خلص تقرير صدر حديثاً إلى أن العمال الراشدين ممن يعيشون في أفقر مناطق إنجلترا، أكثر عرضة للوفاة بسبب "كوفيد- 19" بأربعة أضعاف، بالمقارنة مع من يسكنون المناطق الأغنى في البلد.
وكذلك وجد التقرير أن معدل الوفيات أعلى بـ3.7 مرات بين صفوف الفئة العمرية تحت 65 سنة، التي تعيش في أفقر 10 في المئة من الأحياء، وفق بحث نهضت به "هيلث فاونديشن" ("مؤسسة الصحة") Health Foundation الخيرية في المملكة المتحدة، موضحة أن "الأعباء غير المتساوية" التي فرضتها الجائحة قد "تحملت وطأتها مجموعات سكانية ومناطق مختلفة".
واستطراداً، وجد التحقيق الذي أجرته تلك المؤسسة الخيرية على مدى تسعة أشهر، وحلل بيانات صادرة عن "مكتب الإحصاءات الوطنية" في بريطانيا ومؤسسات أخرى، أن ستة من كل 10 أشخاص فارقوا الحياة جراء الإصابة بـ"كوفيد- 19" بين يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2020 كانوا عاجزين جسدياً أو عقلياً.
وكشف البحث نفسه، أنه في خضم الأشهر الأولى من الجائحة، شهدت دور رعاية المسنين 40 في المئة من مجموع الوفيات التي قاستها المملكة المتحدة. وبالمقارنة مع نظرائهم من العرق الأبيض، بدا الأفارقة السود عرضة أكثر للوفاة نتيجة "كوفيد- 19" بمقدار 3.7 مرات خلال الموجة الأولى، والبنغلاديشيون أكثر بخمس مرات خلال الموجة الثانية.
وفي سياق متصل، وجد التحقيق أن الطريقة التي استردت بها المملكة المتحدة عافيتها عقب الأزمة المالية التي ضربت العالم في 2008، كانت لها "صلة مباشرة" سلبية بمدى قدرة البلاد على الصمود في وجه الجائحة.
مع "تدهور" الخدمات العامة عقب ذلك الانهيار المالي، وبعد توقف متوسط العمر المتوقع عن الزيادة، وتفاقم أوجه اللامساواة خلال العقد الذي تلا الأزمة، تُركت المملكة المتحدة أشد ضعفاً أمام تأثيرات الجائحة، بحسب "هيلث فاونديشن".
واستكمالاً لتلك الصورة، هناك عوامل عدة من بينها نوع عمل الناس وجودته، وظروف السكن، والحصول على الدعم المالي المرصود للعزل الذاتي، أسهمت في زيادة التعرض للفيروس بين مجموعات معينة من السكان. ولأنهم يكابدون أصلاً حالة صحية جسدية وعقلية ونفسية، بدت تلك الشريحة من الناس أكثر انكشافاً أمام مواجهة تبعات صحية خطيرة.
وتفصيلاً، تبين أن الذين تراوحت أعمارهم بين خمسين وستين سنة، ممن يسكنون المناطق الأشد فقراً في بريطانيا، أكثر تعرضاً للمعاناة من حالتين صحيتين مزمنتين في أقل تقدير، كأمراض الرئة أو داء السكري، وفق تحليل لبيانات الرعاية الصحية الأولية.
ووفق بحّاثة تولوا إعداد تلك الدراسة، "أثبتت الجائحة أن الصحة والرخاء المالي مرتبطان ارتباطاً وثيقاً"، وأضافوا أن "التعافي المستدام يلزمه إنشاء اقتصاد أقوى ويتسم بمستوى أعلى من المرونة، وسيتطلب التزاماً يتعمد "رفع مستوى" الصحة وخفض الأوجه الصارخة من انعدام المساواة التي كشفت عنها الجائحة".
وفي نفس مماثل، ذكر التحقيق أن بين صفوف الموظفين، تعرض الأشخاص الذي يشتغلون كحراس أمن ومقدمي رعاية وسائقي سيارات أجرة للوفاة بسبب "كوفيد" أكثر من سواهم. وكذلك لوحظ أن العاملين في هذه الأنواع من القطاعات التي أبقت أبوابها مفتوحة خلال كل عمليات الإغلاق (الحجر) الثلاث التي خاضتها المملكة المتحدة، كانوا الأكثر ترجيحاً في التعرض للفيروس، وكذلك بدوا أكثر عرضة للوفاة جراء معاناتهم حالة صحية سيئة أصلاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى نحو مماثل، أدت الأجور المتدنية ومستويات التغطية الصحية الإلزامية خلال الإجازة المرضية بموجب القانون، وصعوبة الحصول على المدفوعات الخاصة بالعزلة الذاتية، إلى تقليص قدرة أولئك الناس على عزل أنفسهم، بالتالي تفاقم تعرضهم للفيروس وانتشار العدوى.
