أعلن المفاوض الحكومي الأفغاني، نادر نادري، الخميس 15 يوليو (تموز)، أن حركة طالبان اقترحت وقفاً لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، مقابل إطلاق سراح نحو سبعة آلاف متمرد محتجزين في سجون البلاد، في وقت أكدت باكستان أن الحركة المسلحة سيطرت على معبر حدودي رئيس.
وقال نادري للصحافيين "إنه طلب كبير"، مضيفاً أن المتمردين طلبوا أيضاً شطب أسماء قادة في الحركة من اللائحة السوداء للأمم المتحدة.
ولم يتضح بعد رد الحكومة على مقترح وقف إطلاق النار، ولا متى عرضته الحركة، علماً بأنه يأتي فيما تسرع الولايات المتحدة وتيرة خروج جنودها واستكمال انسحابهم قبل 31 أغسطس (آب).
وقال متحدث باسم "طالبان" إنه على علم فقط بمقترح لوقف إطلاق النار لمناسبة عيد الأضحى.
وقف لإطلاق النار في بدغيس
وفي السياق نفسه، توصل المسؤولون في ولاية بدغيس بغرب أفغانستان، والتي يهاجم المتمردون عاصمتها قلعة ناو منذ أيام عدة، إلى وقف لإطلاق النار مع طالبان، وفق ما أفاد حاكم الولاية حسام الدين شمس وكالة الصحافة الفرنسية الخميس.
وقال الحاكم إن "وقف النار بين القوات الأفغانية وطالبان بدأ تطبيقه اليوم قرابة الساعة العاشرة" و"تولى الزعماء التقليديون التفاوض في شأنه".
وهاجم مقاتلو طالبان قلعة ناو مراراً منذ السابع من يوليو، وهي أول عاصمة إقليمية يستهدفونها منذ شنوا في بداية مايو (أيار) هجومهم الواسع على القوات الأفغانية تزامناً مع بدء الانسحاب النهائي للقوات الأجنبية من البلاد. ولكن كان يتم صدهم في كل مرة بعد معارك عنيفة.
طالبان تسيطر على معبر مع باكستان
وتأتي تصريحات نادري في وقت استخدمت فيه قوات الحدود الباكستانية الغاز المسيل للدموع لتفريق حشد من مئات الأشخاص حاولوا اجتياز معبر حدودي لدخول أفغانستان، وفق مسؤولين.
وكانت السلطات الباكستانية أغلقت المعبر قبل يوم في أعقاب سيطرة متمردي طالبان على الجانب الأفغاني من الحدود في إقليم "سبين بولداك"، وتحقيقهم مزيداً من المكاسب الميدانية منذ تسريع القوات الأجنبية خروجها من أفغانستان.
وفيما قال مسؤول حكومي كبير في إقليم قندهار الجنوبي، لوكالة "رويترز"، إن القوات الحكومية استعادت السيطرة على السوق الرئيسية في المنطقة وإدارة الجمارك وغيرها من المنشآت الحكومية في البلدة الحدودية بعد ساعات قليلة من سيطرة طالبان عليها، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، زاهد حفيظ تشودري، أن معبر "سبين بولداك" بات تحت سيطرة الحركة. وقال المتحدث باسم الوزارة، زاهد حفيظ تشودري، "سيطروا على معبر سبين بولداك الحدودي".
وكان المسؤولون الباكستانيون قد أغلقوا الحدود الأربعاء، بعد أن سيطرت طالبان على "سبين بولداك" ورفع المتمردون رايات الحركة في البلدة.
التجمعات عند المعبر
وقال مسؤول أمني، طلب عدم الكشف عن اسمه في معبر شامان الحدودي على الجانب الباكستاني، لوكالة الصحافة الفرنسية، "هذا الصباح (الخميس)، حاول حشد مؤلَّف من قرابة 400 شخص غير منضبطين يرغبون في المرور، عبور الحدود بالقوة. رموا حجارة ما أجبرنا على استخدام الغاز المسيل للدموع". وأضاف أن قرابة 1500 شخص كانوا قد تجمعوا منذ الأربعاء على الحدود بانتظار عبورها.
وقال مسؤول باكستاني آخر من حرس الحدود، طلب أيضاً عدم ذكر اسمه، "أُرغمنا على ضربهم، لأنه لم يكن بالإمكان السيطرة على الناس".
وأوضح جماداد خان، وهو مسؤول حكومي كبير في شامان، أن الوضع حالياً "تحت السيطرة".
وأكد مصدر من طالبان أن مئات الأشخاص كانوا قد تجمعوا أيضاً في الجانب الأفغاني، أملاً في العبور إلى باكستان. وقال، "نجري محادثات مع السلطات الباكستانية. من المقرر عقد اجتماع رسمي اليوم بشأن فتح الحدود، ونأمل بأن تُفتح خلال يوم أو اثنين".
