فخامة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك،
لقد شهدت مدينة بورتسودان على مدى عامين أحداث اقتتال أهلي إثر انتصار ثورة 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي اقتلعت النظام الإرهابي للجنرال عمر البشير. وكان مخطط الفتنة الذي رسمته المنظومة الأمنية وبقايا عناصر نظام البشير بولاية البحر الأحمر، لا سيما مدينة بورتسودان، يقوم على إحياء ذكرى فتنة اقتتال محدود حدث بين مكونَي بني عامر والحباب من جهة، ومكون النوبة، من جهة ثانية، إثر انتفاضة عام 1986، كرد فعل من جهاز أمن الجنرال جعفر النميري، آنذاك، لإجهاض الانتفاضة الشعبية وضرب الاستقرار في مدينة بورتسودان.
وتزامناً مع مجزرة فض اعتصام القيادة العامة يوم 3 يونيو (حزيران) 2019، أيقظت اللجنة الأمنية في البحر الأحمر فتنة الاقتتال الأهلي بين ذينك المكونَين الأهليَين المتجاورَين (النوبة وبني عامر) معيدةً إلى النفوس ذكرى ذلك الاقتتال، عبر إطلاق عصابات "النيقرز" التي جلبتها من خارج المدينة عبر الباصات (وهي عصابات يديرها جهاز الأمن) في يوم 4 يونيو 2019، وأطلقت يدها لإحداث الفوضى والضرب العشوائي والتخريب في السوق التي تقع في آخر حي "دار النعيم" (الذي يسكنه مكونا بني عامر والحباب)، وتحديداً في الشارع الذي يفصل "دار النعيم" عن حي "فلب" الذي يسكنه مكون "النوبة". ثم هربت عصابات النيقرز متوغلةً في حي "فلب" بعد أن تسببت بإشاعة الفوضى في تلك السوق، من ضرب عشوائي لأصحاب المحلات والمقاهي وتخريب لمعداتهم، الأمر الذي دفع بعض أصحاب سوق "دار النعيم" إلى ملاحقة تلك العصابات في حي "فلب" ومن ثم حدثت الاشتباكات.
وغالباً، وفي مثل هذه الأوضاع، ونظراً لبعض التشابه في السحنات والملامح بين بعض مكون النوبة وعصابات النيقرز، أصبح ذلك سبباً في عدم الفرز، إلى جانب قطع شبكة الهاتف لأيام في المدينة، لمزيد من التعتيم على ما جرى من اشتباكات بين المكونين راح ضحيتها مواطنون بينهم أرواح بريئة من الطرفين، وتم حرق بيوت.
ومنذ ذلك الحدث الذي انطلقت منه مجريات الفتنة في مدينة بورتسودان في 4 يونيو 2019، عملت اللجنة الأمنية باستمرار على تجديد فتنة الاقتتال الأهلي، بالتزامن مع كل حدث سياسي كبير في الخرطوم، لذلك تزامنت الموجة الثانية من الاقتتال في بورتسودان في أغسطس (آب) من العام ذاته، مع توقيع الإعلانَين السياسي والدستوري في 17 أغسطس 2019.
حتى وصل الأمر إلى الموجة السادسة التي تجددت معها فتنة الاقتتال الأهلي متزامنةً مع حفل توقيع دول "الترويكا" (أميركا – بريطانيا – النرويج) في الثامن من يونيو الماضي، كضامن وشاهد على اتفاق سلام جوبا، فتم افتعال فتنة اقتتال أهلي بين النوبة وبني عامر والحباب في منطقة تسمى حلة "الزاندة"، التي تقع بين حي دار النعيم وحي الميرغنية، في 9 يونيو الماضي (والتزامن هنا بين افتعال الاقتتال الأهلي، وبين توقيع دول "الترويكا" أكثر من واضح، نظراً لأن هناك شخصيتين محوريتين من أهل شرق السودان في نظام البشير البائد، تلعبان دوراً مهماً في تأجيج الفتنة في المدينة من خارج البلاد).
