بعد أكثر من عام على مقتل الباحث في الشؤون الأمنية والجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، قرب منزله، شرق العاصمة بغداد، أعلنت السلطات العراقية عن اعتقال منفذ العملية، وهو ملازم في الشرطة، ما أثار جدلاً جديداً على الساحة العراقية.
وعلى الرغم من الترحيب الكبير والإشادة بالخطوة من قبل زعامات سياسية عراقية من مختلف الطوائف والمكونات وعدها رسالة مهمة على قدرة السلطات على ضبط الأوضاع في البلاد، لكن عدم إفصاح منفذ الاغتيال، أحمد حمداوي عويد معارج الكناني، عن الجهة التي كلفته العملية، جعل شريحة واسعة من العراقيين تشكك بجدية الحكومة في إعلان حقيقة ما حدث.
ينتمي إلى مجموعة مسلحة شيعية
ويظهر من خلال صفحة "فيسبوك" الخاصة بمنفذ العملية، التي تعرضت لحملة بلاغات مفاجئة قامت بها، بحسب مصادر حكومية، "جيوش إلكترونية" تابعة للميليشيات الشيعية، اختفت معها منشورات عدة عن الصفحة، لكن ما تبقى منها يشير بوضوح إلى أن الكناني من أنصار تلك الميليشيات.
ولم تعلن السلطات العراقية عن الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال، إلا أنها ذكرت أن الكناني ينتمي لجهة خارجة عن القانون، وهذا المصطلح يطلق من قبل الجهات الأمنية العراقية على الجماعات والميليشيات الشيعية التي تصل أعدادها إلى العشرات وتنتشر في مناطق واسعة من البلاد.
الجهة المنفذة
هذا الأمر قلل كثيراً من أهمية اعتقال عويد، كونه أخفى جزءاً مهماً من المعلومات التي كان ينتظرها الشارع العراقي، والتي يرى أنها تتعلق بوقوف ميليشيات شيعية معروفة وراء العملية، بعد انتقادات الهاشمي المتواصلة لخلايا صواريخ الكاتيوشا التي تستهدف السفارة الأميركية في بغداد ومطارها والقواعد العسكرية التي يوجد فيها الجيش الأميركي.
وجاءت تصريحات الهاشمي آنذاك بعد فشل الحكومة العراقية في مواجهة الفصائل الشيعية، التي بدت نتائجها واضحة في يونيو (حزيران) 2020، عندما اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب خليةً مسلحة تتبع هذه الفصائل مسؤولة عن عمليات القصف بصواريخ الكاتيوشا، والتي كان الرد عليها من قبل "كتائب حزب الله" بمحاصرة مكتب رئيس الحكومة ومقر جهاز مكافحة الإرهاب داخل المنطقة الخضراء، ما أجبر الأجهزة الأمنية على الإفراج عنهم.
انطلق من جنوب بغداد
وانطلق الكناني، بحسب اعترافاته، هو والمجموعة التي اغتالت الهاشمي من منطقة "البعيثة" في الدورة، جنوب بغداد، وقصد منزل الهاشمي وأطلق عليه الرصاص من مسدسه الحكومي، ثم توجه إلى شارع فلسطين، شرق العاصمة بعد العملية. وتذكر وثيقة صادرة من وزارة الداخلية العراقية بأن عملية اعتقال الكناني تمت في مدينة الصدر، شرق بغداد، من قبل عناصر استخبارات الداخلية بعد متابعة دقيقة له استمرت أشهراً.
ويرى متابعون للشأن العراقي أن عدم ذكر الحكومة العراقية للمعلومات الخاصة بالجهة التي أمرت الكناني بالتنفيذ، والتي يبدو، بحسب جميع مؤشرات البيان الرسمي، أنها تشير إلى مجموعة مسلحة شيعية، يهدف إلى عدم الدخول في مواجهة مع هذه الجماعات، تؤثر على سير التحقيق في هذه القضية الحساسة.
تطور مهم
ورأى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن "الحدث بحد ذاته يعد تطوراً مهماً في إطار مواجهة الحكومة ورئيسها مصطفى الكاظمي مع تيارات الاغتيالات والمافيا التي تنفذ العمليات"، مشيراً إلى أن "الجميع ينتظرون من القضاء الإعلان عن المسؤول عن هذه العملية".