وفي وقت لاحق، الخميس، قال أحد مسؤولي الحدود الباكستانيين إن المعبر سيُفتح الجمعة.
الأهمية الاستراتيجية
ويُعد معبر "سبين بولداك" الحدودي أحد أهم المعابر من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى طالبان، إذ يمكن الوصول عبره مباشرة إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، حيث تتمركز قيادة طالبان منذ عقود وينتشر عدد غير معروف من العناصر الاحتياطيين الذين يُرسلون إلى أفغانستان للقتال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُعتبر طريقاً سريعاً رئيساً يربط الحدود بكراتشي العاصمة الاقتصادية لباكستان ومينائها الشاسع المطل على بحر العرب، وأساسياً لتجارة الهيروين في أفغانستان التي تدر مليارات الدولارات، وكانت مصدراً مهماً لتمويل الحرب التي تشنها طالبان منذ سنين.
ومعبر "سبين بولداك" كان الأخير ضمن النقاط الحدودية والمواني الداخلية التي سيطر عليها المتمردون في الأسابيع الأخيرة، في وقت يسعون لخنق العائدات التي تحتاج إليها كابول بشدة وفي الوقت نفسه لملء خزائنهم.
وقال التاجر في "سبين بولداك"، محمد رسول، إن "السوق مغلقة، والتجار خائفون من أن يسوء الوضع". وأضاف، "يخشون أن تتعرض بضائعهم للنهب، هناك عشرات الانتهازيين الذين ينتظرون للقيام بأعمال نهب".
ترسيخ المكتسبات الميدانية
وقالت المحاضرة في الجامعة الأميركية بأفغانستان، موسكا دستغير، إن مقترح طالبان لوقف إطلاق النار هو على الأرجح محاولة من الحركة لترسيخ المواقع التي كسبتها بسرعة في الأسابيع الماضية.
وأضافت في تغريدة أن "وقفاً لإطلاق النار الآن من شأنه الحؤول دون استعادة قوات الدفاع الأفغانية نقاطاً حدودية مهمة استولت عليها طالبان أخيراً". وتابعت، "أعتقد أن توقيت مقترح وقف إطلاق النار هذا يتعلق برغبتهم في ترسيخ نفوذهم على هذه المناطق".
وشخص واحد في الأقل من أهالي كابول رأى أنه لا يمكن الوثوق بـ"طالبان".
وأفرجت السلطات العام الماضي عن أكثر من خمسة آلاف سجين من الحركة لدفع محادثات سلام في الدوحة، لكن المفاوضات فشلت حتى الآن في التوصل إلى أي حل سياسي، ويشير الهجوم الأخير لـ"طالبان" إلى أن المتمردين في طريقهم لتحقيق انتصار عسكري.
الصين تدرس المخاطر والفرص في أفغانستان
في غضون ذلك، يفتح خروج القوات الأميركية من أفغانستان وكذلك الزحف الذي لا يمكن وقفه على ما يبدو لحركة "طالبان"، نافذة استراتيجية للصين مليئة بالمخاطر والفرص على حد سواء.
وتكره الصين وجود فراغ في السلطة خصوصاً على حدودها، وسيكون إرساء الاستقرار بعد عقود من الحرب لدى جارتها الواقعة غرباً، الاعتبار الأول لبكين.
لكن إذا تطلب الاستقرار حكومة تهيمن عليها طالبان، فإن الدعم الذي يمكن أن تقدمه تلك السلطات للانفصاليين في منطقة شينجيانغ الصينية، سيثير قلقاً مماثلاً.
وليس بين قادة الحزب الشيوعي الصيني في بكين ومتشددي طالبان الكثير من الأرضية الأيديولوجية المشتركة، لكن المحللين يقولون إن البراغماتية المشتركة يمكن أن تؤدي إلى تقديم المصلحة الشخصية على الفوارق الحساسة.
ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، فان هونغدا، لوكالة الصحافة الفرنسية، "بالنسبة إلى الصين، فإن الخطر لا يأتي من الجانب الذي يمسك بالسلطة في أفغانستان، ولكن من خطر عدم الاستقرار المستمر".
توسيع "مبادرة حزام وطريق"
ولأفغانستان حدود بطول 76 كيلومتراً فقط مع الصين، على علو مرتفع ومن دون نقطة عبور. لكن تلك الحدود تمثل مصدر قلق كبيراً، لأنها تمتد بمحاذاة شينجيانغ، وتخشى بكين أن تستخدمها جارتها منصة للانفصاليين الأويغور.