وعقب ذلك تم حصار حي دار النعيم (الذي يسكنه مكون بني عامر والحباب) من مدخله، حيث تركزت قوى أمنية من جيش الاحتياط المركزي، وسُدت الطريق على الداخل والخارج من الحي، فيما وجهت الداخلين إلى الحي للعبور إليه من خور يقع على بعد 500 متر من نقطة ارتكاز الجيش. وهذا الخور تعسكر فيه عصابات النيقرز التي تقتل فقط على الهوية، أي مَن يمر من أبناء مكون بني عامر والحباب، فقتلت أستاذاً جامعياً، وشاباً مراهقاً وجرحت وأتلفت ممتلكات أكثر من شخص، وكل ذلك على بعد 500 متر من نقطة ارتكاز الجيش، الذي يرى ولا يحرك ساكناً.
وظل الحصار مفروضاً على حي دار النعيم لأكثر من شهر، ولا يزال.
إن اختيار عقل اللجنة الأمنية لمكون "بني عامر والحباب" هو جزء من صراع استباقي، في محاولة لتحويله إلى ضحية واتخاذه كحلقة أضعف، نظراً إلى الطبيعة السلمية والوداعة التي عُرف بها هذا المكون طوال تاريخه في المدينة، لهذا وقع الضغط عليه من قبل اللجنة الأمنية تزامناً مع تخطيط خبيث لشيطنته، باستمرار، عبر دعايات سلبية استمرت على مدى سنتين، وظلت تطعن في مواطنية أبنائه وسودانيتهم واعتبارهم أجانب بجملتهم، من خلال ندوات كان يعقدها ما يُسمى بـ"المجلس الأعلى لنظارات البجا" الذي يقوده الناظر ترك، وعبر صفحات فتنة على "فيسبوك" مثل صفحة المدعو سيد علي أبو آمنة (الأمين السياسي لمجلس ترك)، وكذلك صفحة المدعو أونور هبنة. وعلى مدى سنتين من الضغط على هذا المكون عبر موجات اقتتال أهلي مفتعلة، قُتل فيها أكثر من 150 من أبناء مكون بني عامر والحباب، وأُحرق أكثر من 2500 منزل وهُجر ساكنوها. وأتى كل ذلك متزامناً كردود فعل على أحداث سياسية كبيرة جرت في الخرطوم. لقد ظل الهدف الواضح لمَن يرسمون سياسات الفتنة في اللجنة الأمنية بولاية البحر الأحمر، هو تفجير شرق السودان، وذلك عبر دفع الاقتتال الأهلي فيه إلى نقطة اللاعودة، وهذه النقطة تتمثل في دفع مكون بني عامر والحباب، واضطراره إلى حمل السلاح ضد الدولة، ومن ثم تسويغ القضاء عليه بحجة تمرده ضد الدولة.
لكن في تقديرنا، إن اضطرار مكون كبير في شرق السودان (صبر طويلاً على سياسات الفتنة متحملاً الأذى إيثاراً للسلم الأهلي) كمكون بني عامر والحباب إلى حمل السلاح، ومواجهة الدولة له عبر جيشها، هو سيناريو دمار شامل لشرق السودان بأسلوب الهدف منه إجهاض ثورة 19 ديسمبر 2018، بالتالي إدخال السودان في سيناريو الفوضى الشاملة.
فخامة رئيس الحكومة
نُذر هذا السيناريو بدأت في اليوم الثاني من استضافة مجلس وزرائكم الحكيم البجاوي، ناظر قبيلة الأمرار علي محمود، الذي كان أطلق مبادرة للتعايش السلمي في بورتسودان والشرق، ودعا إلى السلام والأمن من داخل مجلسكم الموقر في رسالة متلفزة شاهدها كل الشعب السوداني، ما دفع اللجنة الأمنية في اليوم الثاني مباشرةً إلى رد مضاد لتوجه الناظر علي محمود، من خلال تحريك قوات الجيش التي كانت تحاصر مدخل حي دار النعيم على مدى شهر، وتوجيهها للدخول إلى ذلك الحي وإطلاق الرصاص في الشوارع وترويع الآمنين فيه واضطهاد المواطنين بالاعتقال العشوائي والسب والطعن في مواطنيتهم.