وعزا فيصل عدم ذكر أسماء المسؤولين عن عملية الاغتيالات من قبل الجهات الأمنية إلى "عدم الدخول في معارك جانبية"، لافتاً إلى أن "الكاظمي تعهد عند تسلمه رئاسة الوزراء بالكشف عن القتلة، وقد يكون نوعاً من التكتيك عدم إعلان الأسماء التي تقف خلف العملية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت فيصل إلى أن "الفترة الماضية شهدت الكشف عن المسؤولين عن عمليات الاغتيالات والقبض عليهم"، لافتاً إلى أن "شخصاً برتبة ضابط يقوم بعملية الاغتيال يدل على مدى اختراق الأجهزة الأمنية. ورئيس الوزراء قام سابقاً بحملة خلال جولات شملت عدداً من الأجهزة الأمنية من ضمنها جهاز المخابرات".
ويمثل الاختراق الكبير الذي حققته الميليشيات والجماعات الشيعية الموالية لإيران في المؤسسات الأمنية العراقية، أمراً أساسياً في منع أي تحقيق جدي للكشف عن كثير من الحوادث وعمليات القتل والتصفية التي يشار إلى عناصر هذه الميليشيات بتنفيذها، مثلما حصل في عدم الكشف عن الجهات المتسببة بقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة الآلاف منذ انطلاق التظاهرات الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
غير مقنعة
أما الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي فتساءل عن سبب ظهور الاعترافات في هذا التوقيت، لافتاً إلى أن "الرأي العام والإرادة الدولية غير مقتنعة بأن ما وراء الاستهداف مجرد جنحة". وأضاف أن "القضية هي اغتيال سياسي والحكومة لم تكن موفقة في عرض تفاصيل الاعترافات وسير التحقيق، لا سيما أن التسجيل مقتضب، وهناك تناقض بالحديث، ولم يجب عن كثير من التساؤلات التي يطلبها المواطن، ولعل أهم ركن في الجريمة الدافع الذي لم يتضح في التسجيل".
وأشار الشريفي إلى أن "عدم ذكر ما دفع ضابط برتبة ملازم، وهو بمقتبل العمر، إلى قتل قائد رأي في المجتمع، ما قد يعرضه إلى الملاحقة والمساءلة والقانونية والحكم عليه بالإعدام، هو أمر يحتاج إلى إجابة، سواء من الجاني أو من جهات التحقيق". وتساءل الشريفي عن "الجهة التي تقف خلف القضية، إذا ما كانت سياسية وليس جنائية"، لافتاً إلى أن "هذه الجزئية بقيت سائبة، ولا يستطيعون الحديث عنها، لأن الحكومة أضعف من الأحزاب".
دعم زيارة الكاظمي
ويبدو أن الإعلان في هذا الوقت عن اعتقال قاتل الهاشمي، قد يكون مدروساً لقربه من توقيت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الولايات المتحدة في الـ25 من يوليو (تموز) الحالي، بهدف إعطائها دفعةً قوية، خصوصاً في ما يتعلق بتعامل بغداد مع الجماعات المسلحة.
وكشف مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي في مطلع يوليو الحالي، عن أن الزيارة ستشهد مباحثات أميركية - عراقية في مختلف المجالات والاتفاق على جدول الانسحاب الأميركي من العراق.
سلاح غير فعال
في السياق، اعتبر الشريفي، أن "عرض الاعترافات في هذا التوقيت على أعتاب حوار مع الولايات المتحدة مرتكزها حقوق الإنسان، جاء من أجل أن يتسلح الكاظمي بقضية حتى يستطيع أن يقول حين يذهب إلى واشنطن: كشفت عن قتلة هشام الهاشمي"، مرجحاً أن "يكون هذا السلاح غير فعال في الوقت الحالي".
وقال الشريفي، إن "تقديم شخص بعد سنة كاملة على الجريمة، يراد من وراءه أن يتحمل القضية وحده دون ذكر الأربعة الآخرين الذين شاركوا بعملية الاغتيال، ما يمثل عملية غير متكاملة". وزاد أن "أي نشاطات في ملاحقة المسؤولين عن عمليات الاغتيال دون استكمال الإجابات عن أسئلة الرأي العام ومتطلبات التحقيق، تُعتبر واهنة ولا تُعد إنجازاً للحكومة".