وقال مؤلف كتاب "محور الصين باكستان" أندرو سمول، إن "الصين يمكنها التعامل مع طالبان... لكنها مع ذلك تعتبر أجندة طالبان الدينية ودوافعها، مزعجة بطبيعتها". وأضاف، "لم يسبق لهم التأكد من استعداد طالبان وقدرتها على تطبيق اتفاقات حول قضايا مثل إيواء مقاتلين من الأويغور".
وبالنسبة إلى بكين، فإن إدارة مستقرة ومتعاونة في كابول من شأنها أن تمهد الطريق أمام توسيع "مبادرة حزام وطريق" في أفغانستان وعبر جمهوريات آسيا الوسطى.
"طالبان" من جانبها، ستعتبر الصين مصدراً بالغ الأهمية للاستثمار والدعم الاقتصادي، إما مباشرة وإما من خلال باكستان، الراعي الإقليمي الرئيس للمتمردين والحليف الوثيق لبكين.
وقال المتحدث باسم طالبان، سهيل شاهين، إن المتمردين يريدون إقامة "علاقات جيدة مع كل دول العالم". وشدد على أنه "إذا أرادت أي دولة استكشاف مناجمنا، فستكون موضع ترحيب"، مضيفاً "سنقدم فرصة جيدة للاستثمار".
"إعادة طالبان إلى اللعبة السياسية العادية"
وسبق لبكين أن فتحت حواراً، إذ استضافت وفداً من طالبان في عام 2019. وهذا الأسبوع، استضاف وزير الخارجية، وانغ يي، محادثات حول الأمن الإقليمي في وسط آسيا.
والروابط الخلفية مع طالبان عبر باكستان تعود إلى فترة أبعد، "وسمحت للصين بتفادي هجوم إرهابي كبير على مشاريعها في أفغانستان"، وفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ليبر" في بروكسل، تييري كيلنر.
وتشمل تلك المشاريع منجم "أينك" العملاق للنحاس قرب كابول، الذي حصلت شركة صينية في عام 2007 على امتيازات مربحة مفترضة فيه، ولكن تأخر العمل فيه بسبب النزاع.
وبما أن الحكومة الأفغانية فشلت في توفير الأمن في أماكن تريد بكين القيام باستثمارات كبيرة فيها، "تعتقد الآن أنه من غير الضار أن يركزوا على طالبان ويعطوهم فرصة"، حسبما يرى خبير الشؤون السياسية عطا نوري في كابول.
وحققت بكين مكسباً سياسياً من خروج القوات الأميركية، وحذرت من أن أفغانستان يمكن أن تصبح مجدداً "برميل بارود المنطقة وملاذاً للإرهاب".
وشدد وانغ أيضاً على الحاجة "إلى إعادة طالبان إلى اللعبة السياسية العادية"، وذلك خلال محادثاته مع نظيريه الأفغاني والباكستاني.
ترقب لاتضاح الصورة
وإذا ما سيطرت طالبان على أفغانستان، فإن بكين ترى الاستثمارات المالية طريقة لحشد الدعم. وقال نوري، "الصين لا تريد أن تنشر جنوداً على الأرض لكنها سترغب في أن تنخرط اقتصادياً وتستفيد من الموارد المعدنية الهائلة في أفغانستان".
ويمكن أن يصل ذلك إلى حد اتفاق حول شينجيانغ، إذ تقول مجموعات حقوقية إن مليوناً من الأويغور وغيرهم من الأقليات ذات الغالبية المسلمة، وضعوا في "معسكرات" لإعادة التأهيل، إضافة إلى اتهامات باللجوء إلى عمليات "تعقيم قسري" و"أعمال سخرة".
وردت الصين بتحدٍّ على إدانات دولية "للمعسكرات" التي تقول إنها مراكز تدريب ضرورية لاجتثاث التطرف. وفيما ضخت بكين الأموال لدى حليفتها باكستان، لزم رئيس الوزراء، عمران خان، الصمت بشكل واضح بخصوص شينجيانغ المحاذية لبلاده.
وبتوقيع اتفاقات مع طالبان تأمل بكين أن تلزم الحركة الحياد علناً بشأن قضية الأويغور.
ولكن المشكلات الأكثر إلحاحاً ستعيق تدفق الأموال الصينية حالياً، حسبما ترى عايشة صديقة، الخبيرة بشؤون الجيش الباكستاني واستثماراته الاقتصادية. وقالت، "هل أفغانستان جاهزة للاستثمار؟ الجواب هو لا".
وأضافت، "الصين لم تبدِ حماسة حتى الآن لضخ الأموال في أفغانستان، وستستمر في ذلك حتى تتضح الصورة" حول الاتجاه الذي سيسلكه هذا البلد الآسيوي.