وفي حين أن فتنة الاقتتال استمرت عبر موجات كبيرة، لجأت بعض المكونات المتصارعة إلى استخدام السلاح، بعد ثبوت تورط الجيش (القوات الجوية نظراً لوجود كثافة كبيرة من مكون النوبة فيها) أثناء الموجة الثانية التي تزامنت مع توقع اتفاقَي الإعلان السياسي والدستوري في 17 أغسطس 2019. لهذا وفي كل مرة يتسع فيها مجرى الفتنة وتشتد موجات الاقتتال، تلجأ المكونات المتصارعة إلى استخدام السلاح. وهذه المرة الأخيرة، نظراً إلى أن حي دار النعيم يسكنه مكون بني عامر والحباب بصورة كاملة، كان الاستهداف من قبل اللجنة الأمنية للحي المجاور، حي الميرغنية (الذي تسكنه أغلبية من البجا/البداويت) وتعيش فيه إلى جوارهم أقلية صغيرة من مكون بني عامر والحباب. وقبل 10 أيام من تحرك الجيش لإفشال دعوة الناظر علي محمود للتعايش التي دعمها مجلس الوزراء، كانت أياد خفية وضعت خلال الليل إشارات وعلامات باللون الأحمر على شكل صليب على البيوت الخاصة بمكون بني عامر والحباب، تحديداً. وبما أن استهداف مثل هذه الأقلية في الحي يُعد صيداً سهلاً، قامت وحدات الارتكاز العسكرية بالدخول إلى حي الميرغنية وإطلاق النار في الهواء لترويع مكون وحيد من سكان الحي، ثم سمحت لعصابات النيقرز بالدخول إلى بيوت ذلك المكون ونهبها وحرقها وقتل أصحابها (إن وجدوا فيها) وذلك على مرأى ومسمع بقية سكان حي الميرغنية الذين لم يحركوا ساكناً أمام ذلك الإرهاب والترويع لجيرانهم (لأنهم لم يتعرضوا لأي أذى من قبل عصابات النيقرز)، حيث كان الاستهداف واضحاً إلى درجة أن جهة ما (نعتقد أنها اللجنة الأمنية) زودت عصابات "النيقرز" بأسماء مالكي المنازل من مكون بني عامر والحباب في حي الميرغنية. وكانت تلك العصابات تسأل عن أسماء بعينها من أصحاب البيوت، بل كان عناصرها يستهدفون من بين سكان الحي، حتى مَن كانت والدته من مكون بني عامر، إذا كان والده من مكون آخر، ما تسبب في تهجير غالبية ذلك المكون من حي دار الميرغنية، بعد أن أُحرقت بيوتهم ونهبت. حدث كل ذلك بتخطيط من اللجنة الأمنية وعلى مرأى من والي البحر الأحمر عبدالله شنقراي، وبصورة بدا واضحاً فيها أن الهدف هو بمثابة رد من اللجنة الأمنية على مبادرة ناظر قبيلة الأمرار علي محمود للتعايش السلمي، عبر الإيغال في سيناريو رسم الفوضى المخطَط له بهدف دفع مكون بني عامر والحباب إلى حمل السلاح ضد الدولة. وبالفعل بدت نذر ذلك عبر تطورات خطيرة، حين ذهب وفد من زعماء وعُمَد قبائل بني عامر والحباب إلى والي البحر الأحمر عبدالله شنقراي، وأخبروه بأنهم لم يأتوه هذه المرة ليطالبوه بالحماية، بل بطلب واحد واضح، وهو رفع الحصار عن حي دار النعيم وإزالة بؤرة تواجد عصابات النيقرز على بعد 500 متر من نقاط ارتكاز الجيش، وأمهلوه مدةً محددة بأنه إذا لم تتم إزالة الحصار ورفع الارتكازات العسكرية من مدخل الحي، فإنهم سيحشدون كل قبائل بني عامر والحباب أمام استحكامات الجيش الذي يحاصر "دار النعيم" استعداداً لكل الاحتمالات.
هذا التطور الخطير الذي يدل على نفاد صبر هذا المكون، هو تطور خطير باتجاه سيناريو الفوضى الكبير الذي تحلم عناصر الثورة المضادة.
ويعتمد سيناريو الفوضى الشاملة لتفجير شرق البلاد، على إيصال مكون بني عامر والحباب (المعروف بالصبر الجميل والتديّن الفطري وحب السلم) إلى درجة اليأس من أي حماية تقدمها لهم الدولة، بالتالي فإن وصولهم إلى نقطة حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم، بتوجيه من النظار والعُمَد (كان الناظر دقلل، ناظر بني عامر قد أمَّن على كل ما تتخذه وكالة بني عامر في البحر الأحمر من قرارات)، ستكون ساعة الصفر التي تحلم بها قوى الثورة المضادة.
