كثّف عناصر من الجيش ورجال الإطفاء، ليلة الجمعة السبت، جهود البحث عن ضحايا الدمار الذي خلّفه أسوأ الفيضانات التي اجتاحت غرب أوروبا منذ عقود، وأودت بأكثر من 157 شخصاً وعشرات المفقودين.
وتعرّضت مناطق غرب ألمانيا لأسوأ الأضرار جراء الفيضانات التي ضربت أيضاً بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا، تاركة شوارع ومنازل مغمورة بالمياه الموحلة عزلت تجمعات سكنية بأكملها.
مع حصيلة قتلى في ألمانيا وصلت إلى 133 بعد ثلاثة أيام على الكارثة، تشير تقديرات الشرطة إلى أن من بين هؤلاء نحو 90 في منطقة أرفيلر جنوب كولونيا. ولا يزال مئات الأشخاص في عداد المفقودين.
وقالت السلطات إنها أجلت نحو 700 من السكان في ساعة متقدمة من مساء أمس الجمعة بعد انهيار سد في بلدة فاسنبرغ قرب كولونيا.
تفاؤل حذر
وقال مارسيل ماورير، رئيس بلدية مدينة فاسنبرغ، "استقرت مستويات المياه منذ الليلة الماضية، ويمكن القول إن الوضع مستقر. من السابق لأوانه إعلان زوال الخطر، لكننا متفائلون بحذر".
وتوقّع عناصر الإنقاذ العثور على مزيد من الجثث في الأقبية العائمة والمنازل المنهارة مع بدء عملية التنظيف بشكل جدّي.
وأدى فيضان سد في منطقة هاينسبرغ على بعد 65 كيلومتراً جنوب غربي دوسلدورف ليلاً، إلى إجلاء مئات السكان بشكل طارئ.
وفي المناطق الأكثر تضرراً بألمانيا في شمال الراين وستفاليا وراينلاند - بالاتينات، كان السكان الذين فرّوا من الفيضانات يعودون تدريجاً إلى منازلهم وسط مشاهد الخراب.
وقالت الخبازة كورنيليا شلويسر، "في غضون دقائق، اجتاحت موجة المنزل"، وكانت تصف الأمطار الغزيرة التي هطلت ليلة الأربعاء على بلدة شولد "جارفة معها متجر العائلة العائد إلى قرن مضى".
وأضافت "كان كابوساً استمر 48 ساعة، ونحن ندور في حلقة، لكننا لا نستطيع فعل أي شيء". وكانت تنظر إلى أكوام المعدن الملتوي والزجاج المكسور والأخشاب التي تراكمت عند واجهة متجرها المدمر.
وفي بعض المناطق المتضررة، بدأ رجال الإطفاء والمسؤولون المحليون والجنود وبعضهم على متن دبابات، مهمة ضخمة تتمثّل في إزالة أكوام الركام التي تسدّ الشوارع.
وأقرّ رئيس بلدية سولينغن، المدينة الواقعة في جنوب منطقة الرور تيم كورتسباخ بأن "المهمة ضخمة".
مسح المباني المتضررة
ويتضح الآن الحجم الحقيقي للكارثة، إذ يجري مسح المباني المتضررة التي سيتعيّن هدم بعضها، فيما تُبذل الجهود لاستعادة خدمات الغاز والكهرباء والهاتف.
وأدى تعطل شبكات الاتصالات إلى تعقيد الجهود لمعرفة عدد المفقودين، فيما بات معظم الطرق في وادي أهر الغارق بالمياه، خارج الخدمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت كارولين فايتسل، رئيسة بلدية إرفتشتات في رينانيا شمال فيستفاليا، المنطقة التي تعرّضت لانزلاق تربة مروّع ناجم عن الفيضانات "علينا توقع العثور على مزيد من الضحايا".
وصرّح وزير الداخلية في راينلاند بالاتينات روجر ليفنتس لوسائل الإعلام المحلية، "ما يصل إلى 60 شخصاً في عداد المفقودين وأكثر من 600 أصيبوا بجروح".
وذكرت الحكومة أنها تعمل على إنشاء صندوق مساعدات خاص، فيما يتوقع أن تصل تكلفة الأضرار إلى مليارات عدة من اليوروهات.
