تسببت إهانة كمسري (محصِّل تذاكر) مواطناً بأحد القطارات في مصر، في عاصفة من الغضب الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، تبعها قرار من وزارة النقل لتهدئة الموقف ومعاقبة المحصل.
تفاصيل الواقعة وتعنت المحصل
حدثت الواقعة داخل أحد القطارات المتجهة إلى محافظة المنوفية شمال العاصمة، حين استوقف محصل التذاكر أحد الركاب لسؤاله عن تذكرته، فتبين أن صلاحيتها تنتهي في محطة مضى عليها القطار ولم ينزل الراكب، لرغبته في النزول في المحطة التالية، وأصر على تغريمه بدفع 21 جنيهاً (1.34 دولار أميركي) فأجابه الراكب بأنه لا يملك ذلك المبلغ، وأنه يستخدم التذكرة نفسها في كل مرة يسافر بها عبر القطار، فنشبت بينهما مشادة، فتعدى المحصل بالضرب على الرجل أمام ابنته التي لا تتجاوز 11 عاماً، وتدخلت سيدة عرضت دفع الغرامة لكن المحصل رفض، فسجلت الواقعة بكاميرا هاتفها المحمول، ونشرت الفيديو على "فيسبوك".
وخلال دقائق كان الفيديو من بين الأكثر تداولاً في مصر، واهتم به الرأي العام، لما فيه من بكاء الطفلة وخوفها على والدها، وتضمن استغاثة هناء زكي مصورة الفيديو بكامل الوزير، وزير النقل المصري، وقيادات هيئة السكك الحديدية، بعد صفع الراكب أمام ابنته، على حد قولها في الفيديو.
وروت مصورة الفيديو الواقعة، بأنها كانت في القطار وسمعت أصواتاً مرتفعة، وذهبت لتتبيّن ما يحدث، وعلمت أن السبب الخلاف على دفع الغرامة المالية لتجاوز المحطة المقررة في التذكرة، فبادرت بإخراج 50 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات) لدفعها للكمسري وحل المشكلة، لكنه رفض وطلب أن يدفعها الراكب صاحب التذكرة، وتطور الأمر إلى اعتداء بالضرب من جانب أحد المرافقين للكمسري، وأهان الراكب أمام ابنته، التي صدمت من المشهد ودخلت في نوبة من البكاء.
وأوضحت هناء في تصريحات صحافية أنها حذرت الكمسري من عدم قانونية ما يفعله لأنها عرضت دفع الغرامة، وكذلك العديد من الركاب عرضوا التكفل بدفعها، لكنه أصر على تسلمها من صاحب التذكرة. وأضافت أنها حين وصلت إلى محطة قطار شبين الكوم أبلغت قسم الشرطة بالواقعة، وسلمت لهم الفيديو قبل نشره على "فيسبوك".
فزع "ملك" وعقوبة مغلظة
محمد رشاد، الراكب المعتدَى عليه من الكمسري، قال إنه من سكان القاهرة ويستقل القطار بصفة مستمرة، بصحبة ابنته ملك لزيارة جدتها لوالدتها، في إحدى قرى مركز منوف بمحافظة المنوفية، ولم يحدث سابقاً موقف مماثل لما عاشاه.
وأضاف في تصريحات صحافية محلية أنه فوجئ بالكمسري يسأله عن التذكرة، وحين فحصها ارتفع صوته وقال إنه سيحرر مخالفة ضده وطالبه بقيمة الغرامة المالية، وحين رفض رشاد لأنه يستخدم تذكرة مماثلة في كل مرة، نشبت بينهما مشادة، ودفعه الكمسري مرات عدة، فأصيبت ابنته بالذعر وأخذت تبكي، ولم تفلح محاولاته لتهدئتها، وكانت تصرخ "أنا خايفة يا بابا"، موضحاً أنه حاول النزول في المحطة التالية لكن الكمسري منعه، إلى أن نجح الركاب في تخليصه من الكمسري الرافض تسلم قيمة الغرامة من الركاب الذين تدخلوا لحل الموقف، وفي النهاية نزل في محطة شنوان، في ظل انهيار ابنته من الموقف الذي عاشته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد ساعات من تداول الفيديو، أصدرت هيئة السكك الحديدية بياناً أعلنت فيه إيقاف كمسري القطار وتحويله إلى التحقيق، وأكدت أن المخطئ سينال عقوبة مغلظة ولا تهاون في حق أي راكب، وفق البيان.
