لطالما اعتقدتُ أن فال كيلمر هو بطل خارق منذ رأيته للمرة الأولى. بالنسبة إليّ كان أول ممثل أشاهده يلعب دور باتمان على الشاشة الكبيرة، مما بث في روحي بعض الإثارة التي لم تتأثر بالنسخة التلفزيونية التي قام ببطولتها آدم ويست، إذ كان قادراً على طرد أسماك القرش باستخدام رذاذ خفاشي له خواص خارقة. كنت في التاسعة من عمري عندما عرضت دور السينما فيلم "باتمان إلى الأبد" Batman Forever، وربما كانت تلك هي السن المناسبة تماماً كي أشعر بالرهبة من جاذبيته المتواضعة والعظيمة في آن معاً. كان هناك تومي لي جونز يقدم أداء ملتهباً لشخصية "ذو الوجهين" (هارفي دينت) العدو الفظيع لباتمان، بينما يسرق جيم كاري الأضواء في دور ريدلر (إدوارد نيغما) العالم المجنون، ووسط كل هذا الزخم، كان فال نفسه موجوداً، يجسد شخصية البطل الخارق الذي يبدو كمحبوب مثالي للجماهير. كان يتمتع بتلك الجاذبية على الأقل عندما كان بإمكاننا رؤية وجهه. فكما قال كيلمر ذات مرة لصحيفة أورلاندو سينتينل، "فعلياً عندما تكون مرتدياً زي باتمان ذاك فأنت لا تقوم بالتمثيل إلى حد بعيد، باستثناء فتحتي أنفك".
في ذلك الوقت، لم يخطر ببالي أبداً أن كيلمر لم يكن يعيش أوجه وهو يتجول مرتدياً بدلة مطاطية سوداء ويخرج كل انفعالاته عبر فتحتي أنفه أمام نيكول كيدمان. الفيلم الوثائقي الجديد "فال" Val من إخراج وإنتاج ليو سكوت وتينغ بو، والذي كان ثمرة العمل على آلاف الساعات من تسجيلات الفيديو المنزلي وحصل على مراجعات إيجابية عند عرضه للمرة الأولى في مهرجان "كان" السينمائي هذا الأسبوع، يكشف أن تألق الممثل في الشخصية المستمدة من القصص المصورة التي وضعها جويل شوماخر جعله يشعر وكأنه ليس أكثر من مجرد ترس صغير في آلة عملاقة. لقد كان يعتبر نفسه دائماً أنه يقدم فناً رفيعاً، فقد درس في مدرسة جوليارد، أرقى معاهد فنون الأداء كالغناء والرقص، وقبل سنوات كان قد ترفع عن المشاركة في فيلم "توب غن" Top Gun بسبب "السيناريو السخيف"، قبل أن يُلزمه عقده الفني على لعب شخصية "آيس مان" في الفيلم. على كل حال، لم يكن لديه مثل هذا الالتزام القانوني مع شخصية باتمان، لكنه رفض إعادة تجسيد الدور في فيلم "باتمان وروبن" Batman and Robin، إذ سلّم عباءة البطل الخارق الكريهة إلى جورج كلوني، وشارك في فيلم "القديس" The Saint بدلاً من ذلك.
لو أنني كنت، نتيجة لبعض الأحداث غير المحتملة، طفلاً يعمل مستشاراً وظيفياً يقدم المشورة لكيلمر في هذه المرحلة لكنت نصحته بأن يقوم بهذه الخطوة بالضبط. كان حتى أن فيلم "القديس" كان أكثر جاذبية من "باتمان". في الستينيات كانت هناك للتو معالجة تلفزيونية من بطولة روجر مور لقصة "القديس" التي تستند إلى سلسلة أدبية من تأليف ليزلي تشارتريس، وبالتالي كان من الطبيعي أن يمهد الفيلم الطريق لكيلمر للحصول على دور جيمس بوند. كان عليه تجسيد نوع مختلف من الأبطال الخارقين، فقد كان دمثاً ومعقداً، ولا يغطي النصف العلوي من وجهه بالكامل.
لم تسر الأمور كما هو مخطط لها، فشخصية "سيمون تيمبلر" التي يلعبها كليمر في "القديس" تبدو خبيرة في التنكر، لكن الأزياء المبالغ بها واللكنة غير الجيدة لا تتماشى حقاً مع سياق فيلم يحاول تقديم الأمور بشكل مباشر، ولم يكن من مصلحة العمل صدور الفيلم الكوميدي الناجح "أوستن باورز، رجل الغموض الدولي" Austin Powers: International Man of Mystery في العام نفسه 1997، إذ كان يسخر من نمط الأفلام التي ينتمي إليها "القديس" وجعلها تبدو بالية أكثر بالمقارنة. ذلك الدور الذي كان يعتبر في مرحلة ما فرصة كيلمر للحصول على امتياز خاص يحقق له شهرة عالمية، تحول إلى آخر دور بطولة يقوم به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان لا يزال يقوم بعمل رائع، لا سيما في الكوميديا السوداء الرائعة "كيس كيس بانغ بانغ "Kiss Kiss Bang Bang للمخرج شين بلاك في عام 2005، إذ كان يقدم أداء ملتهباً عندما يخوض مشادة كلامية مع روبرت داوني جونيور الذي كان يشاركه البطولة، لكن كان من الواضح أنه قد فقد بعض قدراته. اكتسب كيلمر سمعته بفضل كونه مستعداً لتقديم كل ما يحتاجه الدور أكثر من أي ممثل معاصر له. لكن تلك السمعة، كانت تتضاءل.
