في وقت الذي وافق فيه وزراء المالية في "مجموعة العشرين"، على إصلاح اعتبرته الحكومات "تحولاً" بفرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، كشفت دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي، عن أن الاتفاقية التي أقرتها "مجموعة السبع" في الأول من شهر يونيو (حزيران) الماضي، قدمت زخماً جديداً لإصلاح القواعد الضريبية الدولية.
وأشار الصندوق إلى أن وزراء المالية من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أعلنوا التزامهم بوضع حد أدنى عالمي لمعدل ضريبة الشركات على الشركات متعددة الجنسيات بنسبة 15 في المئة على الأقل. وفي حين أنه كان هناك عدد من التفاصيل التي لم يتم التوصل إليها خلال المناقشات العالمية الأوسع، فإن هذه الاتفاقية التاريخية تنذر بخطوة مهمة إلى الأمام على طريق الإصلاح الضريبي الدولي للشركات.
ويسلط هذا الاتفاق الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه الحد الأدنى من الضرائب على المستوى العالمي، للمساعدة في عكس ما يقرب من أربعة عقود من انخفاض معدلات الضرائب العالمية على الشركات وتقليل الحوافز للشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، لتحويل الأرباح إلى الولايات منخفضة الضرائب لتقليل مسؤوليتها الضريبية في كل أنحاء العالم.
التسهيلات تتضمن خفض الضرائب
وكشف الصندوق عن أن هناك توتراً غير طبيعي في عالم ضرائب الشركات. فمن ناحية، تتنافس البلدان بقوة لجذب الشركات والمستثمرين داخل حدودها من خلال تقديم العديد من الحوافز الضريبية القائمة على الربح والتكلفة، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات الضرائب، ومن ناحية أخرى، تدين الحكومات هذه الشركات متعددة الجنسيات، بمجرد أن تنجذب بنجاح إلى البلاد، لعدم دفعها نصيبها العادل من ضرائب الشركات، وترك العبء يقع على عاتق الشركات المحلية التي غالباً ما تكافح.
وتتجه الحكومات بشكل متزايد إلى الحد الأدنى من الضرائب كوسيلة للحفاظ على قاعدتها الضريبية، وينطبق هذا بشكل خاص على البلدان النامية ذات الإدارات الضريبية الأضعف، والتي تواجه تحديات كبيرة في فرض ضرائب فعالة على هذه الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات.
لكن فكرة الحد الأدنى لمعدل الضريبة ليست جديدة، وعلى المستوى المحلي، استخدمت البلدان، الأشكال الحديثة للحد الأدنى من الضرائب منذ ستينيات القرن الماضي، وفرضت ضرائب على الشركات على الدخل الناتج على أساس النشاط المضطلع به داخل أراضيها، والهدف من هذا الحد الأدنى من الضرائب "المحلية" هو منع تآكل القاعدة الضريبية من الاستخدام المفرط لما يعرف باسم "التفضيلات الضريبية".
وتأخذ هذه التفضيلات الضريبية شكل ائتمانات وحسومات وإعفاءات خاصة وبدلات، وعادة ما تؤدي إلى تخفيض مبلغ الضريبة المستحقة على الشركة، ومن خلال وضع حد أدنى لمعدل الضريبة على الشركات، تضمن الحكومات حداً أدنى لمساهمة الشركات في الخزينة العامة.
وعادةً ما يتم حساب الحد الأدنى من الضرائب باستخدام قاعدة ضريبية مبسطة بديلة تتجنب تعقيداًت القاعدة الضريبية القياسية للشركات، وغالباً ما تستند إلى معدل الدوران (الدخل الإجمالي أو التوصيلات) أو الأصول (الصافية أو الإجمالية)، ويستخدم البديل الثالث تعريفات معدلة لدخل الشركات تحد صراحة من عدد الخصومات والإعفاءات المسموح بها.
وباستخدام قاعدة بيانات جديدة للحد الأدنى من أنظمة ضرائب الشركات في كل أنحاء العالم، فقد ازدادت شعبية الضرائب الدنيا على مدى العقود القليلة الماضية، وتعتبر الضرائب الدنيا على أساس معدل الدوران هي الأكثر انتشاراً وتميل إلى أن توجد في البلدان ذات معدلات الضريبة القانونية الأعلى على الشركات (المعدل الذي يفرضه القانون)، وتميل البلدان التي تفرض ضرائب منخفضة إلى الإبلاغ عن إيرادات ضريبية أعلى على الشركات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
عائدات محتملة كبيرة تستحق الدراسة
وكشف صندوق النقد الدولي عن أن إدخال حد أدنى للضريبة يرتبط بزيادة متوسط معدل الضريبة الفعلي، أي معدل الضريبة الذي تدفعه الشركات فعلياً بعد أخذ الإعفاءات الضريبية في الاعتبار، بما يزيد قليلاً على 1.5 نقطة مئوية في ما يتعلق بالدوران، وما يقارب 10 نقاط مئوية بالنسبة للأرباح.
ويؤدي الحد الأدنى من الضرائب المستندة إلى دخل الشركات المعدل إلى أكبر الزيادات في معدلات الضرائب الفعلية، تليها الضرائب المستندة إلى الأصول ودوران الأعمال، وفي النهاية، يعتمد تأثير الإيرادات أيضاً على السعر المطبق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم البيانات على مستوى الشركة للتعرف على الإيرادات المحتملة التي قد تنتج عن إدخال ضريبة افتراضية منخفضة القيمة بنسبة 0.5 في المئة على المبيعات والحد الأدنى للضريبة بنسبة واحد في المئة على إجمالي الأصول، وبالنسبة للبلد الوسيط، يمكن للأول أن يجمع سبع نقاط مئوية إضافية من الإيرادات الضريبية للحكومات مقارنة بالمستويات الحالية والأخيرة تزيد بمقدار الثلث تقريباً.