وفي هذا الصدد، كتب الناشط السياسي الأستاذ خالد محمد نور، المتابع بدقة لتطورات الأوضاع في بورتسودان منذ بدايتها (وأحد الثوار الناشطين الذين كانوا ضمن وفد شباب الثورة في معيتكم إلى مؤتمر باريس، وهو بالمناسبة من سكان حي دار النعيم، وينتمي لذات المكون الذي تتم محاصرته)، كتب على صفحته في "فسيبوك" "اقتربت ساعة الصفر، لحظة الفوضى الشاملة، وضربة البداية ستكون بورتسودان. كل الاحداث السابقة، على بشاعتها وفداحة خسائرها، هي مقدمة لما بدأت تتضح ملامحه اليوم تماماً. اقتصار القتل الذي يحدث في حي دار النعيم من قبل القوات الأمنية، على تفلت أفراد ينتمون للمكونات المتصارعة أمر مخل جداً، ففي النهاية هذه القوات لها تراتبية قيادة ووسائل سيطرة ومتابعة، ومعلومات استخبارية، وخبرة في التعامل مع النزاعات الأهلية".
وأضاف نور، أن "الأمر أكبر من ذلك، وممنهج بصورة واضحة في طريقة تدخل هذه القوات وانتشار ارتكازاتها، وجرائم القتل والحرق التي تتم أمام ناظريها، وأخيراً هذا البطش المستمر في الأيام الأخيرة.
متابعة تسلسل الأحداث تكشف الصورة، كانت الأحداث في بداياتها تجري ضمن نطاق ضيق، شارع واحد تقريباً، ثم امتدت لتشمل كل الأحياء، في المربعات والرياض وفلب، ثم انتقلت بعدها من الأحياء الجنوبية إلى الأحياء الشرقية، في أحياء الوحدة، وشقر، وديم النور، وولع، وأم القرى. والآن دخلت الأحداث أحياء الزاندة، والميرغنية، وحي المطار.
معلوم ومفهوم بالطبع أن أي حي يمر بحالة اقتتال، تتشكل فيه مجموعات منظَمة، خصوصاً مع تكرر حالات الاقتتال. وأخيراً أصبحت الاشتباكات تتم في الغالب باستخدام الأسلحة النارية (يمكن مراجعة تقارير الوفاة في الأحداث). طبعاً ينطبق هذا الحديث على كل المكونات المتقاتلة من دون رغبة حقيقية من الأجهزة الأمنية في حسم هذه الظاهرة.
إذاً، عندما تأتي لحظة الصفر التي اقتربت، تكون أغلب أحياء المدينة تضم مجموعات منظمة ومسلحة، وتنطلق الفوضى الشاملة لتبتلع كل المدينة، وقتها لن تكون دوافع القتل فقط هي الانتماء الإثني، وإنما سيترافق معها، النهب والسرقة وحتى الخلافات الشخصية.
لتحقِق هذا السيناريو المخيف، يلزم خلق بالونة إلهاء كبيرة جداً تصرف النظر عن خطواته المتسارعة، وبالونة الإلهاء تلك تتمثل في الدور الذي يقوم به السيد ترك تماماً، وبكفاءة عالية، وغالباً دون علمه.
تنشغل الدولة والإعلام بقفل طريق العقبة، أو بتجمع في سنكات أو هداليا، أو أي مشاركة مثيرة للجدل في تظاهرة في الخرطوم، وحتى مواطني بورتسودان ينشغلون بذلك وينقسمون لفريق مؤيد وآخر معارض، فيما هم الهدف الحقيقي من هذا السيناريو المخيف.
هل يمكن وقف هذا المصير الأسود الذي ينتظر بورتسودان أولاً وباقي الشرق تالياً؟
يمكن ذلك ببذل جهد وإحكام سيطرة فوق عادية، أمنياً وسياسياً واجتماعياً، وهذا الجهد لا ترغب الأجهزة الأمنية في بذله، ولا يملك الشق المدني قدرة ولا قوة لتحقيقه، وما زال مجتمع المدينة الذي يساق للمحرقة غافلاً عنه".
