رجح تقرير حديث أن تواجه الأسواق الناشئة والبلدان النامية ذات معدلات التطعيم المنخفضة ضغوطاً على عملاتها مع تسبب سلالة "دلتا" المتحورة في فرض مزيد من القيود، حيث يشهد الدولار الأميركي موجة قوية من الارتفاعات التي تخصم من قيمة عملات الأسواق الناشئة ما يزيد من الضغوط على اقتصاداتها ويضع أسواق الصرف فيها والاستثمار الأجنبي في مأزق صعب.
ووفق وكالة "بلومبيرغ"، فقد تراجع كل من الراند الجنوب أفريقي، والروبل الروسي، اللذين كانا في السابق الأفضل أداءً هذا العام، ما أدى إلى تراجع مؤشر عملات الأسواق الناشئة في يونيو (حزيران) للمرة الأولى خلال ثلاثة أشهر. وتتعرض جنوب أفريقيا وروسيا حالياً لموجة تفشي شديدة من متحور "دلتا"، حيث أعلنت مدينة "دربن" الأسبوع الماضي فرض إجراءات الإغلاق للحد من الزيادة المتسارعة في حالات الإصابة بالفيروس، كما بلغت حالات الإصابة بالفيروس مستويات قياسية في موسكو خلال الأيام الماضية.
وكان البنك الدولي قد أعلن تقديم 4 مليارات دولار لشراء وتوزيع لقاحات مضادة لفيروس كورونا لصالح 51 بلداً نامياً، يقع نصفها في أفريقيا. وكشف عن ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس في 14 دولة أفريقية على الأقل، حيث أعلنت 12 دولة اكتشاف سلالات متحورة "مثيرة للقلق"، بينها تسع دول أعلنت انتشار سلالة "دلتا" لديها. وحذر مركز مكافحة الأمراض بأفريقيا الأسبوع الماضي، من أن المنظومة الصحية عبر القارة الأفريقية تعاني اكتظاظ المستشفيات مع مواصلة السلالة المتحورة شديدة العدوى انتشارها في عديد من الدول التي تواجه صعوبات في الحصول على اللقاحات.
من هم الأقل والأوفر حظاً؟
وقال تقرير "بلومبيرغ"، إن الإنجازات من حيث معدلات التطعيم ستكون بمثابة عامل تمايز بشكل متزايد بين الأسواق الناشئة في النصف الثاني من 2021. أما البلدان الأكثر تضرراً، فمن المرجح أن تشهد جنوب أفريقيا وكولومبيا أكبر قدر من الضغوط على عملتيهما، حيث إن العوامل المتمثلة في تزايد حالات الإصابة بالفيروس وانخفاض أسعار الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي من شأنها أن تؤثر سلباً في تدفقات المحافظ الاستثمارية.
وتشير البيانات إلى أن جنوب أفريقيا قامت بتطعيم نحو 5 في المئة فقط من إجمالي سكانها، وإذا ما استمرت على هذا المعدل الحالي، فسيكون عليها الانتظار حتى عام 2023 لكي تكمل تطعيم 50 في المئة من سكانها، وهي النسبة التي يقول الخبراء إنها ضرورية لمكافحة سلالة "دلتا". فيما بلغت نسبة السكان الذين تلقوا اللقاحات في كولومبيا 11 في المئة فقط حتى الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما البلدان الأوفر حظاً فهي تشيلي والصين وإسرائيل والإمارات ودول وسط أوروبا الشرقية، التي تمكنت من تطعيم ما يقرب من نصف سكانها، وهي النسبة التي يرى الخبراء أنها ضرورية للتغلب على سلالة "دلتا". ومن المتوقع أن تصل إلى الأسواق الناشئة الأخرى، مثل البرازيل والهند وإندونيسيا والمكسيك وروسيا وتركيا، إلى نفس المستوى بحلول نهاية عام 2021.
إلا أن بريطانيا تظهر الآن أنه حتى البلدان الأوفر حظاً لم تتجاوز مرحلة الخطر بعد، بعد أن عادت لتسجيل أكثر من 20 ألف حالة إصابة يومياً، على الرغم من أن أكثر من 45 مليون من مواطنيها تلقوا جرعة واحدة على الأقل من لقاح "كوفيد-19".