وأضاف البيان أن توجيهات وزير النقل للعاملين أن يكون التعامل مع الركاب في إطار الاحترام ووفقاً للقانون، وتابع "تؤكد الهيئة على الاحترام التام لكافة جمهور الركاب، وأن كل العاملين بها يستهدفون خدمة الراكب المصري والعمل على تسهيل حركة تنقله عبر خطوط السكك الحديدية المختلفة، مع الحفاظ على حق الهيئة في تحصيل قيمة تذكرة السفر بالطرق القانونية بما ينعكس على الخدمة المقدمة للراكب".
واقعة "قطار منوف" شغلت الرأي العام في مصر، وتدُوول الفيديو في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، كما علق الفنان هاني رمزي على حسابه الرسمي بموقع "تويتر"، وطلب إيصاله بالمواطن صاحب الواقعة وابنته لتقديم دعوة لهما لحضور مسرحيته الكوميدية "أبو العربي".
وقائع متكررة
في المقابل، تكررت في العامين الأخيرين وقائع الخلافات بين محصلي التذاكر ومواطنين قالوا إنهم لا يملكون ثمن التذكرة، وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، لقي شاب مصرعه وأصيب آخر، قال شهود عيان إن المحصل أخبرهما أن عليهما الاختيار بين سداد ثمن التذكرتين أو تسليمهما إلى الشرطة أو القفز من القطار خلال سيره، ولاحقاً ألقت الشرطة القبض على المحصل، ووجهت تهمة القتل العمد إليه.
وفي سبتمبر (أيلول) عام 2020، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمحصل قطار أهان مجنداً بالجيش المصري، لعدم امتلاكه 22 جنيهاً (أقل من دولارين) ثمن تذكرة القطار، وتدخلت سيدة ودفعتها بدلاً عنه، وخلال الأيام الماضية تُدوول فيديو لاعتداء أحد كمسرية القطارات على موظف عام.
أصدرت وزارة النقل بياناً بعد الواقعة الأخيرة أكدت احترامها الركاب وتصديها لأي تجاوز بحقهم، مؤكدة أنه يُحقق فوراً في أي واقعة تبث على وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حالة ثبوت أي خطأ في حق أي راكب تُوقع عقوبة على المخطئ ويُقدم اعتذار فوري للراكب.
وأضافت أن الكمسرية ومفتشي القطارات يعملون في ظروف صعبة، وقد يحدث سلوك سلبي فردي منهم، وهو ما لا يعبر عن كل موظفي هيئة السكك الحديدية.
وأشارت إلى أن تحصيل ثمن التذكرة أو الغرامة هدفه الحفاظ على أموال الدولة والشعب، لكن التعليمات للموظفين بأن يكون التعامل باحترام مع الراكب، وطالبت الوزارة بعدم ركوب القطار من دون تذكرة "لأن قيمتها تساهم في زيادة العوائد المالية للهيئة واستمرار تحسين الخدمة المقدمة لجمهور الركاب والمحافظة على مرفق السكة الحديد الذي هو ملك للشعب" بحسب نص البيان.
تحرك برلماني
وقد وصلت تداعيات الواقعة إلى البرلمان المصري، إذ أعلن عبد الوهاب خليل، عضو مجلس النواب، عزمه التقدم خلال أيام بمشروع قانون يهدف إلى فض الاشتباك بين «كمسرية القطارات» والركاب، بعد تكرار تلك الوقائع.
وقال النائب في بيان صحافي إن التعديل التشريعي المقترح يهدف إلى حفظ كرامة المواطنين وعدم ضياع حق الدولة، وتضمنت اقتراحاته أن تُحصل الغرامات من الركاب من خلال عدة وسائل، منها توثيق الغرامة على بطاقة الرقم القومي، ومطالبة الراكب بها خلال دفع أي التزامات أو فواتير لاحقة للدولة، "أو إدراجها على مستحقات استخراجه الترخيصات الخاصة بالسيارات أو استخراج شهادات المواليد أو أي من المستخرجات الرسمية، أو تحديد مدة زمنية يدفع خلالها المخالف الغرامة، وفى حالة عدم الدفع خلال هذه المدة تُحال إلى النيابة العامة، وهو ما يضمن حق الدولة، من دون أن يضطر المواطنون إلى الدخول في حالة سجال أو مشاجرات".