وفي تطور مستقل، تظهر أرقام أصدرها "مكتب الإحصاءات الوطنية" أن من بين 10.9 مليون عامل أساسي في بريطانيا، يستطيع حوالى 14 في المئة منهم العمل من المنزل. ويتقاضى كثيرون من هؤلاء أجوراً منخفضة أو يعملون بموجب "عقود صفرية" لا تلزم صاحب العمل توفير أي حد أدنى من عدد ساعات العمل لهم، ما يعني أنه لا يسعهم تحمل نفقات العزلة الذاتية أو الحجر الصحي من دون الحصول على مساعدة مالية.
في ذلك الصدد، ثمة مدفوعات حكومية قيمتها 500 جنيه استرليني (حوالى 675 دولاراً أميركياً) مرصودة لمن طُلب منهم عزل أنفسهم ذاتياً، لكن حزب "العمال" البريطاني سبق أن بين أن أهلية الانتفاع من تلك المساعدة تضمنت معايير "تقييدية" وفق وصفه، إذ لا يستوفي سوى واحد من كل ثمانية أشخاص شروط الاستفادة من ذلك البرنامج في المساعدة المالية.
كذلك ذكر التقرير الصادر عن "هيلث فاونديشن"، أن أفراد مجتمعات الأقليات الإثنية، لا سيما الشباب أو العجزة ومن يعانون حالات صحية عقلية ونفسية، واجهوا "أشكالاً متفاقمة ومضاعفة من انعدام المساواة" عززت إمكان تعرضهم للفيروس، وهددتهم بمخاطر صحية مستقبلية.
وفي المقابل، أوضحت المنظمة الخيرية نفسها، أن تلك المخاطر المحدقة بالصحة "ليست محتمة إطلاقاً"، وفي المستطاع التصدي لها عبر خطة إصلاحية تصب تركيزها على تحقيق الإنصاف.
وفي ذلك الصدد، ذكرت جو بيبي، مديرة قسم الصحة في "هيلث فاونديشن" الخيرية، أن أوجه القصور في الاستجابة للأزمة المالية سنة 2008، تركت "إرثاً من المشكلات العميقة الجذور"، جعل المملكة المتحدة أكثر هشاشة أمام وطأة الجائحة.
وأضافت، "لا يمكننا أن نرتكب الخطأ عينه مرتين. يتوجب على الحكومة معالجة الأسباب الجذرية للحالة الصحية المتردية في البلد، وتوظيف الاستثمارات في فرص العمل والإسكان والتعليم وخير المجتمعات. إنها الطريقة الوحيدة في إنشاء مجتمع أكثر عافية يستطيع مواجهة التحدي المقبل، ويمتلك أيضاً قدرة أكبر على تحمل أزمات المستقبل".
ووفق بيبي، "يتوجب على الوزراء في مختلف الإدارات الحكومية التعاون معاً، كي يكون قطاع الصحة في صلب الاستراتيجية المقبلة التي ترمي إلى المساواة بين المجتمعات، مع عرض أهداف واضحة وتقديم تقييم منتظم ومستقل عن صحة الأمة أمام البرلمان".
وجد استطلاع رأي أجرته تلك المؤسسة الخيرية في يونيو (حزيران) الماضي أن ثمانية من كل 10 أشخاص في بريطانيا يعتقدون بأهمية أن تعالج حكومة بلادهم الفوارق في المحصلات الصحية بين سكان المناطق الغنية من جهة، ونظرائهم في المناطق الفقيرة من جهة أخرى، فيما يعيد البلد بناء نفسه بعد زوال الجائحة.
بناء على ما تقدم، تدعو "هيلث فاونديشن" الحكومة البريطانية إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة، للحؤول دون أن تترك "الندوب آثاراً طويلة الأجل"، عبر وضع حد للأعمال والحالات المتأخرة في الرعاية الصحية، وتعزيز الدعم للصحة العقلية والنفسية، وحماية الموارد المالية للأسرة، وخلق فرص عمل، ومساعدة الناس على متابعة التعليم والتدريب.
وأعربت المؤسسة الخيرية نفسها عن رغبتها في رؤية قدرة أكبر على مواجهة الصدمات في الأجل الطويل، ويشمل ذلك توفير شبكة أمان مناسبة، وحماية أفضل للعمال ذوي الأجور المنخفضة، وتوظيف مزيد من الاستثمار في الخدمات العامة مع توجيهها إلى التركيز على الوقاية.
© The Independent