مخزون الدولار ومواجهة نزوح الأموال
في الوقت نفسه، كان تقرير بصحيفة "فاينانشيال تايمز"، قد حذر من عدم قدرة احتياطات النقد الأجنبي لدى الأسواق الناشئة في حماية نزوح رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة. فعلى مدار السنوات الماضية، كانت الهند تراكم مخزوناً من الدولار الأميركي، وبدأ الكثيرون يطمئنون لمستوى الاحتياطي النقدي، ولم يكن يشغل بالهم كثيراً، إذ إن الخزائن الهندية كانت مكدسة بالعملة الصعبة، ولكن مستوى الاحتياطي النقدي في الهند أثبت على نحو متزايد أنه ليس مثالياً. وذكر التقرير أن الاحتياطيات النقدية يمكن أن تحمي من التقلبات الناجمة عن نزوح رؤوس الأموال الأجنبية، لكنها غالباً ما تفشل في معالجة المصادر الرئيسة للضغط على العملة.
وذكر التقرير، أن الضغط الناتج عن نزوح رؤوس الأموال هو أمر مستمر، حيث كان البنك المركزي الهندي حريصا على منع الارتفاع المفاجئ للروبية الهندية والسبيل للقيام بذلك هو تخزين الدولار الأميركي باستمرار. والنتيجة هي تدفق السيولة بالعملة المحلية التي من شأنها أن تفقد أو تبتلع في السوق.
وكشف عن أن سياسة البنوك المركزية لبيع السندات توجه المستثمرين الأجانب إلى سوق الأسهم، لأنهم يتوقعون تحقيق عوائد أعلى مع بقاء أسعار الفائدة منخفضة. ومن ناحية أخرى، سياسة شراء السندات تحفز تجارة الفائدة وتوجه المستثمرين نحو سوق السندات، مما يرفع أسعار الفائدة. وشدد التقرير على أنه بغض النظر عن حجم الاحتياطيات التي تراكمها الأسواق الناشئة، تكون هناك حاجة دائمة لأن تكون البنوك المركزية يقظة لمنع الاضطرابات الناجمة عن النزوح المفاجئ لرؤوس الأموال الأجنبية من أسواق المال.
ما مصدر القلق الأكبر؟
في الوقت نفسه، يعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مصدر القلق الأكبر في الوقت الحالي، الذي أثار اضطرابات في الأسواق العالمية بمجرد الإشارة إلى إمكانية ارتفاع التضخم واحتمالات رفع الفائدة مرتين في عام 2023، وهو موعد مبكر عما كان متوقعاً في السابق، الأمر الذي يشير إلى إمكانية عدم تمديد برامج التحفيز المالي التي صاحبت الجائحة.
وخلال الأشهر الأخيرة، أثيرت الفكرة القائلة إن تراجع الاحتياطي الفيدرالي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في عوائد سندات الخزانة الأميركية، مما يجعل أصول الأسواق الناشئة أقل جاذبية، بالتالي احتمال تخارج استثمارات بمليارات الدولارات من الأسواق الناشئة. ووصلت الضجة إلى ذروتها في وقت سابق من هذا العام بسبب توقعات الارتفاع الصاروخي للتضخم بعد تفشي الجائحة، التي دفعت الكثيرين إلى القلق من أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع دعمه النقدي عاجلاً أم آجلاً لكبح ارتفاع الأسعار، مما يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في عوائد سندات الخزانة ويعيد إلى الأذهان ما يسمى "نوبة فزع الأسواق" عام 2013.
وتشير الدلائل إلى أننا نتجه نحو ما يمكن اعتباره "نوبة هدوء" هذه المرة، إذ يبدو المستثمرون هادئين حتى بعد إعلان الاحتياطي الفيدرالي في وقت سابق من يونيو (حزيران) الماضي ارتياحه لإيقاف حزم التحفيز. وهناك سببان محتملان لهذا؛ الأول يتمثل في احتمال تحسن صناع السياسة في الولايات المتحدة في تجهيزنا للتغييرات القادمة، أما الأخير فأكثر "إشكالية"، وهو أن الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر في النهاية إلى التحرك بقوة، مما يعني أننا "في انتظار صحوة عنيفة".