لم تمر سوى ساعات قليلة على تعهد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية "بمراجعة أي إجراءات تمس كرامة الفلسطينيين"، حتى قمع الأمن الفلسطيني ناشطين سياسيين، في ظل اتهامات منظمات حقوقية للسلطة الفلسطينية "بإخماد أي صوت معارض بالقوة".
وجاء تعهد اشتية، الذي يتولى وزارة الداخلية في ظل انتقادات متزايدة لتعامل الأمن الفلسطيني مع المسيرات المعارضة ضد السلطة الفلسطينية، وذلك منذ قتل الناشط السياسي المعارض نزار بنات في 24 من يونيو (حزيران) الماضي خلال اعتقاله.
إجهاض المسيرات
ومع أن الأمن الفلسطيني يسمح للمحتجين بالتظاهر بشكل مستمر وسط مدينة رام الله منذ قتل بنات، فإنه منع، الإثنين الماضي، مسيرة قبل انطلاقها عبر اعتقال الداعين إليها.
وتتحول تلك التظاهرات التي يردد خلالها المشاركون شعارات تنتقد السلطة الفلسطينية إلى مسيرات تتجه إلى مقر الرئاسة قبل أن يمنعها الأمن بالقوة.
وقالت مصادر حقوقية فلسطينية، إن الأمن أفرج عن جميع المعتقلين السياسيين، ولم يتبقَ إلا ناشطان سياسيان اثنان.
هذا، واتهمت المحامية في مجموعة "محامون من أجل العدالة" ديالا عايش رجال الأمن الفلسطيني بالتحرش بها مرتين خلال اعتقالها من أمام مقر شرطة البيرة، الإثنين الماضي، مشيرة إلى أنها "فقدت الثقة في جهاز الشرطة الذي من المفترض أن يوفر الحماية للمواطنين".
قمع واعتقال
وروت ديالا لـ"اندبندنت عربية" تفاصيل قمع الأمن الفلسطيني وقفة احتجاجية أمام مقر الشرطة، حيث كان يُحتجز عدد من الناشطين السياسيين بعد ساعات على اعتقالهم من وسط مدينة رام الله، لمنعهم من تنظيم تظاهرة احتجاجاً على قتل الناشط نزار بنات.
وأوضحت ديالا أن قوة مكافحة الشغب "بدأت قمع المعتصمين برش الفلفل على وجوههم، وشد شعر الفتيات بطريقة مهينة، واعتقال بشكل عشوائي"، مضيفة أنها "شاهدت رجال الأمن وهم يضربون بشكل وحشي وعشوائي بعض المعتقلين داخل مقر الشرطة".
وشددت ديالا على أن السلطة الفلسطينية "تهدف من وراء القمع الشديد للمحتجين والناشطين السياسيين إلى القضاء على أي صوت معارض"، مشيرة إلى أن ذلك تحول إلى "نهج في التعامل مع المحتجين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين، "ما يحدث وصفة لسلطة بوليسية، فسحل الناس في الشوارع، وضرب الفتيات رغم حظره اجتماعياً أدى إلى سقوط قيم كنا نتفاخر بها"، واصفاً ما يحدث بأنه "استمرار للسير في طريق خطأ ومرعب يؤدي إلى نتائج كارثية، وخسارة للقضية على المستوى الداخلي ويزيد الاحتقان".
وأوضح أن "قمع المحتجين واعتقالهم سببه غياب الحكمة والقانون، ومبادئ احترام حقوق الإنسان، وحضور لعقلية البطش والقهر، ومنطق العصا والسحل في الشوارع". مشيراً إلى أن "تكرار قمع المحتجين أصبح ظاهرة وليس حالات فردية، تحولت إلى نهج في تعامل الأجهزة الأمنية، بسبب خليط من التعليمات والثقافة الموجودة لدى الأمن الفلسطيني والإرادة السياسية".
وكان جبارين قد اجتمع قبل ثلاثة أيام لأكثر من ساعتين مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية لمناقشة وضع حقوق الإنسان عقب قتل نزار بنات خلال اعتقاله، مضيفاً أن اشتية تعهد له حماية الحريات العامة وحق الفلسطينيين في التظاهر.
تعهدات أمنية
وفي كلمته أمام الحكومة أعلن اشتية "مراجعة الإجراءات التي شكلت انتقاص حق أو مس كرامة الفلسطينيين"، مشيراً إلى أن "كرامة الفلسطيني من كرامة الوطن، وأن مبادئ الحفاظ على حياة الإنسان وصون كرامته وحريته هي ما نريد ونعمل على تحقيقها".
وبعد تعرض عدد من الصحافيين إلى الضرب والسحل في الشوارع خلال تغطيتهم المسيرات الاحتجاجية ومصادرة هواتفهم ونشر ما فيها من صور خاصة ومقاطع فيديو تعهد رئيس الوزراء الفلسطيني "بعدم تكرار ما حدث مرة أخرى، لكن علينا جميعاً أن نتصرف ضمن إطار القانون".
وأكد "احترام حرية الرأي والتعبير، وحرية عمل الصحافيين دون تعرضهم لأي مضايقات تعرقل عملهم، وإتاحة المجال أمامهم لأداء مهمتهم بحرية ومهنية ووفق الأنظمة والقوانين الوطنية والدولية بعيداً عن خطاب الكراهية والتحريض".
"بعد بساعات تبخر كلام اشتية في الهواء"، يقول جبارين في إشارة إلى اعتقال ناشطين سياسيين، ومنعهم من تنظيم تظاهرة في وسط رام الله، وقمع المتضامين معهم. مضيفاً أن رئيس الوزراء قال "إنه لا يعلم بتفاصيل ذلك"، وأصدر بعدها بساعات قليلة "أوامر بالإفراج عن جميع المعتقلين".
وكانت الشرطة قد أوقفت، مساء الإثنين الماضي، "عدداً من الأشخاص الذين تجمعوا في الشارع العام وسط مدينة رام الله، دون الحصول على تصريح لإقامة هذا التجمع وفقاً للقانون"، وفق ما ذكره متحدث الشرطة العقيد لؤي ارزيقات.
وقال ارزيقات إنه "سيتم إحالة كل الموقوفين على النيابة العامة، لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهم"، وذلك قبل تعليمات اشتية بالإفراج عنهم.