على عبير موسي، إلا أنها أشارت إلى أن موسي تمارس العنف بشكل يومي في البرلمان بخاصة ضد أعضاء كتلة النهضة.
وأضافت أن "صورة البرلمان اهتزت لدى الرأي العام"، داعيةً إلى "وقف هذا النزيف" عبر دعوة كل الكتل البرلمانية إلى تحمل المسؤولية في وضع حد للعنف. كما دعت النيابة العامة إلى التدخل.
حلّ البرلمان
وأمام اهتزاز صورة برلمان شبه معطل، أثيرت تساؤلات حول ما إذا سيكون ذلك دافعاً نحو حلّ المؤسسة التشريعية التونسية، إلا أن أستاذة القانون الدستوري، منى كريم، أكدت بعدما أدانت الاعتداء، أن "الآلية الدستورية الوحيدة لحلّ البرلمان، هي الفصل 89 في فقرته الرابعة، الذي ينصّ على أنه في حال مرّت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، حينها لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في مهلة أدناها 45 يوماً وأقصاها 90 يوماً، وهو أمر غير متوفر في الظرف الراهن".
واعتبرت كريم أن "ما حدث في البرلمان من عنف، يشكل حالة تلبس، وقد نصّ الدستور على أنه في حال التلبس تُرفع الحصانة بشكل آلي، ثم يجتمع مكتب المجلس وإذا ما قرّر أن يُبقي الحصانة، تقف كل التتبّعات ضد المعني بالأمر". وأضافت أنه كان على النيابة العامة التحرك بصفة فورية، نظراً إلى أن الواقعة التي حدثت هي "حالة تلبس بالعنف".
وصادق البرلمان في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء (30 يونيو) على اتفاقية المقرّ بين الحكومة التونسية وصندوق قطر للتنمية، حول فتح مكتب للصندوق بتونس بـ122 صوتاً مقابل تحفظ وحيد و12 رفضاً.
وأعلن النائب مبروك كرشيد يوم الخميس 1 يوليو (تموز) الحالي، استقالته من مكتب مجلس النواب، بسبب تمرير اتفاقية صندوق قطر للتنمية والمصادقة عليها، إضافة إلى تصاعد وتيرة العنف في البرلمان.