بعد كل هذا السرد يا دولة الرئيس عبدالله حمدوك، تساؤلاتنا هي التالية:
هل يمكن القول إن حكومتكم الموقرة لا تعرف طبيعة الدور الخطير الذي تمارسه اللجنة الأمنية في بورتسودان والمآلات الكارثية التي تتجه إليها المدينة في ظل هذه اللجنة الأمنية برئاسة هذا الوالي الضعيف جداً؟
وإذا ما افترضنا أن لديكم معرفة بما يحدث من سيناريو كارثي لمدينة بورتسودان، فما الذي يمنعكم من تدارك هذا الوضع الذي تُساق إليه، وذلك بإقالة سريعة للوالي الضعيف وإقالة اللجنة الأمنية، والاستعانة بفرق تحقيق أممية في ما جرى خلال 6 موجات اقتتال أهلي في المدينة، كان المتسبب الوحيد والحصري فيها، اللجنة الأمنية لولاية البحر الأحمر.
ولماذا لا تتحرك الحاضنة السياسية لحكومتكم (قوى الحرية والتغيير) وتتخذ قراراً حاسماً بإقالة هذا الوالي الذي يجر مدينة بورتسودان إلى الهاوية؟ إن ما يحدث في مدينة بورتسودان وما فيه من قصد واضح لممارسات تهجير وشيطنة مكون بني عامر والحباب، كان نتيجة حملة شيطنة وطعن في هويتهم السودانية من طرف عنصريي المجلس الأعلى لنظارات البجا بقيادة الناظر ترك، وآخرين.
وخير دليل على ذلك، أن حكومة البحر الأحمر طرحت ورقة مبادرة للتعايش السلمي إثر أحداث الاقتتال الأهلي منتصف الشهر الماضي. وكان من البنود المعيبة لتلك الورقة: مراجعة الهوية الوطنية لمكون بني عامر والحباب، وتحديد حدود أراضيهم في شرق السودان! ولا يخفى عليكم يا دولة الرئيس، أن بنوداً كهذه لا تليق أن تكون جزءاً من ورقة تدعو إلى التعايش السلمي بين المواطنين، فضلاً عن أنها تكرس التمييز والعنصرية والإقصاء، وتنافي حقوق المواطَنة. وكان واضحاً أن ضغط المجلس الأعلى لنظارات البجا بقيادة الناظر ترك، على الوالي الضعيف، أدى إلى تمرير هذه الورقة من خلال حكومة والي البحر الأحمر. وللأسف فإن المجلس الأعلى لنظارات البجا عنصري، تعكس أفكاره وشعاراته حول ملكية أرض شرق السودان نمطاً خطيراً يوظف عقيدة قديمة للبجا في تقديس الأرض، بالتالي يعتقد أعضاء هذا المجلس بأحقية ملكية مطلقة للناظر ترك في شرق السودان بطريقة تهدر حقوق المواطنة، والدستور، وحدود سيادة الدولة على أراضيها، والحدود السياسية، فيما الهدف من ذلك كله، هو حيازة غالبية من المناصب العليا، ومواقع القرار الكبرى في مدن شرق السودان الخمس لصالح قيادات المجلس الأعلى لنظارات البجا، عبر استخدام ذلك التصور القروسطي للحيازة القبائلية للأرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبكل تأكيد، إن هوية المدن في السودان هي هوية دستورية، أي أنها ملك لسكانها من المواطنين السودانيين من كافة أنحاء البلاد، وليست فقط للسكان الأصليين (البجا). وبطبيعة الحال، إن هذه الطريقة التي يتعاطى بها المجلس الأعلى لنظارات البجا في مقاربته للعمل السياسي هي طريقة قبائلية خطرة جداً، ونتيجتها الإقصاء والعنصرية والحروب الأهلية في شرق السودان. وكفى بهذا المجلس في نفيه لمواطنية بني عامر والحباب وسودانيتهم، أنه يسقط من اعتباره أراضيهم التي تقع داخل حدود الوطن (وهي أرض سودانية عزيزة تمتد على 5 آلاف كيلومتر مربع) ويغمز من هويتهم السودانية الأصيلة، على طريقة "رمي الجنين مع الماء القذر" ويصفهم في جملتهم باللاجئين.
ولهذا يتمسك الناظر ترك بأن يظل الوالي شنقراي والياً للبحر الأحمر حتى نهاية الفترة الانتقالية، متحدياً فخامتكم وقرارات الدولة السودانية، وهو يرى نتائج ممارسات هذا الوالي الضعيف التي تخدم أجندته، والتي تكاد أن تتسبب في حرب أهلية لا تبقي على أحد في شرق السودان!
