يتجه العراق نحو وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من أراضيه خلال الفترة المقبلة، يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، من خلال مفاوضات جديدة تضع أسساً لهذا الانسحاب الذي تصاعدت أصوات مطالبة به أخيراً، وتحديداً من قبل القوى الشيعية الحليفة لإيران.
وعلى الرغم من أن هذه الدعوات لم تكن جديدة فإنها تزامنت مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ما يجعلها جزءاً مهماً من الدعاية الانتخابية، إذ إن الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران فقدت جزءاً كبيراً من شعبيتها بسبب الفشل في تحسين الواقع الخدمي والأمني في مناطق وسط وجنوب العراق، والتعامل بالقوة المفرطة مع الاحتجاجات التي تطالب بإصلاح الأوضاع ومحاسبة الفاسدين.
الكاظمي سيزور واشنطن
وكشف مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، عن زيارة قريبة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، للاتفاق على جدول الانسحاب الأميركي من العراق.
وأكد الأعرجي، وهو قيادي في "منظمة بدر" التي يتزعمها هادي العامري، أن "العراق ليس بحاجة إلى قوات قتالية أجنبية ولديه ما يكفي من قواته".
وكان العامري دعا في كلمة له بمحافظة المثنى بمناسبة الذكرى السنوية 101 لثورة العشرين في العراق، إلى إخراج القوات الأميركية، واصفاً إياها بـ"المحتلة"، ومحملاً إياها مسؤولية انعدام الأمن والخدمات في البلاد.
واتهم العامري ما وصفه بـ"الاحتلال الأميركي" بتنفيذ "أجندة صهيونية لمنع استقرار العراق وازدهاره"، داعياً جميع العراقيين إلى الضغط باتجاه إخراج القوات الأميركية.
وتصاعدت المطالبات بالانسحاب الأميركي بعد إعلان واشنطن في الـ28 من يونيو (حزيران) الماضي، أنها نفذت غارات جوية ضد ما قالت إنها "ميليشيات مدعومة من إيران" في كل من العراق وسوريا، "رداً على هجمات الطائرات من دون طيار من قبل الميليشيات ضد الأفراد والمنشآت الأميركية في العراق".
العراق يريد بقاءنا
وفي إشارة إلى عدم وجود نية أميركية للانسحاب من العراق، صرح قائد القيادة المركزية، الجنرال كينيث ماكينزي في 22 أبريل (نيسان) الماضي، أن "العراق يريد بقاءنا، ولن نُخّفض عدد القوات هناك".
وأضاف أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة على حافة الانخراط بحرب في الشرق الأوسط.
وينتشر نحو 2500 جندي أميركي في العراق، كجزء من التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم "داعش" ويدرب القوات العراقية. وتوجد هذه القوات في مطار بغداد الدولي وقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار وحرير في أربيل.
واتفق في السابع من أبريل الماضي كل من وزيرَي الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والعراقي فؤاد حسين، في جلسة مفاوضات عبر تقنية الاتصال المرئي، على تولي القوات الأمنية العراقية "مهمة إدارة القتال ضد تنظيم داعش وجعلها بيدها حصراً، وجعل مهمة التحالف الدولي تقتصر على مجال التدريب والدعم اللوجيستي والاستشارة، وحصراً في محاربة الإرهاب".
وأعلن بيان حكومي عراقي أن "المفاوضات شهدت الاتفاق على جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية والأميركية من العراق"، من دون تحديد الفترة الزمنية، فضلاً عن تأكيد العراق التزامه حماية أفراد وكوادر البعثات الدبلوماسية.
ومنذ إصدار البرلمان العراقي قراراً بغالبية شيعية لإخراج القوات الأميركية مطلع شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2020، لم تتمكن القوى الشيعية من إقناع ممثلي العرب السنة والكرد بتأييد هذا القرار، الذي جاء عقب مقتل قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
وحذر رئيس تحالف "بيارق الخير"، محمد الخالدي، من انسحاب أميركي غير مدروس ومن دون استشارة القادة الأمنيين، فيما أشار إلى أن العراق ما زال بحاجة إلى قوات التحالف الدولي. وقال الخالدي إن "الحاجة إلى الوجود الأميركي تقررها القوات الأمنية العراقية. ومن وجهة نظرنا، نحن ما زلنا بحاجة إلى قوات التحالف الدولي"، ولم يخفِ الخالدي مخاوفه من تحول العراق إلى وضع شبيه بأفغانستان إذا ما انسحبت القوات الأميركية من العراق بشكل مفاجئ. وأضاف أن "الحكومة هي مَن يجب أن تتخذ القرار بشأن الوجود الأميركي بعد استشارة القادة العسكريين، ولا نرغب بأن يكون قرارها نابعاً من ضغوط خارجية"، مشيراً إلى أنه يعتقد أن العراق لا يزال بحاجة إلى قوات التحالف الدولي.