وتعهدت المستشارة أنغيلا ميركل، التي عادت الجمعة من زيارة إلى واشنطن هيمنت عليها الكارثة، تقديم "دعم في المدى القصير والبعيد من الحكومة" للبلديات المنكوبة.
ولم تتوجّه المستشارة بعد من برلين إلى المناطق المتضررة، لكن المتحدث باسمها قال الجمعة إنها أجرت اتصالات مع القادة الإقليميين حول "زيارة قريباً إلى مكان الكارثة".
مع وفاة 133 شخصاً على الأقل، أعادت الفيضانات المدمرة مسألة التغيّر المناخي إلى صلب الحملة الانتخابية في ألمانيا عشية الاقتراع المقرر في 26 سبتمبر (أيلول) المقبل مع مغادرة ميركل السلطة بعد 16 عاماً أمضتها على رأس القيادة.
وقال وزير الداخلية هورست سيهوفر إن البلاد "يجب أن تستعد بشكل أفضل" في المستقبل، مضيفاً أن "هذا الطقس القاسي هو نتيجة تغيّر المناخ".
كارثة غير مسبوقة
من جانبه تحدث أرمين لاشيت من الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل والأكثر حظاً لخلافتها بعد الانتخابات عن "كارثة غير مسبوقة" في ولاية رينانيا شمال فيستفاليا التي يتحدر منها، وفي راينلاند بالاتينات.
وقطعت مرشحة الخضر أنالينا بيربوك عطلتها الصيفية للتوجه إلى المنطقة المنكوبة، بينما وعد وزير المال، مرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي لمنصب مستشار، أولاف شولتز "بمساعدات غير بيروقراطية".
وذكرت مجلة "دير شبيغل" الإخبارية أن العلاقة بين الاحترار العالمي والأحداث المناخية القاسية، مثل هطول الأمطار الغزيرة التي تسببت في الفيضانات ستسلط الضوء على استجابة المرشحين لمسألة تغيّر المناخ.
وقالت، "ستكون هناك تأكيدات في الأيام المقبلة أن تلك المسألة لا تمثل مشكلة للحملة، لكنها بالطبع كذلك"، مشيرة إلى الوتيرة المتزايدة المتوقعة للكوارث الطبيعية، بسبب حالة الطوارئ المناخية. وأضافت "يريد الناس أن يعرفوا كيف سيقودهم السياسيون في وضع كهذا".
وفي بلجيكا المجاورة، ارتفعت حصيلة الضحايا إلى 24 قتيلاً، وقال مركز الأزمات الوطني الذي ينسق جهود الإنقاذ، في بيان، "للأسف، علينا أن نفترض أن هذا الرقم سيواصل الارتفاع في الساعات والأيام المقبلة". ولا يزال نحو 20 شخصاً في عداد المفقودين.
وتوجه رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، السبت، لمعاينة المنطقة التي تعرّضت لخسائر "غير مسبوقة" من جراء الفيضانات. ومن المتوقع أن تنضم إليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لتفقّد وديان أنهر في شرق بلجيكا قرب الحدود مع ألمانيا.
كما هطلت أمطار غزيرة على لوكسمبورغ وهولندا، غمرت مناطق عدة وأرغمت السلطات على إجلاء آلاف الأشخاص في مدينة ماستريخت الهولندية.
وتعهد رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتل بحزمة مساعدة أولية بقيمة 50 مليون يورو (59 مليون دولار)، تقدّم بشكل فوري للمواطنين الذين تكبدوا خسائر في الفيضانات.
من جهته، قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي إن هذا الطقس الرديء هو "بلا شك" نتيجة تغيّر المناخ، بينما تجاوزت قيمة التبرعات الوطنية لمقاطعة ليمبورغ المنكوبة مليون يورو السبت.
ورداً على سؤال مساء الجمعة خلال زيارة للمقاطعة حول تأثير الاحتباس الحراري، قال روتي إن "هذه هي الحال بلا شك".
وأضاف، "لا أريد الإدلاء بأي تصريحات متسرعة، لكن هناك شيئاً ما يحدث بالفعل، فلنكن واضحين".