ويترجم هذا إلى متوسط 0.2 و0.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في الإيرادات الإضافية لضريبة حد أدنى قائم على حجم الأعمال وضريبة على أساس الأصول، على التوالي، بالإضافة إلى متوسط ضريبة دخل الشركة إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي 2.7 في المئة، وتمثل هذه النتائج عائدات محتملة كبيرة تستحق دراسة جادة في السياسة.
حد أدنى لضريبة الشركات العالمية
وقدمت الاتفاقية التي توصلت إليها دول "مجموعة السبع" في شأن الحد الأدنى للضرائب زخماً جديداً لإصلاح القواعد الضريبية الدولية بقيادة المنظمات الدولية. وكجزء من هذا الإصلاح الشامل، اقترحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و"مجموعة العشرين" في أواخر عام 2020 حداً أدنى لضريبة الشركات العالمية التي يمكن تطبيقها على أرباح الشركات متعددة الجنسيات. وستستمر البلدان في تحديد معدلات الضرائب المحلية الخاصة بها، ولكن، إذا دفعت شركة متعددة الجنسيات أقل من الحد الأدنى للمعدل العالمي في بلد آخر، فيمكن أن يكمل بلد أو مصدر سلطة تلك الشركة مسؤوليتها الضريبية لضمان دفعها للحد الأدنى. وبهذه الطريقة، سيتم تقليل مزايا تحويل الأرباح إلى الولايات القضائية منخفضة الضرائب.
ويختلف الاقتراح العالمي لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي و"مجموعة العشرين" عن الحد الأدنى المحلي للضرائب القياسية، إذ إنه لن يركز فقط على الدخل الناتج عن الأنشطة التي تتم داخل البلد، وبدلاً من ذلك، لن يتم تفعيل المدفوعات إلا إذا كانت البلدان الأخرى لا تفرض ضرائب كافية على الشركات متعددة الجنسيات. علاوة على ذلك، يمكن أن ينتهي استخدام الحد الأدنى من الضرائب المحلية بالزيادة لأنها توفر بديلاً أبسط للأحكام المعقدة لهذا الاقتراح لضريبة دنيا عالمية، والتي قد لا يكون لدى عديد من البلدان منخفضة الدخل والبلدان النامية القدرة على تنفيذها.
وعلى الرغم من أوجه القصور المرتبطة بالحد الأدنى للضرائب المحلية، فإنها قد تسمح للبلدان بالاستفادة من إيرادات كبيرة. وبهذه الطريقة، فإن وضع حد أدنى للضرائب على الشركات، على الأقل على المستوى المحلي بمعدلات ضريبية معتدلة، يمكن أن يكون خياراً جيداً للبلدان التي تتطلع إلى الحفاظ على الإيرادات ومنع تآكل قاعدتها الضريبية دون الإضرار بنشاط الشركات.
ومع ذلك، لا يمكن أن تحل الضرائب الضعيفة وحدها محل الإصلاحات التي توسع القاعدة الضريبية للشركات، ويتسبب تكاثر المعدلات المتعددة وكل أنواع التفضيلات الخاصة داخل النظام الضريبي القياسي للشركات في حدوث تشوهات مكلفة وإيرادات منخفضة، ويشجع على التهرب والتهرب الضريبي.
ومن المرجح أن تستمر الحوافز الضريبية لجذب الشركات متعددة الجنسيات حتى بعد إدخال حد أدنى عالمي من الضرائب، وستستمر البلدان في بذل ما في وسعها لجذب الاستثمار الأجنبي لتحقيق النمو والتنمية، لكن قيمة هذه الحوافز ستنخفض، لأن الشركات متعددة الجنسيات ستكون قادرة فقط على خفض التزاماتها إلى 15 في المئة وليس الصفر، بالتالي يبقى أفضل شيء هو التعامل مع هذه الأشياء وإزالتها وجهاً لوجه.
انتصار للمساواة الضريبية
وقبل أيام، وافق وزراء مالية دول "مجموعة العشرين" على مشروع لإصلاح النظام الضريبي المفروض على الشركات متعددة الجنسيات لوضع حد للملاذات الضريبية، ما يشكل تحولاً رئيساً سيبدأ تنفيذه مبدئياً في 2023، وأثار الاتفاق سلسلة من ردود الفعل المؤيدة، من وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، التي دعت العالم "إلى التحرك سريعاً للبت" بالإصلاح هذا، إلى المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية باولو جينتيلوني الذي تحدث عن "انتصار للمساواة الضريبية"، وخلال اجتماعهم، دعا الوزراء الدول المترددة إلى الانضمام إلى الاتفاق، وقد استجابت بالفعل لهذا النداء دولة "سانت فينسنت والغرينادين" الصغيرة في الكاريبي التي وقعت الإعلان. وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، "لا عودة ممكنة إلى الوراء" بعد الآن، مرحباً بهذه "الثورة الضريبية". وقال نظيره الألماني أولاف شولتز، "لن تفلت الشركات الكبيرة بعد الآن من واجباتها الضريبية. لقد ناضلت في سبيل ذلك لفترة طويلة".
وينص الإصلاح على ضريبة عالمية "لا تقل عن 15 في المئة" على الشركات للقضاء على الملاذات الضريبية وفرض ضريبة على الشركات، حيث تحقق إيراداتها، وستوضع اللمسات الأخيرة عليه بحلول أكتوبر (تشرين الأول) على أن يدخل حيز التنفيذ اعتباراً من 2023.