وجود ضروري
بدوره، قال النائب الكردي، حسن ألي، إن "القوات الأميركية موجودة بالعراق ضمن إطار التحالف الدولي، ووجودها ضروري في ظل وجود (داعش) ومخاطره". وأضاف أنه "في ظل التدخلات الدولية والصراعات الجارية على أرض العراق فوجود التحالف الدولي ضروري"، مشيراً إلى "ضرورة تعاون العراق في هذه المرحلة مع دول التحالف الدولي، لا سيما في ظل عدم استقراره أمنياً وتدخل دول إقليمية فيه".
وتابع ألي "نريد أن نعيش في عراق قوي من جميع النواحي، ونأمل ببناء علاقات جيدة مع هذه الدول على أساس الاتفاقات الدولية وكرامة الشعب العراقي".
لا انسحاب كامل
ويستبعد متابعو الشأن السياسي والأمني في العراق تنفيذ انسحاب أميركي كامل في هذا الوقت بسبب الوضع الأمني الهش في البلاد.
ورأى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن "أي انسحاب أميركي سيبقي على التنسيق الاستخباري والتسليحي للعراق"، مؤكداً عدم تكرار سيناريو الانسحاب الأميركي من أفغانستان، في العراق.
ورجّح الشمري أن تبقي الولايات المتحدة، في حال انسحابها، على "جهدها الاستخباري والتنسيقي ورفع الجاهزية واستمرار الضربات الجوية التي ستكون بطلب من الحكومة العراقية"، لافتاً إلى "إمكانية إجراء إعادة تموضع للقوات القتالية، لكن لا أتوقع أن يكون الانسحاب نهائياً من العراق".
بعيداً عن سيناريو أفغانستان
وتابع الشمري أن "الرئيس الأميركي جو بايدن لا يملك مقاربة لقضية الانسحاب من العراق أو محاولة الممازجة بينها وبين السيناريو الأفغاني لأن الوضع العراقي بعيد جداً عن ذلك"، مشيراً إلى وجود "تكييف وتوصيف لمهمات القوات الأميركية بالعراق ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي وجولات المباحثات التي حدثت بين العراق والولايات المتحدة، فضلاً عن الوجود الأميركي ضمن إطار قوات شمال الأطلسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، فضلاً عن تقديم الدعم الأميركي للعراق في مختلف المجالات.
ويعتبر الشمري أن "ما يرضي جميع الأطراف السياسية بشأن الوجود الأميركي بالعراق هو استمرار التنسيق الاستخباري والتسليح والتدريب".
وبشأن النفوذ الإيراني بالعراق والدور الأميركي في هذا الاتجاه، اعتبر الشمري أن "بايدن سيُخضع إيران لأسلوب الاحتواء المزدوج من خلال طاولة المفاوضات لوقف دعم الموالين لها، من جهات سياسية وفصائل مسلحة".
سيكون جزئياً
في السياق، قال مدير مركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية، معتز عبد الحميد، إن "الانسحاب الأميركي من العراق إذا ما تم سيكون جزئياً مع بقاء قوات للتدريب"، مؤكداً قدرة القوات العراقية على ضبط الأمن في العراق.
وذكّر عبد الحميد أن "الرئيس الأميركي صرح في أكثر من مناسبة بتقليل الوجود الأميركي بالعراق"، مبيناً أن "التصريحات الأخيرة من أطراف سياسية في البرلمان حول الانسحاب الأميركي من العراق كانت تأكيداً لقرار البرلمان بانسحاب هذه القوات، وردة فعل على ضرب قوات الحشد من قبل الجانب الأميركي".
ورأى عبد الحميد أن "رؤية الديمقراطيين تختلف عن الجمهوريين في العمل الاستخباري، ويمكن أن يكون هناك تعاون استراتيجي يرتكز على مجالات عدة، أمنية وثقافية واقتصادية"، لافتاً إلى أن "الانسحاب من العراق لا يعني عدم وجود أميركي، وإنما تقليل عدد القوات الأميركية. ويبقى دور للمدربين مع وجود لقوات الناتو".
واعتبر عبد الحميد أن "القوات العراقية تملك خبرة في مكافحة الإرهاب والعمل الاستخباري والقبض على قيادات (داعش)، فضلاً عن وجود غرفة عمليات بين العراق وإيران وروسيا وتعاون مستمر لمواجهة ذلك التنظيم".