تحدثتُ قبل عامين إلى المخرج أوليفر ستون حول اختيار كيلمر لدور جيم موريسون في فيلم "الأبواب" The Doors عام 1991. قال لي ستون: "لقد كان يطاردني، وكان يريد المشاركة في فيلم "فصيلة" Platoon لكن ذلك كان مستحيلاً. كان يحضر اختبارات الأداء وكان غريب الأطوار نوعاً ما. وهناك كثير من الممثلين غريبي الأطوار، لكنه كان حاضراً بالفعل. لقد أجرى اختبار أداء غريباً لشخصية إلياس، الدور الذي أسند إلى ويليم دافو في النهاية. قدم اختباراً خاصاً به، وكان يستلقي على الطاولة ويقلد جيم موريسون بالطريقة المعروفة عنه، ولم يكن ذلك مناسباً على الإطلاق بالنسبة إلى هذا الفيلم لأنه لم يكن عسكرياً، ثم عندما كنت أصنع فيلم "الأبواب" ظهر مرة أخرى في حياتي وكان قد جهز شريطاً بالفعل."
يعتبر تصوير كيلمر لشخصية موريسون أحد أكثر الأداءات الرائعة في حياته المهنية، ولا يقتصر الأمر على نجاحه في أن يبدو مثل المغني المعروف باسمه الفني "ليزارد كينغ" وحسب، بل كان صوته مشابهاً تماماً، ويقدر ستون أن 40 في المئة من الأغاني في الموسيقى التصويرية لفيلم "الأبواب" كانت من أداء موريسون بينما أدى كيلمر 60 في المئة منها. أشار ستون أيضاً، وفقاً لتمرده المعروف عنه، إلى أن كيلمر أثبت أن العمل معه صعب. يتذكر ستون أنه قال له: "بالطبع يا فال، إن تمتع موريسون بعقلية مغالى فيها ستحول تعبه من الغناء إلى ميلودراما. أصاب هذا الجميع بالجنون بعض الشيء، وكان يخضع لكثير من جلسات التدليك. كانت فاتورة التدليك خلال هذا الفيلم ضخمة. لقد أنفقنا 20 ألف دولار أميركي على الأقل في التدليك، ولم يكن بالقوة التي تتوقعها من رجل ضخم البنية ويبدو قوياً، راح التعب يبدو عليه".
بحلول عام 2014 تراجعت مسيرة كيلمر السينمائية بسبب شغفه بمارك توين، وأثناء قيامه بجولة لعرضه المسرحي المنفرد" المواطن توين"Citizen Twain، في ناشفيل، اكتشف وجود كتلة ضخمة في حنجرته بالكاد كان يستطيع البلع، وتم تشخيص إصابته بسرطان الحنجرة وخضع للجراحة والعلاج الكيماوي والإشعاعي. دمر السرطان أحباله الصوتية وسرق صوته، وتركه يتكلم ويتنفس ويأكل من خلال أنبوب مثبت في القصبة الهوائية. أشارت الصحافية تافي بروديسر آنكر عندما أجرت مقابلة مع كيلمر لمصلحة صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي إلى أن "صوته كان ما بين الصرير والصراخ الصامت. شرح لي أن قدرتي على فهم ما يقوله هي نتيجة للتدريبات الصوتية التي لا نهاية لها التي تدرب على القيام بها عندما التحق بمدرسة جوليارد الفنية بعد المرحلة الثانوية، وبفضل تعلمه كيفية استعمال صوته وكأنه بوق."
كان من السهل على كيلمر الاحتجاب عن العامة في هذه المرحلة، ففي نهاية المطاف لديه ثروة من أعماله السينمائية، لكن حتى بعد كل ما مر به لا يزال يصنع الأفلام ويروي القصص، ويشد من عزيمة نفسه للقيام بذلك. إنه يدير معرض "هيل ميل"، وهو معرض فني واستوديو في هوليوود، ولا يزال مخلصاً لحلمه في تقديم نسخته الخاصة من سيرة مارك توين على الشاشة الكبيرة، وقد تمكن مع وثائقي "فال" من العثور على طريقة يبوح فيها عن حياته وانتصاراته وهزائمه على الرغم من محاولات السرطان القاسية لإسكاته، فإذا لم يكن هذا الممثل بطلاً خارقاً، فلا أدري من يمكن أن يكون.
© The Independent