تحافظ أسعار النفط على مستواها فوق 75 دولاراً للبرميل، بانتظار ما سيسفر عنه اتفاق منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وشركائها ضمن تحالف "أوبك+" على نطاق ومدى زيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة. وتقود السعودية وروسيا جهود التحالف لضبط ميزان العرض والطلب في السوق، وبالشكل الذي لا يضر التعافي الاقتصادي العالمي. فهذه هي مسؤولية المنتجين والمصدرين، بالتضامن مع المستهلكين، لضمان توافر العرض الكافي لتلبية الطلب المتزايد. فالسبب وراء ارتفاع الأسعار، واحتمال استمرار ارتفاعها لتصل إلى نحو 100 دولار للبرميل كما يتوقع كثيرون، هو قوة التعافي الاقتصادي العالمي مع التوسع في استخدام لقاحات فيروس كورونا "كوفيد-19" في الاقتصادات الرئيسة. أيضاً إعادة فتح أغلب القطاعات الاقتصادية بعد فترات الإغلاق المتتالية لمكافحة انتشار الوباء أدت إلى زيادة الطلب على الطاقة. ومع مخاوف الأسواق من ارتفاع معدلات التضخم يمكن أن يضيف ارتفاع أسعار النفط نتيجة إخلال ميزان العرض والطلب إلى مزيد من الضغوط التي قد تضر بالتعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا. وهذا ما لا يريده المستهلكون ولا المنتجون للطاقة.
ارتفاع الطلب
وأثار قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماع يونيو (حزيران) الماضي تقديم موعد تغيير سياسته النقدية إلى العام بعد المقبل بدلاً من 2024 التفاؤل بقوة واستدامة التعافي في أكبر اقتصاد في العالم. لكن مع التفاؤل بالنمو تأتي مخاوف التعثر، ليس في الاقتصاد الأميركي فقط ولكن في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة أيضاً.
وعدلت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني الأسبوع الماضي توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لهذا العام بالرفع، في ضوء المؤشرات الإيجابية حتى الآن. وزادت تقديرها لنمو الاقتصاد العالمي بما يقارب نصف نقطة مئوية إلى 5.9 في المئة.
وذكرت "ستاندرد أند بورز" أن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الاقتصاد العالمي لم تعد مرتبطة بوباء كورونا، ولكن لها علاقة بالخروج من الأزمة، في إشارة إلى ما يتحدث عنه كل المعلقين والمحللين والاقتصاديين من مخاوف التضخم واضطراب الأسواق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها الشهر الماضي رفعت توقعاتها للطلب على النفط هذا العام إلى زيادة بمعدل 5.4 مليون برميل يومياً، وزيادة بمعدل 3.1 مليون برميل يومياً في 2022. وهكذا يتوقع أن يشهد هذا العام أسرع نمو للطلب العالمي على النفط منذ بدأت سجلات العرض والطلب العالمي. وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية سيتجاوز الطلب على النفط بنهاية العام المقبل 100 مليون برميل يومياً للمرة الأولى على الإطلاق.
وهكذا، ستصبح حاجة الاقتصاد العالمي إلى النفط بنهاية 2022 أعلى من الطلب قبل أزمة وباء كورونا، التي خفضت الطلب العالمي بنحو تسعة ملايين برميل يومياً تقريباً. ولدى كبار المنتجين والمصدرين سعة إنتاج إضافية كافية لتلبية الطلب العالمي بسهولة، لكن الحرص على توازن السوق يحمي الجميع، ويحول دون انهيار الأسعار أو ارتفاعها بمعدلات غير مقبولة.
انخفاض المخزونات
ويتزامن مع توقعات زيادة الطلب على النفط، مع عودة النشاط الصناعي والتجاري، تراجع المخزونات التجارية في الاقتصادات الرئيسة، فعلى سبيل المثال، شهدت المخزونات الأميركية في الأسابيع الأخيرة أسرع انخفاض لها مع عودة السفر ونشاط المصانع.
وبحسب الأرقام الرسمية الأميركية، انخفضت مخزونات البلاد، بما فيها مخزون النفط الاستراتيجي، على مدى الأسابيع الأربعة الماضية بمعدل 1.15 مليون برميل يومياً. ويبلغ حجم المخزونات في أكبر موقع تخزين أميركي في أوكلاهوما الآن 41.7 مليون برميل. ومع عودة المصافي إلى التكرير بقرب كامل طاقتها لتلبية الطلب المتزايد على المشتقات ستنخفض المخزونات أكثر، خصوصاً أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ما زال أقل بنسبة 15 في المئة عما كان عليه من قبل. ويتوقع المتخصصون أن ينخفض المخزون في كشنغ أوكلاهوما إلى ما يقارب 30 مليون برميل بنهاية سبتمبر (أيلول) المقبل.
صحيح أن المصافي بعد فترة الصيف تدخل في فترات صيانة دورية وقد يتراجع استهلاكها من الخام للتكرير، لكن بحلول ذلك الوقت سيكون النقص في المخزون حافزاً لطلب إضافي على الخام لتعبئة الحاويات.
وتقدر "أس بي غلوبال" بلاتس ماركت، وحدة أبحاث الطاقة في "ستاندرد أند بورز"، أن الطلب العالمي على النفط ربما سيحتاج أكثر من مليوني برميل يومياً، التي سيزيدها تحالف "أوبك+" من أغسطس (آب) حتى ديسمبر (كانون الأول) هذا العام، إذا أخذنا بمؤشرات الطلب وتراجع المخزونات الحالية دون أي تطورات خارج المعادلة، مثل عودة النفط الإيراني للسوق حال نجحت مفاوضات فيينا وعادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.