دولة الرئيس
تتزايد اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، الدعوات إلى شراء وحمل السلاح بين الناشطين من أبناء بني عامر والحباب والدفاع عن أنفسهم وعوائلهم في مواجهة جيش اللجنة الأمنية، بعد أن يئسوا يأساً مطلقاً من أي حماية لهم من الدولة، بل أصبحت الدولة في عهد هذا الوالي الضعيف هي السبب في قتلهم عبر مخططات اللجنة الأمنية للبحر الأحمر، وممارسات قوات جيش الاحتياطي المركزي في حي دار النعيم.
لكل ذلك، إذا كانت دولتكم ترى ذلك وتسمع وتدرك ما يحدث في بورتسودان من قتل للمدنيين من مكون بني عامر والحباب برصاص الجيش وتهجيرهم وممارسات تمييز، دون أن تتصرف باتخاذ القرارات السليمة والصحيحة، فإن المسؤولية في حدوث حرب أهلية كبرى في شرق السودان تقع على عاتق حكومتكم، بوصفكم رأس هرم الجهاز التنفيذي للدولة، وهي حرب بدت نذرها الخطيرة، ولن تنتهي في حدود شرق السودان.
دولة الرئيس
أتحدث إليكم كأحد أبناء شرق السودان، ومن أبناء مدينة بورتسودان، لأقول لكم، إن ردود فعل مكونات المدينة الأخرى حيال هذه الشيطنة التي يتعرض لها مكون بني عامر والحباب، وممارسات الإقصاء والتهجير والقتل على الهوية من قبل عصابات النيقرز بمساعدة قوات الاحتياطي المركزي للجيش، هي للأسف ردود فعل مخزية، برود مطلق، يتفرج فيه الجميع على ما يحدث لمكون بني عامر والحباب، ثم لا يحركون ساكناً، وكأن هؤلاء ليسوا سودانيين، وكأن أمرهم لا يعني أحداً، ويشمل ذلك غالبية شخصيات المدينة، من مثقفين وإعلاميين (ومنهم مَن هم على مقربة منكم في الخرطوم) وعلماء دين وغيرهم. وربما نتيجة لذلك التخاذل الذي تبديه مكونات مدينة رضعت العزلة بعد طول العيش مع هوية بجاوية تاريخية للسكان المحليين طبعت المدينة، ربما لكل ذلك لم تأخذوا الأمر على محمل الجد، لكن حقيقة الأمر أن الوضع خطير جداً، وهو وضع حذرنا منه في مقالاتنا على مدى أكثر من سنتين في هذه الصحيفة.
دولة الرئيس
لم يفت الأوان بعد لتدارك ما يمكن تداركه بقطع الطريق على مخططات اللجنة الأمنية والمجلس الأعلى لنظارات البجا، الذي يُخضع هذا الوالي الضعيف لأوامره، وهو يرى الندوات التي يقيمها هذا المجلس، وآخرها ندوة في مدينة بورتسودان بنادي البجا في أيام عيد الفطر، حيث جهر أحد العمد التابعين للناظر ترك أمام الملأ وهو يقول بلغة البداويت، "لقد تمكنا من إقصاء مكون بني عامر والحباب من أن يكون لهم نصيب من السلطة (يقصد تجميد المسار) وسنقصيهم أيضاً من الحياة" في إشارة واضحة إلى الاستعداد للحرب الأهلية.
دولة الرئيس عبد الله حمدوك
هذا ما لزم تبيانه لكم بوضوح عبر هذه الصحيفة الغراء، لتدارك الأمور في مدينة بورتسودان بقرارات سيادية حاسمة تقطع الطريق على أي مخطط للحرب الأهلية، كالذي تسعى إليه اللجنة الأمنية ومن ورائها قوى الثورة المضادة.
ونتمنى أن لا تكون هناك تحركات من مكون بني عامر والحباب، بعد اليأس من حكومة سيادتكم، باتجاه طلب الحماية من المجتمع الدولي والأمم المتحدة وطلب تدخل منظمات حقوق الإنسان، لأن هذا هو الخيار المطروح من طرف أبناء هذا المكون حول العالم، حتى لا تكون هناك مأساة لدارفور جديدة في البلاد، فالطبيعة الجيوسياسية لشرق السودان، وما يزخر به من معادن وثروات وساحل بحري استراتيجي، إلى جانب عنصر سكاني هش، كل ذلك سيجعل كل الأطماع الإقليمية والدولية لمحاور كثيرة في انتظار تلك اللحظة التي ينفجر فيها هذا الشرق، لا سمح الله.